مورا فينكلشتاين اليهودية الأميركية، أستاذة الأنثروبولوجيا في كلية موهلينبيرغ للفنون الحرة في أليتاون بولاية بنسلفانيا، تم فصلها من وظيفتها وانتهاك حقوقها بسبب تأييدها القضية الفلسطينية. تحكي تفاصيل ذلك بموقع “إنترسبت” الأميركي.
تقول الكاتبة ناتاشا لينارد في تقرير لها عن قصة فينكلشتاين إنها أول أستاذة ثابتة في أميركا يتم فصلها من وظيفتها بسبب تأييدها فلسطين.
وتضيف فينكلشتاين أنها لم تخف قط دعمها لتحرير فلسطين خلال 9 سنوات من عملها أستاذة للأنثروبولوجيا في كلية موهلينبيرغ، وأنها كانت تحرص على إدراج قضية فلسطين في المحتوى التعليمي الذي تقدمه للطلاب، وأن ذلك لم يكن سهلا، إذ إن 30% من طلاب الكلية البالغ عددهم 2200 هم من اليهود، وكثير منهم مؤيدون لإسرائيل.
ويوضح التقرير أن المحاضر الذي يتم تثبيته أستاذا -وهذه عملية شاقة وطويلة- من المفترض، وفقا للقوانين، أن يتمتع بالأمن الوظيفي مدى الحياة والضمانات القوية للحرية الأكاديمية. ومن المفترض أن يكون سبب الفصل صعبا للغاية.
رسالة على إنستغرام
ومع ذلك، في أواخر مايو/أيار الماضي، أخبرت الكلية فينكلشتاين أنها فُصلت من عملها. والسبب؟ هو إعادتها نشر رسالة كتبها الشاعر الفلسطيني ريمي كنازي -الذي يعيش في الولايات المتحدة- على إنستغرام، يدعو فيها إلى الابتعاد عن الفكر الصهيوني ومؤيديه.
فقد كتب كنازي يوم 16 يناير/كانون الثاني الماضي “لا تنحنِ للصهاينة، عار عليهم، لا ترحب بهم في المساحات الخاصة بك، لماذا يجب معاملة هؤلاء الفاشيين المحبين للإبادة الجماعية بشكل مختلف عن أي عنصري آخر؟”. في ذلك الوقت، قتلت إسرائيل بالفعل أكثر من 22 ألف فلسطيني في قطاع غزة، معظمهم من النساء والأطفال.
وبسبب إعادة فينكلشتاين نشر كلمات كنازي، قررت الكلية أن موظفتها التي قضت 9 سنوات في الخدمة قد انتهكت سياسات “تكافؤ الفرص وعدم التمييز”.
سابقة جديدة
وأكد التقرير أن فينكلشتاين هي أول أستاذة ثابتة منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 تُفصل من الخدمة بسبب خطاب ضد الصهيونية، وتشكل إقالتها سابقة جديدة قاتمة على خلفية الهجمات اليمينية على التعليم العالي في جميع أنحاء أميركا.
وذكرت إنترسبت أن العديد من الأساتذة غير الثابتين فقدوا وظائفهم، في انتقام واضح للتحدث علنا ضد حرب الإبادة الجماعية ونظام الفصل العنصري في إسرائيل، كما واجه مئات الطلاب ولا يزالون يواجهون عواقب تأديبية خطيرة لمشاركتهم في معسكرات التضامن والاحتجاجات ضد الحرب على غزة.
وفي الأشهر الـ11 الماضية، يضيف التقرير أن أساتذة آخرين تم إيقافهم عن العمل والتحقيق معهم بسبب توجيه انتقادات قوية لإسرائيل وللصهيونية في خطابهم خارج أسوار الكلية.
ولغاية طرد فينكلشتاين، لم يفقد أي أستاذ ثابت آخر وظيفته بسبب الكلام أو التعبير المتعلق بإسرائيل وفلسطين، علاوة على مشاركة منشور على وسائل التواصل الاجتماعي.
