تمكن المواطنون الفلسطينيون ظهر الجمعة من فك الحصار عن المقاوم محمد جابر أبو شجاع، بعدما حاولت الأجهزة الأمنية الفلسطينية اعتقاله من داخل مستشفى ثابت ثابت في مدينة طولكرم.
وأبو شجاع هو قائد كتيبة مخيّم نور شمس التابعة لسرايا القدس، الجناح المسلح لحركة الجهاد الإسلامي، ومن أبرز المطاردين من الاحتلال الإسرائيلي، وكان قد تعرّض لمحاولات اغتيال عديدة في اقتحامات طولكرم المتكررة، وتحديدا بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وكان أبو شجاع قد أصيب في يده خلال تصنيع عبوة متفجرة، مما استدعى نقله إلى المستشفى، وخلال وجوده هناك، اقتحمت أجهزة الأمن الفلسطيني محيط المستشفى وحاصرته، في محاولة لاعتقاله، قبل أن تهبّ الحشود الجماهيرية وأمّهات الشهداء في طولكرم، حيث تمكن المواطنون من إخراجه دون اعتقال، وعاد لمخيم نور شمس.
وأظهرت مشاهد نشرها ناشطون إجبار المحتجين رجال الأمن الفلسطيني على الانسحاب من المستشفى وإخراج أبو شجاع، وسط ترحيب جماهيري ظهر أيضا بشكل جلي خلال وصوله للمخيم، حيث شكل المشهد تحديا للسلطة الفلسطينية وتعبيرا عن تزايد الرفض الشعبي لسياساتها.
النفير العام
وخلال محاصرة المستشفى دارت مواجهات بين المواطنين وعناصر الأمن الفلسطيني الذين أطلقوا القنابل المسيلة للدموع في محاولة لتفرقة الجموع المحتجّة على محاولة اعتقال أبو شجاع، في الوقت الذي دعت فيه الكتائب المسلّحة في مخيمي “طولكرم ونور شمس” إلى النفير العام لفكّ الحصار عن الشاب المقاوم، وذلك عبر إطلاق صفّارات الإنذار داخل المخيمين.
من جانبها، قدمت السلطة الفلسطينية على لسان محافظ طولكرم، مصطفى طقاطقة، رواية رسمية قالت فيها إن “وصول قوات الأمن إلى مستشفى ثابت ثابت جاء بعد ورود معلومات بوصول إصابة إلى المستشفى وبناء عليه توجهت قوة من الأجهزة الأمنية للوقوف على تفاصيل الحادثة وفقا للإجراءات المعتادة حسب قوله، مضيفا أن قوات الأمن تعرضت بعد وصولها بلحظات إلى إطلاق نار، فردت بالمثل، وبعد ذلك وصلت مجموعة من الأشخاص حاولوا اقتحام المستشفى وتعاملت معهم الأجهزة الأمنية للحفاظ على أمن المستشفى”.
أما كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس، فقد اتهمت الأجهزة الأمنية الفلسطينية بمحاولة اعتقال القيادي في كتيبة نور شمس “أبو شجاع”، كما فعلوا سابقا مع أفراد من كتيبة جنين، ووجهت رسالة للأجهزة الأمنية أنها “ستعتدي على من اعتدى عليها، وأن من يسيء ويستبيح دماء المجاهدين وأمهات الشهداء سيلقى منا ما سيلقاه”، حسب تعبير البيان.
محاولة اغتيال
بعد ساعات من هذه الحادثة، ووفقا لمصادر محلية حاولت الأجهزة الأمنية اعتقال أحد المطاردين من كتيبة طوباس أثناء وجوده في المدينة، وأطلقت النار عليه قبل أن يتمكن من الانسحاب واعتقلت شقيقه وأفرجت عنه بعد ساعة.
واعتبرت كتيبة طوباس ما جرى محاولة اغتيال، وجاء في بيان لها عبر صفحتها على تليغرام “تقوم الأجهزة المكلفة من قبل جهاز الشاباك الإسرائيلي باعتقال واغتيال المجاهدين بلا رحمة ولا شفقة وبلا دوافع دينية وإنسانية، وما يحصل الآن في مدينة طوباس، قام عناصر من الأجهزة الأمنية الفلسطينية بمحاصرة أحد مجاهدي كتيبة طوباس أثناء وجوده في أحد الأماكن، وقاموا بإطلاق الرصاص بشكل مباشر عليه، وعلى المدنيين العزل ولكن بفضل الله نجا من محاولة الاغتيال الفاشلة، واعتقال شقيقه”.
لاحقا، أغلق عشرات الشبّان المحتجّين شوارع رئيسية وفرعية في طوباس، وأشعلوا الإطارات المطاطية، وهتفوا ضد أجهزة الأمن الفلسطيني، التي ردّت بإطلاق النار في الهواء والقنابل المسيّلة للدموع، ثم تطورت الأحداث إلى أن استهدف أفراد الكتيبة مقرّات الأجهزة الأمنية بإطلاق الرصاص.
