عقدت جمعية المهندسين المصرية برئاسة المهندس أسامة كمال وزير البترول والثروة المعدنية الأسبق، ندوة حملت عنوان “التنمية العمرانية وأبعادها الاقتصادية”، والتي جاءت استكمالا لسلسلة الندوات العلمية والتوعوية التي تنظمها الجمعية تزامنا مع مرور مائة عام على تأسيسها.
حاضر في الندوة الدكتور عاصم الجزار وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، وذلك في حضور عدد من قيادات الجمعية: المهندس فاروق الحكيم الأمين العام، الدكتور مصطفى شعبان نائب رئيس الجمعية، المهندس معتز طلبة أمين الصندوق، المهندس سيف أبو النجا عضو مجلس الإدارة، المهندس شريف هدارة وزير البترول الأسبق، والدكتور مصطفى هدهود محافظ البحيرة السابق، بالاضافة الى قيادات من وزارة الاسكان والمجتمعات العمرانية، وجمع غفير من كبار المهندسين وطلبة الهندسة.
مشروعات العمران المصرية
وقال المهندس أسامة كمال: منبر جمعية المهندسين المصرية يعد البوتقة التي تنصهر فيها الأفكار وتتفاعل الآراء للخروج بتصور متكامل للمجتمع العصري، مؤكدا أن وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية دائما ما يبعث برسائل عديدة خلال حديثه بالندوات والمؤتمرات الخاصة باستراتيجية وزارته مفادها أن مصر في الجمهورية الجديدة تعمل وفق استراتيجية وطنية من أجل مستقبل أفضل للمصريين في إطار من المكاشفة والشفافية والمصارحة والصدق لكل ما حدث على مدار السنوات الأخيرة خلال بناء الجمهورية الجديدة ليتغير الوجه الشاحب لمصر ويصبح مشرقا بمشروعات عملاقة يلمسها القاصي والداني.
وذكر “كمال” إنه لا يستطيع أحد أن ينكر التحول الكبير في إدارة ملف الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الجديدة، وأن التطور الملحوظ الذي نلمسه خلال الفترة الحالية في أداء الوزارة لم نشهده منذ عهد الوزير الأسبق المهندس حسب الله الكفراوي، مشيرا إلى أن ملف التنمية العمرانية والمدن الجديدة يعد أحد الشواهد الاقتصادية على حجم التنمية التي شهدتها مصر منذ عام 2013 وحتى الآن، وأن البلاد شهدت في هذه الفترة جهودا كبيرة لتعزيز التنمية العمرانية وتطوير البنية التحتية من خلال إنشاء مدن جديدة ومشروعات عملاقة، كانت محركا رئيسيا في عملية التنمية الاقتصادية، وذلك نظرا لحالة التشغيل الاقتصادي التي يحدثها قطاع التنمية العمرانية داخل أي اقتصاد.
واعتبر ” رئيس جمعية المهندسين المصرية ” أن الندوة تعد فرصة عادلة للاستماع لوجهات النظر المختلفة فيما يخص الموضوعات الشائكة المتعلقة بالتنمية سواء الخاصة بالحجر أو البشر أو المرافق .. إلخ، مشددا على انشغاله الدائم بتقديم رموز وشخصيات بارزة ونماذج ناجحة في مختلف المجالات خلال احتفالات الجمعية باليوبيل الذهبي من أجل الاطلاع على خبراتهم وتجاربهم، لتوسيع الآفاق وتنمية المهارات والقدرات المعرفية بما يؤهل للمساهمة في نهضة الدولة المصرية.
