يشكل اليهود المتدينون الحريديم نحو 13.3% من عدد السكان في إسرائيل ومع ذلك فإن نفوذهم بالدولة كبير، حيث تستمد الأحزاب الدينية قوتها من حاجة الساسة الإسرائيليين إليها عند تشكيل الحكومات لنيل ثقة الكنيست (البرلمان).
ومع تشكيل الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو نهاية العام الماضي، عادت الأحزاب الدينية بكل قوتها إلى الساحة السياسية بعد أن تخلت الحكومة السابقة برئاسة نفتالي بينيت ويائير لبيد جزئيا عنها.
وتحاول الأحزاب الحريدية الرئيسية، وفي مقدمتها حزب “شاس” الذي يمثل المتدينين الشرقيين (السفارديم)، وحزب “يهودية التوراة” الذي يمثل المتدينين الغربيين (الأشكناز)، الاستفادة من تأثيرها للحصول على المزيد من الميزانيات المالية لمجتمعاتها ومدارسها.
غير أن تلك الأحزاب تولي أهمية بشكل خاص لمصادقة الكنيست على قانون يستثني المتدينين اليهود من الخدمة العسكرية.
النمو السكاني
ويقول معهد ديمقراطية إسرائيل (خاص) في دراسة إن معدل نمو السكان الأرثوذكس المتشددين (الحريديم) في إسرائيل هو الأعلى بين جميع السكان في البلدان المتقدمة، ويبلغ حوالي 4% سنويا.
وأضاف أن العوامل الكامنة وراء هذا النمو السريع بشكل خاص هي معدلات الخصوبة المرتفعة، ومستويات المعيشة والطب الحديث، ومتوسط عمر الزواج عند الشباب، والأعداد الكبيرة من الأطفال لكل أسرة.
وتابع المعهد “نتيجة لذلك، فإن السكان الأرثوذكس المتشددين في إسرائيل هم من الشباب، حيث إن حوالي 60% منهم تحت سن العشرين، مقارنة بـ31% من إجمالي سكان البلاد”.
ولفت في هذا السياق، إلى أنه في عام 2022، بلغ عدد السكان (الحريديم) حوالي مليون و280 ألف نسمة، مقارنة بـ 750 ألف نسمة في عام 2009، وباتوا الآن يشكلون 13.3% من إجمالي سكان إسرائيل.
ووفق المكتب المركزي للإحصاء، من المتوقع أن يصل حجمهم النسبي إلى 16% (من عدد السكان) عام 2030، وأن يصل عددهم إلى مليوني نسمة عام 2033 كما ذكر المعهد.
ومطلع العام الجاري، قالت دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، إن عدد سكان إسرائيل بلغ 9.7 ملايين نسمة بينهم 7.1 ملايين من اليهود أي 73.5%، فيما بلغ عدد السكان العرب مليوني نسمة أي 21%، أما باقي السكان فهم من المسيحيين غير العرب والمهاجرين.
وتفتقد الأحزاب الكبرى في إسرائيل إلى عدد المقاعد المطلوبة في الكنيست لتشكيل حكومة، على الأقل 61 من أصل 120، ولذلك فهي تلجأ إلى الأحزاب الصغرى من أجل استكمال عدد المقاعد المطلوبة للحصول على ثقة البرلمان.
وعادة ما ترى الأحزاب الدينية نفسها حليفة للأحزاب اليمينية عند تشكيل الحكومات ولا سيما لرفض أحزاب الوسط واليسار مطلبها باستثناء المتدينين اليهود من الخدمة العسكرية.
أهمية الحريديم
وقال يوناثان فريمان أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس للأناضول إن الحريديم -وعلى مدى طويل جدا- أصبحوا أكثر أهمية لأي ائتلاف حكومي يتم تشكيله.
وأضاف “يمكنني القول إن كل من يشكل حكومة من أي حزب، يخوض مفاوضات مع الأحزاب المتشددة دينيا (الحريديم)، وهنا تكمن الأهمية المتزايدة لهم”.
وتشير استطلاعات الرأي العام التي جرت بالأشهر الأخيرة في إسرائيل إلى اختلاف في قوة الغالبية العظمى من الأحزاب منذ الانتخابات الأخيرة التي جرت نهاية عام 2022 إلا الأحزاب الدينية التي يلاحظ أنها تحافظ على مكانتها.
وأشار فريمان إلى أن أحد أهم الأمور التي تميز هذه الأحزاب هو الولاء الكبير لها بين أنصارها، فهم يصوتون ككتلة واحدة وبذلك فهم يحصلون بسهولة على هذه الأصوات وهم ليسوا بحاجة لتنظيم الكثير من الحملات الانتخابية، إذ تأتي الأصوات من قاعدتهم.