فظيعة للغاية
وقالت أنيتا ليفي كبيرة مسؤولي البرامج في “الرابطة الأميركية لأساتذة الجامعات”، وهي منظمة غير ربحية تدافع عن حقوق أعضاء هيئة التدريس والحرية الأكاديمية وتسعى إلى محاسبة مؤسسات التعليم العالي عند انتهاك المعايير، “هذه هي الحالة الأولى التي رأيناها. إن الانتهاكات الواضحة لحريتها الأكاديمية فظيعة للغاية، خاصة أنها تبدو -في المقام الأول- أنها تنطوي على منشوراتها على وسائل التواصل الاجتماعي”.
وأكدت ليفي “نحن نأخذ هذه القضية على محمل الجد”.
وقال التقرير إن فصل أستاذ دائم بسبب إعادة نشر رسالة على إنستغرام مضادة للصهيونية يرسل إشارات بشأن مدى استعداد مؤسسات التعليم العالي الأميركية لخيانة معاييرها المزعومة والخضوع للروايات الكاذبة للمحافظين المؤيدين لإسرائيل.
حملة ضغط
وكشف التقرير أن إقالة فينكلشتاين لم تبدأ وتنتهِ مع رسالة كنازي، بل جاءت بعد جهود استمرت شهورا للضغط على الكلية لإبعاد الأستاذة، مع حملات “صليبية” عبر الإنترنت بقيادة مانحين للكلية وآلاف من خريجيها المجهولين، الذين كانوا يرسلون على مدار الساعة رسائل إلكترونية، وكذلك وسائل إعلام محلية وسياسيين، تطالب بفصل الأستاذة واتهامها بـ”الكراهية لليهود” وتأييد حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وقالت فينكلشتاين “أعتقد أن الضغط من المتبرعين والخريجين كان شديدا لدرجة أنني أصبحت عبئا كبيرا”.
وتتضمن الأمثلة التي ساقها المطالبون بإقالة الأستاذة مزاعم وُصفت بالخطيرة تقول إن فينكلشتاين أرسلت رسالة إلى الطلاب والأساتذة في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وصفت فيها هجمات حماس بأنها “مدمرة”، وكتبت “يجب أن نحزن على جميع القتلى المدنيين”.
ومع ذلك، كان تركيز رسالة فينكلشتاين الإلكترونية هو تنبيه مجتمع الكلية إلى أن إسرائيل تقصف غزة بالفعل بـ”غارات جوية ذات كثافة غير مسبوقة” وهددت بقطع الموارد الأساسية عن الأراضي المعرضة للخطر.
“لا تتردد في التواصل معي”
وكتبت فينكلشتاين “بالنسبة للفلسطينيين في غزة، من المرجح أن تؤدي أعمال الانتقام الإسرائيلية إلى إبادة مطلقة. يمكن أن تكون موهلينبيرغ مساحة صعبة للتحدث بصراحة عن فلسطين والفلسطينيين والحزن عليهم. يُرجى العلم أن هناك مساحات آمنة في الحرم الجامعي.. لا تتردد في التواصل معي إذا كنت بحاجة إلى ذلك”.
وتدين رسائل فينكلشتاين إسرائيل باعتبارها قوة احتلال وتتهمها بالإبادة الجماعية، وهو ادعاء اعتبرته محكمة العدل الدولية معقولا. ولم يتم توجيه أي من منشورات فينكلشتاين إلى اليهود -الطلاب أو غيرهم- لكونهم يهودا.
جمع التبرعات العسكرية الإسرائيلية
ولفتت حملة المطالبين بإقالة فينكلشتاين أيضا إلى لحظة رئيسية أخرى في قصتها مع الكلية في الأشهر الـ11 الماضية، وهو رد فعلها على حملة لجمع التبرعات للجيش الإسرائيلي التي تم الترويج لها داخل الحرم الجامعي.
وذكرت فينكلشتاين للكاتبة أنها في 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عند مغادرة فصلها الدراسي، صُدمت من وجود طاولة وضعتها “منظمة هيليل” حديثا، وهيليل هي أكبر منظمة يهودية في العالم لجمع الأموال للجيش الإسرائيلي.