قال المهندس فاروق الحكيم “الأمين العام للجمعية”، ان مشروعات التنمية العمرانية التي قامت بها الدولة المصرية مؤخرا هدفت إلى تحقيق توازن التنمية الإقليمية في مصر وتخفيف الضغط على المدن الكبرى مثل القاهرة، كما تم توزيع الاستثمارات والمشروعات العمرانية على عدة مناطق في البلاد، مما يساهم في توفير فرص عمل وتنمية شاملة في تلك المناطق، لافتا إلى الفوائد الاقتصادية الهامة لتلك المشروعات في المستقبل مثل زيادة فرص العمل ،وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين، وكذلك جذب الاستثمارات الوطنية والأجنبية.
وقال الدكتور عاصم الجزار وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، إن أول أهداف المخطط الاستراتيجي القومي للتنمية العمرانية بمصر 2052، هو مضاعفة المعمور المصري من 7% إلى 14% من أجل توفير الفرص التنموية المختلفة وإيجاد أوعية جديدة للعمران تستوعب الزيادة السكانية، وكل الأنشطة التب يحتاج إليها السكان، موضحا أنه يتم مضاعفة المعمور من خلال مجموعة من مشروعات التنمية العمرانية ذات الأولوية، مثل مشروع تنمية محور قناة السويس، ومن خلال مناطق التنمية العمرانية الجديدة ذات الأولوية مثل مدينة العلمين الجديدة، وغيرها، ويتم توزيع تلك المناطق والمشروعات على مستوى الدولة المصرية من أجل تحقيق الهدف الاستراتيجى بمضاعفة المعمور.
وأضاف “الجزار” أنه خلال الفترة من 1985 إلى 2014 التهم الزحف العمراني العشوائي على الأراضي الزراعية نحو 490 ألف فدان تم تحويلها إلى أراضٍ للبناء بمعدل فقد 17 ألف فدان سنوياً من الأراضي الزراعية، منوها الى أنه لو استمر الزحف العمراني بدون تدخل أو إيجاد حلول بديلة كان سيتم فقدان 150 ألف فدان من الأراضي الزراعية تتجاوز قيمتها 225 مليار جنيه، هذا بخلاف 250 مليار جنيه تكاليف إمداد مرافق وخدمات، وفقدان 130 ألف فرصة عمل مباشرة و40 ألف فرصة عمل غير مباشرة.
وتساءل “الوزير”هل الحل في توسعــة الأحــوزة العمرانيــة للمــدن؟ لاستيعاب جزء من الزيادة السكانية وتوفير الخدمات والأنشطة الاقتصادية، حيث إن توسعة الأحوزة العمرانية فى المقام الأول هو قرار اقتصادي، مضيفا : للإجابة عن هذا السؤال، نستعرض النمــو العشوائــي للمدن خارج الحيز العمراني، حيث بلغت الأراضي المضـافة إلى الحيـز بما يعـادل 25 – 39 % ما بين عامى 2010 – 2012، حيث بدأ إعداد مخططات عمرانية لمعظم مدن الدلتا، وتم إضافة تلك المساحات، وهى مساحات كبيرة جداً في من مساحة الكتلة، وخلال فترة الـ12 الماضية، ظلت 45 – 70 % من المساحات المضافة للحيز غير منماة، وبلغ حجم النمو العشوائي خارج الحيز العمراني ما يعادل 15 – 40 % من المساحة المضافة للأحوزة العمرانية، مما يعنى أن الحل لا يكمن فى توسيع الأحوزة العمرانية، لأن توسعة الاحوزة العمرانية يعنى هدر الأرض الزراعية، فالمواطن يفضل البناء على أرضه الخاصة، والدليل على ذلك عدم تنمية معظم الأراضى المضافة للحيز، والتوسع العشوائى، فليس هناك طلب حقيقي مقترنا بالقدرة الاقتصادية، وليس هناك أنشطة اقتصادية تسمح بزيادة هذا الطلب، موضحاً أن معدل نصيب الفرد من الأراضي الزراعية، وهى النشاط الأساسى فى إقليم الدلتا، هو قيراط ونصف القيراط، وعند قسمة المنتج من تلك المساحة على عدد السكان، يساوى فقرا، ولذا يجب التدخل بشكل آخر غير توسعة الأحوزة العمرانية، والتى تأتى على حساب النشاط الرئيسي فى هذا الإقليم.
