31/1/2024–|آخر تحديث: 31/1/202409:24 م (بتوقيت مكة المكرمة)
إذا كانت الدعوات التي يباركها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإعادة استيطان غزة بعد احتلالها تحظى بكثير من اهتمام وسائل الإعلام الدولية، فإن الخليل في الضفة الغربية، محتلة فعليا وفي صمت، لتتحول المدينة -التي يفترض أن تكون جزءا من الدولة الفلسطينية– إلى أكبر مختبر للاحتلال والاستيطان الإسرائيلي، ويحيا سكانها داخل قفص، كما كتب موقع “ميديا بارت” في تقرير لمراسلته رشيدة العزوزي.
“انظري، إنهم يراقبوننا. إذا تحدثت إليكم سأدفع الثمن” يقول أحمد (اسم مستعار) لمراسلة الموقع الفرنسي، وهو يشتكي مما سماه “الحياة داخل قفص”.
إنه لا يخشى المستوطنين فحسب، وإنما يخشى -أيضا- الجنود الإسرائيليين الذين يتمركزون على بعد أمتار أعلى بيته وأدناه. “مرحبا بكم في قلب الكراهية، لقد ساء الوضع أكثر منذ السابع من أكتوبر”، يختتم أحمد شهادته قبل أن يغلق باب بيته على نفسه.
الكتابات الحائطية تشهد على صدق ما يقول، تكتب رشيدة العزوزي، فشعارات الكراهية مثل “الموت للعرب”، و”يجب إعادة احتلال غزة الآن” تملأ الحيطان والأبواب.
احتلال من الداخل
الخليل كبرى مدن الضفة المحتلة وأغناها، أعلنتها المنظمات الدولية غير الحكومية وناشطو السلام رمزا لنظام الأبارتايد الإسرائيلي.
الكاميرات وأبراج المراقبة والأسلاك الشائكة ونقاط المراقبة العسكرية تحاصر الخليل، التي تعد المدينة الفلسطينية الوحيدة المحتلة من الداخل، حيث يتجمع المستوطنون في وسطها، لا في المستوطنات أو البؤر الاستيطانية من حولها.
قُسمت المدينة في 1997 شطرين بعد توقيع ما عرف باتفاق الخليل (كان نتنياهو رئيس وزراء حينها أيضا): الشطر الأول “إتش 1” (H1) وهو تحت سيطرة فلسطينية، ويمثل 80% من مساحتها، والشطر الثاني “إتش 2” (H2) وتحتله إسرائيل، ويتشكل من القلب التاريخي للمدينة، الذي يعود إلى العصرين المملوكي والعثماني.
هنا “يعكر 800 مستوطن متطرف على 35 ألف فلسطيني صفو حياتهم، في حماية ألفي جندي إسرائيلي”، كما يلخص الوضع لمراسلة موقع “ميديا بارت” ناشط سلام إسرائيلي.
وهنا يخضع الفلسطينيون -تضيف المراسلة- أصحاب المكان للقانون العسكري، بينما يخضع الإسرائيلي المحتل للقانون المدني الإسرائيلي، كما وثقته كثير من المنظمات غير الحكومية الدولية ومنظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية وبينها “كاسروا الصمت”.
في البلدة القديمة، شطر الاحتلال الحرم الإبراهيمي (وقد كان مكانا للعبادة الإسلامية خالصا)، نصفين ليُشيَّد كنيس يفوق المسجد الأصلي مساحة، بعد المجزرة التي نفذها باروخ غولدشتاين، المتطرف اليهودي الذي قتل 29 فلسطينيا في 1994.
صلاة تحت الحراب
إلى الكنيس يأتي المستوطنون اليهود للصلاة مدججين بالسلاح، ليدخلوه عبر منطقة السيطرة الإسرائيلية، بينما يكون عبور الفلسطينيين حصرا عبر المنطقة “إتش 1” (H1)، من خلال بوابات ونقاط تفتيش، تنتهي هي الأخرى بمزيد من التدقيق الأمني المهين عند مدخل الحرم نفسه.
يعيش أحمد قرب شارع الشهداء في البلدة القديمة من حيث الطريق إلى قبر النبي إبراهيم عليه السلام.
كان الشارع مهد الانتفاضة الأولى، وكان يعج بالحياة، لكن اسمه انقلب إلى “شارع الأبارتيد” بعدما أفرغ من سكانه الفلسطينيين بسبب مجزرة باروخ غولدشتاين.
في البلدة القديمة التوتر على أشده، لكن الوضع أنكى وأمر منذ طوفان الأقصى.
كاميرات التعرف على الوجه في كل مكان، والجيش فرض على السكان حظر تجول تاما قبل أن يرخي قبضته قليلا.
الحياة والموت
وفيما تعج المنطقة “إتش 2” (H2) بالحياة والضوضاء، يخيم الموت على المنطقة “إتش 1” (H1): الشوارع مقفرة والبيوت والنوافذ والأبواب محمية بالقضبان الحديدية والشبابيك والطوب للاحتماء من حجارة ونفايات (وحتى بول) المستوطنين الذين أخذوا يستقرون في البلدة القديمة مطلع 1970.
“التنقل صعب للغاية.. نقاط التفتيش تملأ المكان، ومشوار قصير للتبضع أو الذهاب إلى المدرسة أو العمل في”إتش 1” (H1) قد يستغرق منك ساعات”، يقول ساكن يفكر الآن جديا في مغادرة المنطقة بعد أن عاهد نفسه على “المقاومة” والتصدي لاعتداءات وبصاق جيرانه من المستوطنين.
“بيوتنا سجن. إن كان منزلك يطل على شارع ممنوع على العرب، يغلقه الجيش عليك، ويضيف ساكن آخر “عليك تدبر أمرك عبر السطوح إن أردت التنقل”.
تدعي إسرائيل أن الضفة المحتلة أرض إسرائيلية بشهادة التوراة، وتسميها “يهودا والسامرة”.
“نحن لا نستوطن الخليل” يشرح مستوطن لبضعة جنود التحقوا بالجيش الإسرائيلي حديثا، وهو يقدم لهم درسا في التاريخ من أعلى إحدى البنايات “إننا نسترجع فقط الأرض التي وعدنا بها الرب”.