قالت صحيفة نيويورك تايمز إن أنفاق المقاومة الفلسطينية أحد أهم الأسباب التي تدفع الاحتلال إلى تأخير التدخل البري في قطاع غزة.
وأشارت إلى وجود شبكة واسعة من الأنفاق تحت القطاع، فيها العديد من الممرات والغرف وحتى طرق خاصة للمركبات، كما يعتقد أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تخفي أسلحتها ومقاتليها ومراكز القيادة في تلك الأنفاق.
ووفقا لنيويورك تايمز رغم أن جيش الاحتلال أعلن تدمير 150 هدفا تحت الأرض ليلة أمس الجمعة، فإن معضلة الأنفاق لا تزال تشكل التحدي الأكثر صعوبة للقوات التي تشارك في أي غزو بري واسع النطاق لقطاع غزة.
وتنقل الصحيفة عن الجنرال جوزيف فوتيل، القائد السابق للقيادة المركزية الأميركية المسؤولة عن الشرق الأوسط قوله إنه “لا ينبغي أن تكون لدينا أوهام بشأن الكيفية التي ستؤول إليها الأمور” إذ “سيكون قتالا دمويا ووحشيا”.
فقد كانت الأنفاق جزءا من الحياة في غزة لسنوات، لكنها تضاعفت بشكل حاد بعد العام 2007، عندما سيطرت حركة حماس على القطاع وشددت إسرائيل حصارها، ورد الفلسطينيون ببناء مئات الأنفاق لتهريب المواد الغذائية والبضائع والأشخاص والأسلحة.
وتذكر الصحيفة أن شبكة الأنفاق كلفت حركة حماس نحو 3 ملايين دولار لكل منها، بحسب الجيش الإسرائيلي.
كما أن بعض هذه الأنفاق تم بناؤه بالخرسانة الجاهزة والحديد، وبه غرف طبية لتقديم المساعدة للمقاتلين الجرحى، والبعض الآخر لديه مساحات على عمق 130 قدما تحت الأرض حيث يمكن للناس الاختباء لعدة أشهر.
غزة السفلى
وصفت يوتشيفيد ليفشيتز، وهي امرأة تبلغ من العمر 85 عاما، أفرجت عنها حماس بعد 17 يوما من أسرها، كيف مشت لأميال عبر “شبكة عنكبوتية” من الأنفاق.
وقالت للصحفيين -الثلاثاء الماضي- إن مقاتلي حماس قادوها عبر ممرات رطبة تحت الأرض إلى “قاعة كبيرة حيث يتمركز حوالي 25 أسيرا”.
ويشير الناس في إسرائيل إلى نظام الأنفاق باسم “غزة السفلى” أو “المترو”.
ويقول الجنرال الأميركي فوتيل، الذي زار نفقا لحزب الله على الحدود الجنوبية للبنان، إنه “فوجئ بمستوى الجهد المبذول في خلق هذه الأشياء”.
وأشار إلى أنها لم تكن هذه مجرد ثقوب في الأرض “بل كانت بنية معمارية” متكاملة، وقد تم “ربطها بغرف وتم بناؤها بطريقة تتحمل الضربات على السطح”.
ويزعم جويل روسكين، أستاذ الجيولوجيا في جامعة بار إيلان في إسرائيل، أنه مع قيام حماس بتوسيع نظام مترو الأنفاق، قامت بإخفاء مداخل الأنفاق في المنازل وغيرها من المباني الصغيرة على الجانب المصري من الحدود، حيث يمتد نظام الأنفاق على طول الطريق حتى حدود القطاع الشمالية.
ويشير روسكين أنه قبل عقد من الزمن، بذلت مصر جهودا لتدمير الأنفاق على طول حدودها، حيث تم إلقاء مياه الصرف الصحي في بعضها وتسوية المنازل بالأرض التي كانت تخفي المداخل.
وتوضح خبيرة حرب الأنفاق في جامعة ريشمان الإسرائيلية دافني ريتشموند أنها تشك في أن أي شخص يعرف عدد الأميال من الأنفاق التي تمتلكها حماس.
فيما يقدر بعض المحللين العدد بالمئات، حيث كان رئيس حركة حماس في الداخل يحيى السنوار قد ذكر في العام 2021 أن هناك 310 أميال من الأنفاق في غزة.
محاولة التدمير
يذكر تقرير الصحيفة الأميركية أن حركة حماس قامت بحفر الأنفاق يدويا أو بالمجارف، لتجنب اكتشافها، وقد ساعدت التضاريس الرملية على سهولة عمليات الحفر.