وشدد ” الجزار ” على أن تجربة الدولة المصرية فى إنشاء وتنمية المدن الجديدة تعد واحدة من أكبر التجارب على مستوى العالم إن لم تكن التجربة الأكبر على الإطلاق، مشيرا الى ان لدينا عشرات المدن الجديدة تشمل مدن الجيل الرابع وهى مدن ذكية مستدامة تراعي المعايير البيئية والتغيرات المناخية ويتم التوسع فى استخدام الطاقة الجديدة والمتجددة بها، وتعمل على تحقيق جودة الحياة للمواطنين، موضحا أن خطة تنمية تلك المدن هى بالأساس خطة اقتصادية تهدف لفتح آفاق تنموية جديدة ومساعدة العمران القائم فى أداء الوظائف التي يعجز عنها.
وأضاف “الوزير” أن المدن مثل الإنسان فهناك مدينة وليدة وأخرى شابة وأخرى كهلة، والعمران القائم فى مصر أصابته أمراض الشيخوخة ولا يستطيع أداء الكثير من الوظائف التى كان يقوم بها من قبل، فضلا عن الوظائف المستحدثة، فالوضع الحالي أشبه بالأنتريه في غرفة النوم”، في إشارة منه إلى حالة الارتباك التي تشهدها المدن القديمة من تواجد المؤسسات المهمة والمقرات الحكومية بها ما يعيق عمل الموظفين وحرية تنقل المواطنين بسهولة ، ولذا يأتى دور المدن الجديدة من مناطق ريادة المال والأعمال، مثل العاصمة الإدارية الجديدة، وغيرها ، لتشكيل هيكل قوي يساند المدن القائمة فى أداء الأدوار المنوطة بها بجانب أداء الأدوار الحديثة مثل المدن الذكية بجانب إتاحة الفرصة للدولة للتدخل فى إصلاح وتطوير العمران القائم.
وأوضح ” الوزير ” أن إجمالى الاستثمارات بالمدن الجديدة “الأجيال السابقة والجيل الرابع” فى الفترة من 2014 : 2023 بلغ حوالي 1.3 تريليون جنيه، منها 975 مليار جنيه لإنشاء وتنمية مدن الجيل الرابع بنسبة 75 % من الاستثمارات، و325 مليار جنيه لتطوير ورفع كفاءة مدن الأجيال السابقة بنسبة 25 % من الاستثمارات، لافتا الى تطور معـدل الإنفاق الاستثمارى على المجتمعات العمرانية الجديدة حيث بلغ إجمالى الإنفاق منذ عام 1978 وحتى عام 2023 نحو تريليونا و364 مليار جنيه، منها 64 مليار جنيه خلال 36 عاماً (1978 الى 2014)، أى بمعدل إنفاق سنوى 1.8 مليار جنيه، و1.3 تريليون جنيه خلال 9 سنوات (2014 : 2023)، أى بمعدل إنفاق سنوى 144 مليار جنيه.
وتطرق ” الجزار ” للحديث عن المردود الاقتصادي للمشروعات القومية “عوائد التنمية”، موضحا مشاركة القطاع الخاص (1420 مقاولا وشركة خاصة) في تنفيذ المشروعات القومية”مشروعات الإسكان والمرافق”، وعددها 17500 مشروع ” أوامر الإسناد” بتكلفة إنشائية 2 تريليون جنيه، وفرت تلك المشروعات 6.5 مليون فرصة عمل (2.9 مليون فرصة عمل مباشرة – 3.6 مليون فرصة عمل غير مباشرة)، إضافة إلى رواج الأنشطة الصناعية والتجارية المرتبطة بقطاع التشييد والبناء، حيث بلغت الكميات المستخدمة في أعمال البناء، 5.5 مليون طن من الحديد، و20 مليون طن من الأسمنت، و96 مليون م2 من السيراميك، و3.5 مليون طن من الأدوات الصحية، و11 ألف جهاز تكييف، و25 مليون باب وشباك، و30 ألف مصعد.