وتعتبر كتيبة طوباس التي انطلقت في يوليو/تموز 2022، من أكثر الكتائب المسلّحة سرّية بالعمل في ساحة الضفة الغربية، حيث تبتعد عن العروض العسكرية المسّلحة، ولا تعلن عن أسماء عناصرها، أو أبرز قادتها، علما أن أكثر من 20 عنصرا من الكتيبة في دائرة “المطاردة” بهدف الاعتقال أو الاغتيال من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
بيد أن ذلك لم يمنع كتيبة طوباس من أن لا تكون عرضة للاستهداف، حيث تعتبر طوباس من أكثر المناطق التي تعرّضت لعمليات تفكيك عبوات من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، والتي تزرعها الكتيبة في الأرض والمركبات المحاذية للطرق بهدف تفجيرها بآليات الاحتلال عند الاقتحام، عدا عن ملاحقة أفرادها بشكل متكرر، وكان آخرها اعتقال أحد عناصر الكتيبة “وديع فقها” الخميس الماضي، بالإضافة إلى اقتحام مكان وُجود أحد قادة الكتيبة ومصادر سلاحه، عدا عن أن السلطة تعتقل أبرز قادة الكتيبة “بكر العباس” منذ 31 يونيو/حزيران الماضي.
وطالبت كتيبة طوباس في بيانها أمس، عشائر طوباس بأن يقفوا عند مسؤولياتهم، وجاء في البيان “نطالب بوضع حد لأبناء الأجهزة الأمنية، ونوجه رسالتنا إلى من يصفون أنفسهم بأنهم جيش الدفاع الفلسطيني، اتركوا الساحات لأهل الساحات فنحن لم نخرج إلا لقتال الأعداء المُحتلين لأرضنا ومُقدساتنا ودحرهم بالدم والعقيدة”.
تمدد المواجهات
وفي سياق مشابه، اندلعت مواجهات بين الشبّان من مخيم الدهيشة في بيت لحم جنوب الضفة الغربية وبين الأجهزة الأمنية على خلفية أحداث طولكرم ومحاولة اعتقال أبو شجاع، حيث خرج عشرات الشبان في مسيرة احتجاجية وصلت مقرّ “المقاطعة” المحاذي للمخيم، وأشعلوا النار في أبوابه الرئيسية، في حين ردّ عناصر الأمن بإطلاق النار في الهواء، وإلقاء القنابل الغازية صوب الشبّان.
هذه المناوشات تحصل بين فترة وأخرى، فمنذ اندلاع معركة “سيف القدس” صيف 2021، بدأت نواة العمل العسكري المقاوم تتشكل في محافظات شمال الضفة الغربية.
ومنذ ذلك الحين بدأت الأجهزة الأمنية في محاولة إنهاء هذه الظاهرة من خلال الاعتقال أو عروض التسوية والتسليم، “وأحيانا بالقتل كما جرى مع 3 عناصر من كتيبة طولكرم، آخرهم كان أحمد أبو الفول في الثاني من مايو/أيار الماضي”.
أما في نابلس، فقد ساهمت الأجهزة الأمنية في تفكيك وإضعاف مجموعات عرين الأسود، بعد اعتقال أحد أبرز مؤسسيها، مصعب اشتية، الذي لا يزال في سجون السلطة الفلسطينية، كما أنها تبقي على مجموعة أخرى من المقاومين داخل مقارها في سياق سياسة التسوية والتسليم.
مراد ملايشة أيضا، كان أحد أبرز أسماء الأشخاص الذين اعتقلهم السلطة الفلسطينية في شمال الضفة الغربية، بتهمة تشكيل مجموعات عسكرية وتأسيس “كتيبة جبع” في جنين، في حين جاء اعتقاله تزامنا مع أحداث اقتحام الاحتلال لمخيم جنين في بداية يوليو/تموز 2023، إذ ما زال رهن الاعتقال حتى اللحظة، ومعه رفيقه محمد براهمة، وكلاهما من أبرز قادة سرايا القدس في جنين.
وبين الحين والآخر يتعرض المقاومون الفلسطينيون إلى مضايقات من الأجهزة الأمنية تتمثل في محاولة الاعتقال أو الضغط على عائلاتهم، كما جرى مع والد “أبو شجاع” حيث إنه موظف في جهاز الشرطة الفلسطينية، ونتيجة عمل نجله المقاوم وعدم تسليمه لنفسه، قطع راتبه.
ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قُتل على يد السلطة الفلسطينية 10 فلسطينيين في الضفة الغربية، حسب مؤسسات حقوقية فلسطينية، ومن بينهم مقاومون يتبعون لتشكيلات عسكرية مختلفة.