مع مرور شهر على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تبدو إنجازات الدبلوماسية الأميركية ضئيلة، وهو ما يُجمع مؤيّدو الحرب ومعارضوها على أنه أمر متعمد ولو جزئيا.
وقد أصرّ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي يستكمل جولة مكثّفة بشأن الأزمة، على أن جميع القادة الذين تحدث إليهم طالبوا بـ”دور قيادي أميركي”.
وقال بلينكن للصحفيين في العاصمة التركية أنقرة، أمس الاثنين، إن “كل دولة تحدثت معها تتطلع إلى أن نلعب دورا قياديا من خلال دبلوماسيتنا لنحاول تحقيق تقدّم في مختلف جوانب هذه الأزمة”.
لكن الولايات المتحدة لم تدعم موقف قادة الدول العربية والعديد من الدول الأخرى الذين دعوا إلى وقف لإطلاق النار، وواصلت التأكيد منذ بداية الحرب على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
ورغم دخول الحرب شهرها الثاني، وتواصل القصف الإسرائيلي العنيف والمجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال في قطاع غزة، فإن موقف أميركا لم يشهد تغيرا يذكر، باستثناء دعوة بلينكن خلال جولته الأخيرة إلى “هدن إنسانية” للسماح بدخول المساعدات إلى القطاع الذي يفرض عليه الاحتلال الإسرائيلي حصارا خانقا منذ 32 يوما.
بيد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يؤيد فكرة بلينكن تلك، فيما أفاد البيت الأبيض بأن الرئيس جو بايدن طرح مجددا موضوع إفساح المجال لـ”هدن تكتيكية” خلال اتصال هاتفي مع نتنياهو أمس الاثنين.
ورغم هذا العدد الكبير من الضحايا المدنيين والوضع الإنساني الكارثي في غزة، فإن أبرز أهداف وزير الخارجية الأميركي خلال جولته الدبلوماسية في المنطقة، تمثّل في منع اتساع رقعة الحرب والحيلولة دون فتح جبهات أخرى، خاصة مع حزب الله في لبنان.
وتحدث بعض المسؤولين الأميركيين عن تحقيق بعض التقدّم فيما يتعلق بالتخفيف من معاناة سكان غزة، من خلال مساعي لإقناع إسرائيل بإعادة جزئية لخدمات الماء والكهرباء اللذين قطعتهما عن القطاع منذ بداية الحرب، والسماح بدخول مزيد من المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح.
ورغم أن المسؤولين الأميركيين تجنّبوا الإعلان عن تحقيق أي تقدم يذكر بشأن مساعيهم الرامية لمنع اتساع رقعة الحرب، فإن بعض المراقبين اعتبروا أن خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله الجمعة الماضي يشي بأن الحزب لا يعتزم اللجوء إلى مزيد من التصعيد مع إسرائيل.
الردع والرأي العام
وأفاد الدبلوماسي الأميركي المخضرم جيمس جيفري الذي قاد جهود مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب بأن بلينكن بدأ جولته بمهمتين تتمثلان أولا بمنع التصعيد من قبل القوى الموالية لإيران وثانيا بتهدئة الرأي العام.
وأعرب جيفري، الذي يدير حاليا برنامج الشرق الأوسط في “مركز ويلسون”، عن اعتقاده أن بلينكن حقق هدفه خلال جولته الدبلوماسية في المنطقة.
وأشار إلى أن الرد الإسرائيلي العنيف في غزة شكّل بحد ذاته رادعا لحزب الله وإيران، موجّها رسالة مفادها “سنقوم بالأمر ذاته وأكثر تجاهكم” إذا حصل تصعيد.
لكنه لفت إلى أن تكتيكات إسرائيل الحربية عقّدت الهدف الأميركي الثاني القائم على التعامل مع الرأي العام، مشيرا إلى أن بلينكن “يحاول دفع الإسرائيليين لإفساح المجال لأمور أخرى لتكون في نشرات الأخبار”.
وقال جيفري إن بلينكن أراد “مساعدة الدول العربية فيما يتعلق بسكانها، وبصراحة مساعدة بايدن داخليا، عبر التشديد على أن الولايات المتحدة ملتزمة بتجنّب سقوط ضحايا مدنيين، وكذلك بالقيام بدور ريادي فيما يتعلّق بالمساعدات الإنسانية لسكان غزة”.
لكن الدبلوماسي الأميركي المخضرم يؤكد أن مسألة التعاطي مع الرأي العام صعبة، “لأن الإسرائيليين بصراحة لا يساعدون في هذا الصدد كما ينبغي”.
تقليص الهوة
الموقف الأميركي أثار بعض السخرية، فقد سخرت المستشارة القانونية السابقة للمفاوضين الفلسطينيين مع إسرائيل، ديانا بطو، من فشل بلينكن في التوصل حتى إلى هدنات إنسانية، رغم حجم اعتماد إسرائيل على واشنطن.
وفي إشارة إلى هزالة ما حققته جولة بلينكن، قالت بطو “إذا كان بلينكن يسافر على متن رحلات تجارية، فإنه يكسب الكثير من الأميال وهذا كل ما في الأمر”.
ورأت أن بلينكن “يلعب لعبة تقوم على محاولة إرضاء الدول العربية وباقي العالم، مع إعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل في الوقت ذاته” لمواصلة حربها على غزة.
كما رأت أن التقليل من الدور الأميركي رغم مليارات الدولارات التي تنفقها واشنطن على إسرائيل أمر عصي على التصديق.
وذكر مدير برنامج الشرق الأوسط لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، جون ألترمان، أن الولايات المتحدة لطالما واجهت انتقادات من الدول العربية بسبب دعمها لإسرائيل، وهو أمر يرى أن المسؤولين الأميركيين يعتقدون أنه لا يمكن تغييره.
وخلُص ألترمان إلى أن الحرب الإسرائيلية على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تبعد إسرائيل “أكثر فأكثر عن جيرانها وعن معظم العالم، بينما تحاول الولايات المتحدة جاهدة تقليص تلك الهوة” من خلال جهودها الدبلوماسية.