6/6/2024–|آخر تحديث: 6/6/202411:23 م (بتوقيت مكة المكرمة)
برر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، في إعلانه الصادر يوم 20 مايو/أيار 2024، طلب إصدار أوامر اعتقال تستهدف قادة إسرائيليين ومسؤولين بحركة المقاومة الإسلامية (حماس) على حد سواء، بالحاجة إلى تطبيق محايد لقانون الصراع المسلح، غير أن هذا الاتهام المزدوج يوشك أن يعطي صورة لتماثل زائف بين الطرفين في فلسطين.
بهذه المقدمة، لخص موقع “أوريان 21” مقالا لأستاذ القانون رافائيل ميزون تطرق فيه إلى الإشكال الذي أثاره طلب إصدار أوامر الاعتقال المذكورة، إذ أعرب الأميركيون وبعض حلفائهم عن سخطهم من التكافؤ بين حركة يصنفونها إرهابية وحكومة دولة يتم تقديمها على أنها ديمقراطية، مقابل جزء آخر من العالم يعبر عن خيبة أمله من تكافؤ زائف يجرم النضال من أجل التحرر الوطني الذي تمارسه المقاومة الفلسطينية.
هجوم
وحسب الكاتب، يتفق المراقبون لعمل المحكمة الجنائية الدولية على إدانة عدم إجراء تحقيق في الجرائم الإسرائيلية قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهي الفجوة الخطيرة التي يقيم عليها المدعي العام الوضع في فلسطين، إذ ينص التقرير على إجرام الهجوم الذي نفذته حماس “وكذلك الجماعات المسلحة الأخرى” والطبيعة غير المتناسبة والإجرامية أيضا لرد الفعل الإسرائيلي.
وذكّر الكاتب بمقولة الأكاديمي جوزيف مسعد إن “إسرائيل بالنسبة للغرب، ليست أصل العنف أبدا، بل ترد فقط على عنف سابق، وعليه فإن اتهامات المدعي العام لحماس كلها مرتبطة بأحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول وما تلاها، وهي تتعلق أساسا بأخذ الأسرى وسوء المعاملة التي تعرضوا لها في أثناء الأسر”.
وأشار أستاذ القانون إلى صحة التساوي بين المتحاربين في القانون الدولي للحرب، ولكنه شكك في صحة نسبة بعض جرائم القتل خارج سياق الأسر إلى قادة حماس، لأن المدعي العامي لا يستطيع إثباتها لوجود أطراف أخرى، كما شكك في اتهامهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، لأن تعريف القانون لها لا ينطبق على هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
إن هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول -حسب الكاتب- قد استهدف في البداية أهدافا عسكرية، وليس من المؤكد أن عمليات قتل المدنيين التي أعقبت ذلك كانت مخططة أو أنها وصلت إلى المستوى المطلوب من الجرائم ضد الإنسانية.
وذكر الكاتب أن حالات الفظائع التي نقلتها وسائل الإعلام الغربية، من أجل بناء قبول للهجوم الإسرائيلي، لم تظهر في اتهامات المدعي العام، مثل “قطع رؤوس الأطفال” و”الاغتصاب المنهجي”، مما يوحي بأنه لا يملك أدلة قاطعة في هذه المرحلة.
وأشار إلى رغبته في أن يساعد التحقيق في تحديد فاعل الخسائر في صفوف المدنيين، خاصة أن عدة مصادر صحفية إسرائيلية أشارت إلى الاستخدام الفوضوي للقوة من قبل الجيش الإسرائيلي، مما قد يكون أدى لمقتل مدنيين، وإلى احتمال استخدام بروتوكول هانيبال.
عن حرب إسرائيل
وفيما يتعلق بالهجوم الإسرائيلي على غزة، يؤكد المدعي العام -دون ذكر أطروحة الدفاع عن النفس- أن إسرائيل “لها الحق في اتخاذ إجراءات للدفاع عن سكانها”، وأن لها -بالتالي- أهدافا عسكرية مشروعة في غزة، مؤكدا أن هذا لا يبرر الوسائل المستخدمة، لأن إسرائيل “حرمت عمدا ومنهجيا وبشكل مستمر السكان المدنيين في كامل الأراضي من وسائل العيش الضرورية لبقائهم”.
ومن ثم، يبرر المدعي العام شن هجوم عسكري كبير على الأراضي المحتلة بشكل غير قانوني، دون أن يعلق على أسباب هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، من قبل الجماعات الفلسطينية الخاضعة للحصار الصارم، وكأن مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها وفي نضالات التحرر الوطني لا يبرره، بل إن هذا الحق يمحى في قراءة المدعي العام، لصالح القبول برد فعل دولة الاحتلال.