وقال الخبراء إن الأنفاق التي يتحرك عبرها مقاتلو حماس يبلغ طولها عادة 6 أقدام ونصف وعرضها 3 أقدام، كما يمكن أن يكون العرض الضيق بمثابة كابوس للجنود الذين يتعين عليهم التحرك من خلالهم في صف واحد.
وتنقل الصحيفة عن جنود وضباط الاحتلال الذين عملوا على تطهير الأنفاق في غزة في وقت سابق أن الجيش عادة ما يمتنع عن إرسال الأشخاص إلى هذه لأنفاق.
ووفقا للعقيد أمير أولو، القائد السابق لوحدة الهندسة القتالية النخبوية المعروفة باسم ياهالوم، المسؤولة عن تفكيك الأنفاق، إنه لا يوجد “احتمال” بشأن “الفخاخ المتفجرة”.
وكان أولو جزءا من محاولة الاحتلال في عام 2014، خلال العدوان على غزة واستمر التوغل البري خلالها لمدة أسبوعين.
وقال العقيد إن الفخاخ المتفجرة، وهي عادة قنابل يتم إطلاقها عن بعد أو تنفجر عندما يعبر شيء ما سلك التفجير، موجودة دائما.
وفي العام 2013 أصيب 6 جنود للاحتلال، أحدهم أصيب بالعمى بسبب انفجار في أحد الأنفاق أثناء محاولتهم إدخال كاميرا في ذلك النفق.
ويقول الجنود الذين قاموا بتطهير الأنفاق إن الدخول إلى أحد الأنفاق هو آخر شيء يريدون القيام به. ووفقا لأولو “باستخدام الأنفاق، يمكن للعدو أن يحاصرنا ويهاجمنا من الخلف”.
وقال مسؤولون عسكريون إن الغارات الجوية وأجهزة الاستشعار التي تعمل عن بعد يمكن أن تدمر الأنفاق، لكن سيتعين على إسرائيل في نهاية المطاف إرسال أشخاص إذا أرادت ضمان تفكيك الشبكة بالكامل.
ووفقا لتقرير مؤسسة راند حول الحرب على غزة عام 2014 فإنه “حتى بعد انتهاء عملية الجرف الصامد، فإن الجيش الإسرائيلي واجه تحديات تكنولوجية حقيقية في اكتشاف الأنفاق والقتال فيها وتدميرها في نهاية المطاف”.
أنفاق برية وبحرية
تشير نيويورك تايمز إلى وجود وحدة عسكرية إسرائيلية تدعى السامور، أو ابن عرس، متخصصة في الحرب تحت الأرض، وتتدرب على الأنفاق الوهمية في إسرائيل.
ويقوم جيش الاحتلال الإسرائيلي بتدريب المشاة بانتظام على كيفية تدمير الأنفاق.
وتنقل الصحيفة عن جندي احتياط في الضفة الغربية قوله “إن وحدات مشاة أخرى تتدرب أيضا على حرب الأنفاق”.
ووفقا للجندي فإن جيش الاحتلال يستخدم تقنية تسمى “الشعر الأرجواني” لتحديد مسار النفق، حيث يتم إلقاء قنابل دخان داخل النفق ومراقبة خروج الدخان الأرجواني من أي منزل في المنطقة.
ويقول الجندي إن الدخان يشير إلى أن المنزل متصل بشبكة الأنفاق ويجب إغلاقه قبل نزول الجنود إلى الأنفاق، مشيرا إلى أن الدخان يتحرك مثل خيوط الشعر في جميع أنحاء نظام النفق.
وتؤكد ريتشموند باراك أن أكثر ما يثير القلق هو الأنفاق البحرية إذ تمثل “اتجاها مستقبليا خطيرا”.
وفي عام 2018، دمر الاحتلال بئرا امتدت أمتارا في البحر، وربما تكون الأولى من نوعها التي يتم اكتشافها، وكان من الممكن أن يكون غواصو حماس قد استخدموا النفق للعبور إلى المياه الإسرائيلية دون أن يتم اكتشافهم.
وبعد أن أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي يوم الثلاثاء الماضي عن تدمير النفق المؤدي إلى البحر، نشر مقطع فيديو لحادثة أخرى.
وقال مسؤولون إن الصورة أظهرت القوات الإسرائيلية وهي تقصف غواصين من حماس خرجوا من نفق على طول ساحل غزة وكانوا يحاولون دخول إسرائيل بالقرب من شاطئ زيكيم.
وتقول باراك “إن حماس تبتكر باستمرار في مجال الحرب الجوفية وتستغل معرفتها وخبرتها بطرق جديدة ومبتكرة”.