وبينما يتودد حزب الليكود -وهو الحزب الأكبر في إسرائيل ويقوده بنيامين نتنياهو- عادة لهذه الأحزاب، فإنها دائما ما تجد نفسها محل انتقاد من أحزاب الوسط مثل “هناك مستقبل” برئاسة يائير لبيد و”العمل” برئاسة ميراف ميخائيلي وحزب “إسرائيل بيتنا” اليميني المعارض برئاسة أفيغدور ليبرمان.
وتعتبر هذه الأحزاب أن الأحزاب الدينية تشكل عالة على المجتمع الإسرائيلي لأسباب تتعلق برفضها الخدمة العسكرية بداعي التفرغ لدراسة الدين أو الاعتماد على المساعدات المالية من الدولة بدلا من العمل.
أحزاب متشددة
وقال فريمان إن العديد من الأحزاب العلمانية تتحدث بشكل متزايد في حملاتها الانتخابية وتصريحاتها بأن هذه المجموعة من السكان لا تقدم مساهمتها العادلة في الحياة هنا، بما في ذلك الخدمة العسكرية والعمل أو أنهم لا يقومون بما فيه الكافية لتعزيز المساواة بين الرجل والمرأة فيما يتعلق بالصلاة وما يطلبون من القطاعات العلمانية القيام به.
وتضغط الأحزاب الدينية من أجل تشريع احترام السبت، بما في ذلك وقف المواصلات العامة وإغلاق جميع المرافق خلال عطلة السبت والأعياد اليهودية.
وفي الأماكن السكنية لليهود المتدينين مثل حي “مئة (بوابة) شعاريم” بالقدس الغربية ومدينة بني براك، وسط إسرائيل، وغيرهما تمنع الحركة تماما خلال عطلة السبت، وتغلق الشوارع بالحواجز.
كما يمنع بيع الأجهزة الخلوية الذكية وتختفي البارات ودور السينما والمسارح وتكاد تقتصر الحركة على النساء الملتزمات بالزي الطويل المحتشم في مناطقهم.
والسبت هو عطلة رسمية في إسرائيل تغلق خلاله المؤسسات والمراكز التجارية، ولكن في المدن ذات الغالبية السكانية “العلمانية” مثل تل أبيب وحيفا وهرتسيليا وغيرها تفتح المطاعم والمقاهي والأكشاك الصغيرة والمسارح ودور السينما.
ويحترم الإسرائيليون اليهود بشكل عام الدين اليهودي كتقليد ولكن غالبيتهم العظمى ترفض تطبيقه كتشريع حياة.
دولة الهالاخاه
ويشير فريمان إلى أن المجتمع الإسرائيلي هو إلى حد كبير مجتمع تقليدي، فمثلا في يوم الغفران تتوقف السيارات عن الحركة رغم أنه لا يوجد قانون يمنع السياقة، ورغم أن 70% من الشعب اليهودي ليسوا متدينين، فإنهم لا يفعلون ذلك بسبب المخاوف من المتشددين دينيا وإنما بسبب التقاليد.
ولكن زعيم المعارضة ورئيس الوزراء السابق يائير لبيد حذر في أكثر من مناسبة من أن هذه الأحزاب تدفع لفرض الشريعة اليهودية على إسرائيل.
وفي 25 ديسمبر/كانون الأول 2022، كتب لبيد في تغريدة على منصة إكس جاء فيها “نتنياهو ضعيف ويقودنا إلى دولة الهالاخاه (الشريعة اليهودية) المظلمة”.
وكرر نتنياهو مرارا أن إسرائيل لن تصبح دولة شريعة يهودية، وقال في خطاب متلفز في 23 يوليو/تموز الماضي: ستبقى إسرائيل دولة ديمقراطية، وستستمر في كونها دولة ليبرالية، لن تصبح دولة شريعة يهودية وستحمي الحقوق الفردية للجميع.
ولكن فريمان قال إن هناك جدية من قبل بعض الأحزاب العلمانية في التحذير من هذا الأمر ولكن لا توجد مطالب جدية بتطبيق الشريعة اليهودية.
ولا ترى أحزاب وطنية دينية مثل القوة اليهودية برئاسة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير والصهيونية الدينية برئاسة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش غضاضة في تطبيق الشريعة اليهودية.
ففي 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، نقلت صحيفة إسرائيل اليوم الإسرائيلية عن المستشار الروحي لحزب الصهيونية الدينية الحاخام حاييم دروكمان قوله إنه لا توجد مشكلة في وجود دولة هالاخاه (شريعة يهودية).
وأضاف لا أحد يتحدث عن إيذاء الحياة الشخصية للناس، كيف سيتم المساس بحقوق الناس؟ لا أفهم ما المشكلة، نحن نتحدث عن دولة يهودية.
ولكن فريمان رأى أنه لن تكون هناك أغلبية لمثل هكذا قوانين لا في الكنيست ولا في الحكومة الإسرائيلية.
وكانت أزمات عديدة برزت في إسرائيل خلال الأشهر الماضية بما فيها دعوات الفصل بين الرجال والنساء في الحافلات والصلوات والأماكن العامة.