وتركز الاتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية ضد القادة الإسرائيليين في المقام الأول على الحصار الكامل وتنظيم وقوع المجاعة، وغيرها من أعمال العنف الموجهة عمدا ضد السكان المدنيين، ولكن من دون التطرق “لإخضاع المجموعة عمدا لظروف قد تؤدي إلى تدميرها الكامل أو الجزئي”، إلا باعتباره “أسلوب حرب”.
وكأن الهدف ليس تدمير الشعب الفلسطيني في غزة، بل “القضاء على حماس”، وزيادة “الضغط من أجل عودة” الرهائن، مع تجاهل التصريحات ذات طبيعة الإبادة الجماعية التي أدلى بها القادة الإسرائيليون والتي استشهدت بها محكمة العدل الدولية.
صراع داخلي أم دولي؟
وقال الكاتب رافائيل ميزون إن المدعي العام يقدم الجرائم “في سياق نزاع مسلح دولي بين إسرائيل وفلسطين، ونزاع مسلح غير دولي بين إسرائيل وحماس والجماعات الفلسطينية الأخرى في وقت واحد”، مما يظهر الرغبة في تقديم الصراع في غزة على أنه صراع داخلي، متجاهلا أن قانون النزاعات المسلحة الدولية ينطبق في حالة الاحتلال العسكري.
ويؤكد البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977 أن قانون النزاعات المسلحة الدولية ينطبق على “النزاعات المسلحة التي تقاتل فيها الشعوب ضد السيطرة الاستعمارية والاحتلال الأجنبي وضد الأنظمة العنصرية في العالم”، لممارسة “حق الشعوب في تقرير مصيرها”.
ويعبّر وصف المدعي العام للنزاع بأنه داخلي -حسب ميزون- عن رفض المدعي ربط المقاتلين الفلسطينيين بقضية المقاومة أو التحرير الوطني، وكأننا أمام تمرد ضد الممارسة الشرعية لسلطة الدولة، في تجاهل ظاهر للسياق التاريخي للاحتلال والحصار الإسرائيلي.
ويعتقد ميزون أن الاتهامات المقدمة في هذه المرحلة جاءت نتيجة لتسوية، يتم فيها توريط الجماعات الفلسطينية المسلحة وإسرائيل بارتكاب الجريمة نفسها، من دون ذكر الإبادة الجماعية، مما يعني فشل التحقيقات في دعم نظام المسؤولية المرتبط بالإبادة الجماعية الذي بدأت محكمة العدل الدولية في استكشافه.
مكان المحكمة
ويرى الكاتب أن محكمة العدل الدولية تناقش مسؤولية دولة إسرائيل عن الإبادة الجماعية، وهي تتجاوز مسألة مسؤولية قادتها، وإذا تم الحكم على القضية بين جنوب أفريقيا وإسرائيل على أساس موضوعها، فإن مسألة التعويض عن الأضرار الجسيمة التي سببتها سوف تنشأ، في حين يتم تجنبها في الخطابات حول “اليوم التالي”.
ولا يزال يتعين تسليط الضوء على عنصرين جديدين يتجاوزان قيود التحقيق الجنائي، أولهما أمر المحكمة لإسرائيل “بالوقف الفوري لهجومها العسكري وأي عمل آخر في رفح من شأنه أن يُخضع مجموعة الفلسطينيين في غزة لظروف معيشية يمكن أن تؤدي إلى تدميرهم المادي كليا أو جزئيا”.
ويؤكد هذا الأمر رفض الخطاب الإسرائيلي الذي يبرر عملياتها، ويعزز فرضية الإبادة الجماعية التي تتم بالوسائل العسكرية، إلا أن حق النقض الأميركي (الفيتو) سيمنع على الأرجح اعتماد أي عقوبات ضد إسرائيل كحظر الأسلحة والعقوبات الاقتصادية.
أما الموضوع الثاني، فهو بحث محكمة العدل الدولية –بمبادرة من نيكاراغوا– عدم القدرة على منع الإبادة الجماعية والتواطؤ فيها.
ولا تزال حجة نيكاراغوا التي تربط المساعدات العسكرية ووقف تمويل الأونروا بعدم منع الإبادة أو حتى بالتواطؤ في الإبادة الجماعية ليست مستبعدة بشكل قاطع، مما يشير إلى أنه في حالات أخرى من الدعم المستمر، يمكن تحميل حلفاء إسرائيل مسؤولية قانونية على أساس اتفاقية الإبادة الجماعية.