بعد مرور 60 عاما على تأسيسه يقف الاتحاد الأفريقي، خائر القوى، مبعثر الجهود، متعثر الخطوات، عاجزا عن تحديد مكامن ضعفه وتوصيف علاجه، فهل تكمن المشكلة في التشريعات أم آليات التنفيذ ووسائلها؟ أم تكمن في القيادة التي تقزمت بفعل المصالح الشخصية وضغوط اللوبيات الإقليمية والدولية، واتجاهات سياستها؟ ما الذي ينقص الاتحاد الأفريقي بعد أجندة 2063 والبروتوكولات العديدة التي تم تشريعها من أجل معالجة الاختلالات والمشكلات المتكررة؟
تعريف التغييرات غير الدستورية
تبنى الاتحاد الأفريقي عدة بروتوكولات للتعامل مع معضلة التغييرات غير الدستورية، ابتداءً من قرار قمة الجزائر عام 1999، تبعه الإعلان الخاص بإطار استجابة منظمة الوحدة الأفريقية للتغييرات غير الدستورية للحكومات الذي اعتمد في لومي والمعروف بإعلان لومي في العام 2000 ويعرف حالات التغيير غير الدستوري على النحو التالي:
- الانقلاب العسكري على حكومة منتخبة ديمقراطيا
- تدخل المرتزقة لاستبدال حكومة منتخبة ديمقراطيا
- إسقاط حكومة منتخبة ديمقراطيا من قبل مجموعات مسلحة أو من قبل حركات متمردة
- رفض حكومة قائمة التخلي عن السلطة للحزب الفائز في انتخابات حرة ونزيهة وقانونية
- أضيفت المادة 37 من الميثاق الأفريقي للديمقراطية والانتخابات والحكم لعام 2007 حالة أخرى وهي اعتبار أي تعديل أو تنقيح للدستور أو الصكوك القانونية التي تنتهك مبادئ التغيير الديمقراطي تعتبر تغييرا غير دستوريا.
آليات التعامل
تبنى الاتحاد الأفريقي عددا من الآليات للتعامل والاستجابة لمنع التغييرات غير الدستورية، مثل الميثاق الأفريقي للديمقراطية والانتخابات والحوكمة، والآلية الأفريقية لمراجعة النظراء ومجلس السلم والأمن الأفريقي، ولجنة الحكماء، تلعب دور الرقابة والاستشعار منعا لحدوث التغييرات غير الدستورية وتتدخل إذا اقتضى الأمر.
إجراءات التعامل في حال حدوث تغيير دستوري
نصت المادة 30 من القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي والقرارات والإعلانات التي صدرت لاحقا لمعالجة التغييرات غير الدستورية، أنه إذا ثبت وجود مظهر من مظاهر التغيير غير الدستوري لحكومة عضو فإنه يتوجب عليه التالي:
- إدانة التغيير غير الدستوري ومحاولة الانقلاب كأول إجراء فوري يتخذه الاتحاد.
- تعليق العضوية، وتم التنصيص عليه تحت عنوان تعليق المشاركة.
- فرض عقوبات على قادة التغيير غير الدستوري ويشمل عدم منح تأشيرات لقادة التغيير غير الدستوري وفرض قيود على التجارة، وأي عقوبات يوصي بها مجلس السلم والأمن الأفريقي.
- فرض عقوبات تجارية مثل فرض حظر على الأسلحة والمعدات العسكرية، وحظر تصدير وتوريد من وإلى الدولة المعنية.
- منح فترة 6 أشهر لمرتكبي التغيير غير الدستوري لإعادة النظام الدستوري.
التدخل العسكري
إذا فشلت التدابير والإجراءات والوسائل غير العسكرية في تحقيق المطلوب فيمكن للاتحاد الأفريقي أن يمارس حقه في التدخل في الدولة المعينة عسكريا، وقد تم تقييد التدخل بوجود ظرف خطير يتمثل في جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.
وفي العام 2003 تم تعديل المادة 4 (ح) وأضيفت حالة جديدة تستدعي التدخل العسكري وهي وجود تهديد خطير للنظام الشرعي، وضرورة استعادة السلام والاستقرار في دولة من الدول الأعضاء في الاتحاد.
