مرّ عام كامل على بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ولم ينته العام حتى توسعت دائرة الصراع لتشمل دولا عديدة بالمنطقة، وتعددت الجبهات التي تصاعد فيها القتال لتشمل -إلى جانب غزة- حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن وإيران، وتهديدات إقليمية أخرى لا توفر مصر والأردن والعراق وسوريا ومنطقة الخليج العربي.
وتقول مجموعة الأزمات الدولية إن فتح جبهات جديدة وتبادل النيران المباشرة بين إيران وإسرائيل يجعلان احتواء النزاع أكثر صعوبة، خاصة مع تلاشي احتمالات التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة وتوسيع إسرائيل هجماتها في لبنان.
وأضافت المجموعة -في تقرير صدر عنها مؤخرا بعنوان “بعد عام كامل.. الشرق الأوسط يترقب المزيد من الصراعات”- أنه رغم تصاعد وتيرة تبادل الضربات في مختلف أنحاء المنطقة، فقد تم تجنب اندلاع صراع أكبر بين إيران والولايات المتحدة حتى الآن، ويرجع هذا جزئيا إلى عدم رغبة أي من الطرفين في اندلاع مثل هذا الصراع.
جبهة حزب الله
بدأ حزب الله قصفا محدودا على شمال الأراضي المحتلة عقب عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ولكن كجبهة مساندة للمقاومة الفلسطينية، واستمر على مدى 11 شهرا محافظا على سياسة “الردع مقابل الردع”، رغم اغتيال إسرائيل عددا من قيادات الحزب خلال هذه الفترة.
وفي 17 سبتمبر/أيلول الماضي، بدأت إسرائيل تصعيدا نوعيا ضد عناصر حزب الله وبنيته التحتية، بدأت بانفجارات أجهزة البيجر واللاسلكي، ثم اغتيال بعض قيادات الصف الأول بالحزب، ثم اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله نفسه، ثم استهداف الضاحية الجنوبية بالقصف والتدمير، وصولا إلى محاولات الدخول البري المستمر حتى الآن.
وتقول مسؤولة الإعلام في مجموعة الأزمات الدولية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كريستينا بطرس إن حزب الله لم يكن يتوقع أن يكون التصعيد الإسرائيلي بهذا الشكل الدراماتيكي، ومن الواضح أن إسرائيل كانت تخطط له منذ سنوات طويلة، ويبدو أن التحضير لهذا الخرق الأمني بدأ عقب حرب 2006.
وأضافت -في مقابلة مع الجزيرة نت- أن إسرائيل وجدت أن هذه الفرصة المناسبة، لأن حزب الله لم يكن يريد التصعيد، وهذا كان واضحا لأنه حتى هذه اللحظة لم يستعمل معظم الأسلحة التي يمتلكها كالصواريخ بعيدة المدى.
وعن موقع الحزب داخل الدولة اللبنانية، قالت مسؤولة الإعلام في مجموعة الأزمات إن الحزب جزء لا يتجزأ من مكونات المجتمع اللبناني، ومن الصعب جدا إقصاؤه في هذه المرحلة، وهناك محاولات للنيل منه لتحقيق مكاسب سياسية، وهذا أمر خطير قد يؤدي إلى شحن طائفي داخلي، وقد يخلق نزاعا داخليا خاصة إذا استمرت هذه الحرب فترة طويلة.
أزمة في لبنان
ويشير تقرير مجموعة الأزمات إلى أن التصعيد بين حزب الله وإسرائيل فرض ثمنا باهظا على لبنان، إذ أسفر عن مقتل ما يصل إلى 600 شخص، وتشريد 110 آلاف، معظمهم من الجنوب، كما أدى إلى نزوح نحو 80 ألف إسرائيلي.
بيد أن أرقام وزارة الصحة اللبنانية تشير إلى مقتل أكثر من 1100 شخص خلال النصف الثاني من الشهر الماضي فقط، وأن الغارات الإسرائيلية قتلت في 23 سبتمبر/أيلول الماضي وحده أكثر من 500 لبناني.
وذهب التقرير إلى أن الصراع أظهر عجز الحكومة اللبنانية، التي تعمل الآن في تصريف الأعمال، وأبرز كذلك مدى القوة النسبية لحزب الله، على الرغم من الضربات التي تعرض لها.
وتشرح ذلك كريستينا بطرس بأن جزءا كبيرا من المجتمع اللبناني -وبطبيعة الحال من السياسيين- يعارض تدخل حزب الله في الحرب، ولكن الحكومة اللبنانية بتركيبتها الحالية لم يكن لديها نفوذ تمارسه على قرار حزب الله في التدخل أو عدمه أو فتح هذه الجبهة، وهذا بغض النظر عما إذا كان لبنان قادرا على تحمل نتائجها.
وتضيف كريستينا -في تصريحاتها للجزيرة نت- أنه إذا استمرت الحرب عاما كاملا آخر، فإننا نتحدث عن تراجع نسبته 21% من الاقتصاد اللبناني، في وقت يعاني فيه لبنان أصلا من أزمة اقتصادية خانقة منذ سنوات.