وكُتبت لافتة على الطاولة “يمكنك المساعدة في جمع الأموال لمختلف جهود الحرب في إسرائيل”، تليها رموز للاستجابة السريعة المرتبطة بالحملات. ولم تنشر فينكلشتاين على الفور علنا عن حملة جمع التبرعات، لكنها أرسلت بريدا إلكترونيا إلى رئيس الكلية ومدير هيليل، تقول “كيف يمكن للكلية أن تسمح بعرض هذا على طلابنا؟ الجيش الإسرائيلي قصف للتو مستشفى في غزة، مما أسفر عن مقتل 500 شخص. أعتقد أن هذا عار مطلق. آمل أن تتم إزالته في أسرع وقت ممكن”.
وفي اليوم التالي، نشرت فينكلشتاين على منصة إكس “الطلاب يجمعون الأموال من أجل الإبادة الجماعية، الحزن لن ينطفئ بالانتقام، يجب وقف إطلاق النار الآن”.
تهديدات بالاغتصاب
وقالت إنها تلقت تهديدات بالاغتصاب مجهولة المصدر ورسائل من أشخاص يقولون إنهم شاهدوها وهي مع كلبها.
وطوال فصل الخريف، تم استدعاء فينكلشتاين لعقد اجتماعات منتظمة مع عميد الكلية وضابطة “الباب التاسع”، الذي يتضمن قواعد الانضباط بالكلية. وقالت إنهما كانا يطلبان منها باستمرار إخبارهما بما كانت تدرّسه للطلاب وما كانت تقوله لهم، وقالا لها “إن الطلاب يشعرون بعدم الأمان حقا وإنهم قدموا العديد من الشكاوى ضدها”.
لكن فينكلشتاين ذكرت للكاتبة أنها علمت لاحقا، من خلال تحقيق مستقل في سلوكها أمرت به الكلية، أن واحدا فقط من طلابها السابقين قد اشتكى عليها رسميا، ولم تتم متابعة هذه الشكوى أبدا.
والشكوى الرسمية التي تمت متابعتها وأدت في النهاية إلى إنهاء خدمتها، قدمتها طالبة قالت فينكلشتاين إنها لم تدرّسها ولم تقابلها قط. هذه الشكوى تركز فقط على إعادة فينكلشتاين نشر رسالة الشاعر الفلسطيني على إنستغرام.
وقالت فينكلشتاين “شعرت كما لو أن الإدارة بحاجة إلى التخلص مني، وكانوا يحاولون أولا بناء قضية حول تدريسي، لكن ذلك انهار، ثم فجأة كان هناك قلق كبير بشأن الأشياء التي نشرتها”.
إجازة ومنع من التدريس
واعتقدت فينكلشتاين أن مشاكلها مع الكلية “تلاشت” خلال العطلة الشتوية، خاصة مع تزايد الانتقادات الدولية لإسرائيل. لكن في 17 يناير/كانون الثاني الماضي، أبلغها العميد أن اسمها ذُكر في شكوى من وزارة التعليم الفدرالية ضد الكلية. وبعد أسبوع، تم وضعها في إجازة إدارية.
وقالت “لقد مُنعت من التدريس، وحُظر حساب بريدي الإلكتروني في الكلية، ومُنعت من التدريس للفترة المتبقية من الفصل الدراسي”.
وأضافت الكاتبة أن فينكلشتاين أخبرتها أنها كانت صريحة في اجتماعاتها مع الإداريين حول ما قصدته عندما استخدمت مصطلح “صهيوني”، وأنها ترفض بشدة الادعاءات بأن المصطلح يمثل الشعب اليهودي، وأن اليهود المعادين للصهيونية مثلها يعارضون استمرار إسرائيل كدولة عرقية يهودية متعصبة.
وأبلغت قيادة الجامعة فينكلشتاين أن آخر يوم عمل لها سيكون يوم 30 مايو/أيار الماضي. وقدمت فينكلشتاين استئنافين عبر قنوات منفصلة.
وأرسلت “الرابطة الأميركية لأساتذة الجامعات” رسالة إلى رئيس موهلينبيرغ يوم 24 سبتمبر/أيلول الماضي، تنقل فيها القلق بشأن معاملة فينكلشتاين من قبل الكلية، وتتساءل عما إذا كانت الكلية قد التزمت بأنظمتها الخاصة، مشيرة إلى أن “القضايا ذات الاهتمام الأساسي لجمعيتنا لا تزال قائمة، خاصة فيما يتعلق بالحرية الأكاديمية”.