غير أن الانقسامات والخلافات بين أعضاء الاتحاد الأفريقي وعدم الاتفاق على مفهوم النظام الشرعي لم توقع عليه نسبة معتبرة من دول الاتحاد الأفريقي، وبالتالي لم يدخل حيز التنفيذ والفاعلية.
محطات تاريخية
ما زال الاتحاد الأفريقي يتعامل مع التغييرات غير الدستورية بالتدابير غير العسكرية ويكتفي بتعليق العضوية ومعاقبة المسؤولين عن التغييرات غير الدستورية، ويحث دائما على الإسراع في العودة إلى النظام الدستوري حتى لو عاد الجنرال نفسه الذي قام بالانقلاب على نظام دستوري عبر انتخابات حرة وديمقراطية.
كان أول اختبار لصكوك الاتحاد الأفريقي حول التغييرات غير الدستورية هو التغيير غير الدستوري الذي جرى في توغو عقب الوفاة المفاجئة للرئيس غناسينغبي أياديما عام 2005، وتحرك الجيش لتسليم السلطة لنجل الرئيس فور غناسينغبي.
فقد اعتبر الاتحاد الأفريقي ما جرى انقلابا على الإجراء الدستوري الذي ينص على تولي رئيس البرلمان السلطة في مثل هذه الأحوال، وبعد ضغوط تم إعطاء الجيش فترة وجيزة لإعادة النظام الدستوري وقد كان.
في السنة نفسها كان انقلاب موريتانيا حيث تم تعليق عضويتها في الاتحاد، وبعد عامين تم إجراء انتخابات ديمقراطية لتتنحى السلطة العسكرية، وجرى انقلاب آخر أيضا في موريتانيا في عام 2008 على يد الجنرال محمد ولد عبد العزيز، وتعامل الاتحاد الأفريقي بالوصفة ذاتها.
في مدغشقر جرى انقلاب على سلطة منتخبة في العام 2009 تعامل معها الاتحاد بالتجميد وإمهال الانقلابيين 6 أشهر لإعادة النظام الدستوري.
وفي 2012 وقع انقلاب في غينيا بيساو على إثر خلافات حول الانتخابات، وعلق الاتحاد الأفريقي عضوية البلاد وتم الاتفاق على الحاصل على المرتبة الثالثة ليقود فترة انتقالية إلى حين إجراء انتخابات ديمقراطية.
أما في مصر التي انقلب فيها الجيش على أول رئيس منتخب في العام 2013 فقد تم تجميد عضويتها، لكنها عادت بكامل عضويتها بعد عام واحد.
وفي مالي أطاح الجيش بالرئيس المنتخب، وبعد الاتفاق على حكومة مدنية انتقالية حدث انقلاب ثان وتم تعليق عضويتها مرة ثانية والاتفاق مع الانقلابيين على فترة عامين لإعادة النظام الدستوري.
وشهدت بوركينا فاسو انقلابين العام الماضي، واتفق الاتحاد مع السلطات العسكرية على عامين لإعادة النظام الدستوري.
فشل تعليق عضوية النيجر
بعد فترة من تأزم الوضع بين إيكواس والمجلس العسكري، وبعد وساطة العلماء من نيجيريا وافق المجلس العسكري في النيجر على استقبال وفد من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) للتفاوض والوصول إلى حل للأزمة.
الأمر الذي عزز موقف الأطراف التي تدعو للتريث ما دام هناك ضوء في نهاية النفق، وإلا فتعليق العضوية أمر لا يختلف عليه القادة الأفارقة، إذ يعتبر أهم قرار يتخذه الاتحاد في مثل هذه الأحوال.
على مدى عقدين كاملين ظل الاتحاد الأفريقي يصدر الصكوك والإعلانات والقرارات في سبيل معالجة التغييرات غير الدستورية، إلا أنه أصبح اليوم بحاجة ماسة وملحة أكثر من أي وقت مضى لتفعيل بروتوكول التدخل العسكري حتى توقع عليه كل دول الاتحاد، أو يبحث عن قوانين جديدة من شأنها معالجة هذه الظاهرة.