وأشارت أيضا إلى تعدد مظاهر الأزمة الاقتصادية حاليا في لبنان، خاصة من الناحية الاجتماعية، فقدرة الناس على التحمل لم تعد ممكنة، ويمكن رؤية اللافتات في الشوارع تقول إن لبنان لا يريد الحرب.
إيران بين رد ورد
وأشار تقرير مجموعة الأزمات إلى أن الحرب على غزة أدت إلى تصعيد التوترات المباشرة بين إيران وإسرائيل بشكل كبير، حيث سعت إيران -عبر حلفائها في “محور المقاومة”- إلى محاولة ردع إسرائيل عن توسيع حملتها العسكرية، في حين كثفت إسرائيل ضرباتها ضد عدد من الأهداف والاغتيالات المرتبطة بإيران في المنطقة.
ويتساءل التقرير: “هل يستحق الأمر أن تتصرف إيران على نحو قد يؤدي إلى مواجهة مباشرة مع عدو قوي تدعمه أقوى قوة عسكرية في العالم؟ أم ينبغي لإيران أن تركز بدلا من ذلك على دعم شركائها في محور المقاومة”؟
وأضاف التقرير أن إجابة هذا التساؤل تمثل مأزقا، خاصة منذ منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، عندما بدأت إسرائيل شنّ هجماتها على الصفوف العليا من قيادات حزب الله في لبنان، الحليف غير الحكومي الأكثر أهمية لإيران، حيث أصبح وقف إطلاق النار في غزة بعيد المنال على نحو متزايد.
وتذهب مجموعة الأزمات إلى أن طهران رأت في الضربات التي تلقاها حزب الله وشركاؤه الآخرون تآكلا لمصداقيتها كحليف، وجعلها تبدو وديعة أمام أعدائها، وهو ما دفع القيادة في إيران إلى إعطاء الضوء الأخضر لشن هجوم مباشر على إسرائيل في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
وأمام ذلك، قد تضطر إيران إلى التعامل مع رد إسرائيلي قد يوقعها في صراع ذي عوائد غير مؤكدة: فالعيوب الاستخباراتية والعسكرية التي تعاني منها إيران وحلفاؤها أصبحت مكشوفة بشكل متزايد، كما هي الحال مع استعداد إسرائيل للصعود بشكل أسرع من طهران و”محور المقاومة” إلى سلم التصعيد.
ويخلص تقرير مجموعة الأزمات إلى أنه إذا كانت الضربة الإسرائيلية ضد إيران كبيرة، فمن غير المرجح أن تتمكن طهران من استيعابها من غير الرد، استنادا إلى المنطق نفسه الذي دفعها إلى مهاجمة إسرائيل، وهو أن إظهار الضعف لن يؤدي إلا إلى دعوة إسرائيل إلى المزيد من الضربات العلنية والسرية.
ومن تلك النقطة فصاعدا، ستجد إيران وإسرائيل نفسيهما عالقتين في حلقة تصعيدية خطيرة من المرجح أن تجتذب الولايات المتحدة، وتزيد من زعزعة استقرار المنطقة، حسب التقرير.
معضلة وقف إطلاق النار
وفي 12 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، صنّفت إسرائيل جبهة غزة بأنها ثانوية، وأن الحرب على حزب الله في جنوب لبنان هي الأولوية بالنسبة لها، مما يدفع إلى التساؤل عن إمكانية الوصول إلى وقف لإطلاق النار في المدى المنظور.
ويرى مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية جوست هيلترمان أنه من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة ولبنان تحتاج الولايات المتحدة بشكل خاص إلى لعب دور حاسم، وهو الدور الذي لم تلعبه حتى الآن.
وقال هيلترمان -في تصريحات للجزيرة نت- إن وقف إطلاق النار في غزة هو الأكثر أهمية، لأنه يمكن أن يقلل التوترات على الحدود الإسرائيلية اللبنانية.
لكنه استدرك بأنه في هذه المرحلة، ومع القتال الذي يدور في لبنان، ربما نحتاج إلى وقف إطلاق النار هناك أيضا بشكل منفصل، لذا فإن الأمر يعتمد على الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين للإصرار على ذلك، فمن الواضح أنه لا حزب الله ولا حماس ولا إيران يرغبون في حرب شاملة في هذه المرحلة، وبالتالي يمكنهم قبول وقف إطلاق النار.
وتؤيد كريستينا بطرس الرأي السابق، وتذهب إلى أنه بالنظر إلى التحليلات والتقارير التي نشرناها (في مجموعة الأزمات) نؤكد بشكل مباشر أهمية دور الولايات المتحدة في الضغط على إسرائيل للوصول إلى وقف إطلاق النار.
وتختم تصريحاتها بأن الأدوات الأساسية التي تملكها الولايات المتحدة للضغط على الإسرائيل لم تستخدمها حتى هذه اللحظة، وقد يكون ذلك لأنها ترى في الحرب الإسرائيلية بالمنطقة تحقيقا لأهدافها الأكبر وفرصة تاريخية للحد من نفوذ حزب الله وتغيير الواقع الأمني والسياسي داخل لبنان. وإذا تأخر الوصول إلى حل دبلوماسي سواء في لبنان أو غزة فقد تستمر هذه الحرب، وتزيد مخاطر توسعها وانفجار منطقة الشرق الأوسط.