يبدو أن المجتمع الأوروبي بدأ يعبر بشكل تدريجي عن امتعاضه المتزايد مما يحدث من تغيير في المشهد السياسي داخل دوله، فيما تبذل النخب الأوروبية الأطلسية قصارى جهدها لمواجهة ذلك.
هذا ما ذكرته صحيفة إزفستيا الروسية في تقرير لكاتبها أندريه كوزماك، رصد فيه ما هو مشترك بين اليمين الألماني واليسار السلوفاكي في هذا الصدد وعلاقة ذلك بأوكرانيا.
ألمانيا ومعضلة “البديل”
ونقل الكاتب ما نشرته في 4 يونيو/حزيران الحالي الهيئة العامة للبث الإذاعي في ألمانيا “إيه آر دي”، وصحيفة “بيلد” الألمانية الرئيسية من تصنيفات شعبية للأحزاب السياسية في ألمانيا.
وأوضح أن ذلك أظهر أداء قياسيًّا لحزب البديل من أجل ألمانيا، الذي حصل على 18% من الأصوات في استطلاع “إيه آر دي”، و19% في استطلاع “بيلد”، وجاء ثانيا بعد الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني؛ وهو ما يعني أن المحافظين اليمينيين يكتسبون شعبية ببطء لكن بثبات في البلاد.
ولفت الكاتب إلى أن الروس يعتقدون أن حزب البديل من أجل ألمانيا مؤيد لروسيا، مشيرًا إلى أن هذا وهم؛ لأن حزب البديل -مثل اليسار الألماني- ليس منظمة أيديولوجية متجانسة.
وأرجع ذلك إلى كون هذا الحزب يضم العديد من ممثلي حركات اليمين المتطرف الراديكالية، الذين لا يتعاطفون كثيرًا مع روسيا.
وقال إن هؤلاء المتطرفين هم المشكلة الرئيسية لحزب البديل من أجل ألمانيا، مما يسمح للمعارضين باتهامهم بانتظام بآراء مؤيدة للنازية وفرض حظر شبه رسمي على جميع الأحزاب الأخرى كي لا تشكل ائتلافات معهم.
وبيّن الكاتب أن حزب الخضر الذي كان يعتقد أنه سيكون خليفة لحزب الاتحاد المسيحي، يفقد قوته بشكل حاد، كما انخفض تصنيف الثقة في المستشار الألماني أولاف شولتز -وفقًا لاستطلاع أجرته قناة “آر تي إل” التلفزيونية في يناير/كانون الثاني- من 57% إلى 33% خلال العام، وانخفض دعم السياسات الحكومية بمقدار 22 نقطة.
لكن الكاتب أوضح أن المعهد الألماني لحقوق الإنسان الذي يموله البوندستاغ أصدر في 7 يونيو/حزيران تقريرًا بعنوان “لماذا قد يُحظر حزب البديل من أجل ألمانيا؟”، والذي نص -من بين عدة أمور- على أن الحزب “يريد تدمير النظام الديمقراطي الحر الأساسي”.
النمسا.. حياد مخيف
ووفق الكاتب، فقد لوحظت اتجاهات “مقلقة” أكثر وبالذات في النمسا، حيث يتقدم حزب الحرية النمساوي المعارض في جميع استطلاعات الرأي منذ 6 أشهر حتى الآن، وقد وصفت صحيفة “بوليتيكو” زعيم الحزب هربرت كيكل بأنه “مؤيد لنظرية المؤامرة الموالية لروسيا” ومؤيد “للأوربانية”، وهي سياسات رئيس الوزراء المجري المجاور فيكتور أوربان.
واعتبرت الصحيفة الأميركية أن وصول حزب الحرية للسلطة سيمثل “كارثة” للاتحاد الأوروبي، لأن الحزب قد أصدر بالفعل “عشرات القوانين المؤيدة لروسيا” من خلال البرلمان.
وأشار الكاتب إلى أن كيكل ينادي فقط باتباع مبدأ الحياد الذي كان أساس السياسة الخارجية الرئيسي للنمسا بعد الحرب العالمية، والذي تم تضمينه في دستور البلاد. بالإضافة إلى ذلك، فهو لا يريد الالتزام بمبادرات الهجرة الخاصة بالاتحاد الأوروبي.
سلوفاكيا.. فيكو اليسار واليمين
ورأى الكاتب أن سلوفاكيا هي الدولة الأكثر ميلًا لروسيا في أوروبا، حيث يندفع فيها حزب يسار الوسط “الدورة- الاشتراكية الديمقراطية”، برئاسة رئيس الوزراء السابق روبرت فيكو، إلى السلطة. ومن المقرر إجراء الانتخابات البرلمانية في 30 سبتمبر/أيلول، وبحسب استطلاعات الرأي، سيحصل “الدورة- الاشتراكية الديمقراطية” على 18% من الأصوات فيها.
وأضاف الكاتب أن سلوفاكيا هي أهم مركز لوجستي وخدمي لكييف، ورغم ذلك فإن أكثر من نصف السلوفاك يدعمون روسيا في الصراع. فيما يقول فيكو إنه في عهده لن تزود سلوفاكيا أوكرانيا بالسلاح، ولن تدعم طلب انضمامها إلى الناتو، وستستخدم حق النقض ضد “عقوبات لا معنى لها”، وهو ما دفع الصحافة الأوروبية لوصف فيكو بـ”الموالي لروسيا”.
ومع ذلك، فهو ليس كذلك، فقد ترأس زعيم “الدورة- الاشتراكية الديمقراطية” الحكومة مرتين، وخلال هذه الفترات أظهرت سلوفاكيا نموًا وتطورًا مستقرًا، بما في ذلك في مسائل التكامل الأوروبي والتعاون مع حلف شمال الأطلسي، وهو ما يتوق الناخبون السلوفاكيون للعودة إليه مرة أخرى؛ بحسب الكاتب.
واختتم الكاتب التقرير بالقول إن العقبة الكبرى أمام فيكو في عودته للسلطة تتمثل في أنه سيحتاج إلى تشكيل ائتلاف حكومي، لأنه لن يحوز الأغلبية التي تضمن له تشكيل الحكومة بمفرده، وهو ما يعني صعوبة كبرى في تشكيل الحكومة، لكون فيكو معروفًا بقسوته السياسية مما يجعل حلفاءه المضمونين أقل عددًا، وسيضطر إلى إقامة تحالف مع عدة أحزاب صغيرة.