تعدّ الهجرة ظاهرة شائعة ومعقدة، وممارسة يومية في النطاق العالمي، وقضية كبرى مؤثرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ عقود.
ولهذه الظاهرة دوافع وأسباب عديدة، منها الهروب من مناطق الخطر إلى مواطن الأمن، أو الانتقال من شظف العيش إلى رغد الحياة، أو الفرار من كتمان الصوت إلى حرية التعبير، فضلا عن الهجرة سعيا في طلب العلم أو الجنسية أو فرصة العمل أو غيرها من الأسباب التي تدفع المرء لترك منازل الأهل ومرابع الصبا.
وكشفت استطلاع أجراه الباروميتر العربي في دورته الثامنة على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الفترة بين 2023 و2024، ونشر يوم 20 أغسطس/آب الجاري، عن ارتفاع كبير في نسب الراغبين في مغادرة بلدانهم سعيا وراء ظروف حياة أفضل في أماكن أخرى.
وتباين معدل الرغبة في الهجرة بناء على ظروف كل دولة وإمكانية الهجرة منها.
فقد أظهر الاستبيان رغبة كبيرة لدى التونسيين في مغادرة بلادهم، إذ بلغت نسبة من يفكرون منهم بالهجرة 46% من المستطلعة آراؤهم، يليهم الأردن بنسبة 42%، ثم لبنان 38%. بينما كان الكويتيون أقل من يفكر بالهجرة من المستطلعة آراؤهم بنسبة 10%.
ورصد الاستبيان أن الشباب -خاصة الحاصلين على التعليم الجامعي- هم الأكثر إقبالا على الهجرة، وهو ما يبدو نتيجة طبيعية إذ هم في مرحلة التكوين والبحث عن فرص في الحياة. ففي المغرب مثلا، فكر 55% من الشباب (18-29 عاما) بالهجرة، بينما لم يفكر فيها إلا 24% ممن هم فوق الثلاثين من العمر.
وعن الطموحات والآمال المبنية على الهجرة، أظهر الاستفتاء أن الأفضل تعليما كانوا أكثر تفاؤلا بأن الهجرة سوف تمنحهم فرص عمل وحياة أفضل، لذلك كانت نسبتهم أكثر، مقارنة بالحاصلين على التعليم الثانوي فقط أو ما دونه.
وبالرغم من أن دخل الأسرة ليس من العوامل الأساسية في الهجرة عند المستطلعة آراؤهم، فإن الآراء حول اقتصاد البلاد لعبت دورا أساسيا في التفكير بها. لذلك نرى أن غالب الراضين عن اقتصاد بلادهم لا يفكرون بهجرتها.
وليس غريبا أن تتصدر الدوافع الاقتصادية عند الراغبين في الهجرة في أغلب الدول التي شملها الاستطلاع، خاصة في الأردن وتونس (نحو 9 من كل 10)، حيث ذكرت الأغلبية الكاسحة من المستطلعة آراؤهم أن من أهم الأسباب التي تدفعهم إلى ترك بلادهم الأسباب الاقتصادية، وكذلك كانت الحال في لبنان وموريتانيا، حيث يذكر نحو 7 من كل 10 أشخاص فيها الدافع نفسه.
بلدان المهجر المفضلة
ويختلف الراغبون بالهجرة في الوجهة المنشودة بوجه عام، لكن أميركا الشمالية (الولايات المتحدة وكندا) تصدرت القائمة، فكانت الخيار المفضل لأكثر الراغبين في الهجرة، تليها دول غرب أوروبا والخليج.
ففي موريتانيا مثلا، يفضل نحو 85% الهجرة إلى الولايات المتحدة أو كندا، وهو ما يفضله أيضا 47% من الكويتيين، و59% من الأردنيين، و49% من المغربيين، و53% من اللبنانيين، 26% من الفلسطينيين، و23% من التونسيين.
وجاء اختلاف التفضيلات بسبب عوامل منها اللغة والثقافة، كما أن الناس يميلون إلى اختيار وجهة هجرة توجد فيها تجمعات وجاليات كبيرة من أقرانهم.
نظامية الهجرة
ولم يرَ كثير من المستطلعة آراؤهم مشكلة في الحصول على الأوراق والإجراءات اللازمة للهجرة، فقد أعربت نسبة كبيرة من الراغبين في الهجرة عن الاستعداد للسفر حتى لو كان ذلك من دون أوراق رسمية.
ويجدر بالذكر هنا أن نسبة الراغبين في الهجرة من موريتانيا من دون الأوراق القانونية تضاعفت مقارنة باستطلاع الباروميتر العربي عام 2022، وتشير هذه الزيادة إلى المعاناة التي يشهدها الموريتانيون في بلدهم، والصعوبات التي يصادفونها عند استخراج الأوراق اللازمة للهجرة القانونية.
ويبدو أن للوعي ومستوى التعليم أثرا في التفكير بالهجرة غير النظامية، إذ كشف الباروميتر أن الحاصلين على التعليم الثانوي أو ما دونه أقل يميلون إلى التفكير في الهجرة دون توفر الأوراق الرسمية، أكثر من أقرانهم الحاصلين على الشهادة الجامعية.
وعند سؤالهم عن أسباب اختيار الهجرة غير النظامية رغم المخاطر المحتملة فيها، كانت حجتهم هي عدم توفر النفقات اللازمة للهجرة بأوراق نظامية. وكان المغرب على رأس قائمة بلدان من يرون أنهم غير قادرين على تأمين مصاريف الهجرة النظامية، تليه موريتانيا ثم تونس.