وأشار ” الوزير ” إلى أن الدولة تنفذ مشروعات بالشراكة مع القطاع الخاص (76 مطورا) على مساحة حوالى 16 ألف فدان، بقيمة استثمارات بلغت 1.1 تريليون جنيه، حصة الدولة منها 311 مليار جنيه، وتوفر تلك المشروعات نحو 310 آلاف فرصة عمل، وتتوزع تلك المشروعات كما يلى، 8 مشروعات ذات مساحات كبيرة (أكبر من 400 فدان)، و15 مشروعا بمساحات أقل من 400 فدان، و53 مشروعاً (شركة صواري)، ويتراوح المدى الزمني والتسهيلات من 5 : 15 سنة للمشروعات ذات المساحات الكبيرة، ومشروعات التنمية الصناعية بالمدن الجديدة، حيث تحتوى 21 مدينة جديدة على مناطق صناعية قائمة، وتبلغ إجمالي مساحة المناطق الصناعية، 80 ألف فدان، وإجمالي رخص البناء والتشغيل في الفترة (2014 – 2023)، 35 ألف رخصة بناء.
وأردف ” الوزير ” أن الدولة ليست مطورا عقاريا، بل هي منمٍ عمراني، تعمل على إيجاد مناطق جديدة للتنمية العمرانية، وبدء العمل على تنميتها من خلال تنفيذ أعمال البنية الأساسية، والخدمات الأساسية (مدارس – جامعات – مستشفيات – غيرها)، وبعض المشروعات التنموية الرائدة، وضخ استثمارات ضخمة بها، وتنفيذ شبكة ضخمة من الطرق القومية للوصول لمناطق التنمية العمرانية الجديدة، من أجل إتاحة الفرصة للمستثمرين والمطورين العقاريين لاستكمال مسيرة التنمية بتلك التجمعات العمرانية الجديدة، ومنها على سبيل المثال مدينة العلمين الجديدة، والتى مهدت الطريق لمشروع راس الحكمة .
وأكد الوزير، أن العاصمة الإدارية الجديدة (المركز الإدارى الجديد للمال والأعمال)، تم تخطيطها من أجل المساهمة فى حل مشاكل القاهرة وأزماتها، كما تم اختيار موقعها على طريقين إقليميين (الإسماعيلية – السويس)، لخدمة مشروع محور تنمية قناة السويس، وتكون انطلاقة للتنمية الحقيقية الشاملة فى سيناء.
كما تطرق ” الوزير ” للحديث عن مشروع تطوير مدينة سانت كاترين “موقع التجلي الأعظم فوق أرض السلام”، مؤكدا أنه ينسجم ويتفق مع البيئة المحيطة، حيث تعد المعايير البيئية هى الحاكمة فى تنفيذ أعمال التطوير، من أجل تحقيق التنمية المستدامة، كما أن التطوير يشمل رفع كفاءة العمران القائم بمدينة سانت كاترين، وذلك تنفيذاً لتكليفات الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس الجمهورية، بتطوير مدينة سانت كاترين، ووضعها في مكانتها اللائقة، وتعظيم الاستفادة من المقومات السياحية لهذه المدينة، ذات الطابع الأثرى والدينى والبيئى، تماشيا مع اتجاهات التنمية المستدامة.
وكانت الندوة قد شهدت تكريم الدكتور عاصم الجزار وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية من قبل المهندس أسامة كمال رئيس الجمعية، وقد تم منحه الدرع الخاص بالجمعية بجانب عضويتها الفخرية نظير المجهودات الكبيرة المبذولة في مشروعات التنمية خلال الفترة الأخيرة.