رغم التشديد على أهمية وجاذبية الدراما التاريخية الدينية التي تشهد إقبالا متواصلا من الجماهير العربية، يرى ضيوف برنامج “موازين” أن هناك تحديات عديدة تواجه صنّاع هذه الدراما، أبرزها الأخطاء التاريخية التي ترتكب في كثير من الأعمال، ومسألة التوظيف السياسي لبعضها، فضلا عن مشاكل أخرى تتعلق بالبنية التحتية والملابس خاصة.
ووفق الناقد السينمائي والكاتب الدكتور الفاروق عبد العزيز فهناك انتعاش كبير في الدراما التاريخية الدينية بسبب التقدم التقني في صناعة هذه الدراما، لكن هناك إشكالات تتعلق برسم الشخصيات المهمة في الأعمال الدرامية، إذ تقدمها عادة في شكل مثالي وتتغافل عن هفوات الشخصية البشرية العادية، والنقطة الثانية تتعلق بأساليب الإنتاج؛ فالإحساس اللوني مفقود في الدراما العربية، أي لا يعرف المشاهد الفترة الزمنية للأحداث، وأيضا مشكلة الملابس التي تظهر جديدة وهذا غير واقعي.
ويقول إن الدراما التاريخية لها جاذبية، ولكن الإقبال الجماهيري يكون على الأعمال التي يتوفر فيها عنصر الإبهار والإتقان الشديد، فمثلا فيلم “الرسالة” بقي على قائمة الأعمال المطلوب مشاهدتها طوال الوقت، وأيضا فيلم “ظهور الإسلام” الذي أنتج عام 1951 من قبل “أستوديو مصر” الذي ظل يعرض في إندونيسيا 12 سنة.
من جهته، يعتقد المؤرخ والمحقق في التراث الدكتور خالد عزب بوجود إشكالية في صناعة المحتوى التاريخي العربي في الدراما التاريخية، وأن أفضل الأعمال المنتجة عربيا فيها مشاكل ضخمة جدا من الناحية التاريخية وغير منضبطة، مشيرا إلى حاجة العرب لمن يكتب المحتوى التاريخي بصورة جديدة.
ويرى عزب -في حديثه لحلقة (2023/6/21) من برنامج “موازين”- أن إنشاء محتوى تاريخي عربي يحتاج إلى بنوك رقمية للمعرفة العربية المتعلقة بكل المسائل التاريخية، مثل بنك رقمي حول فكرة تطور الملابس عبر عصور التاريخ الإسلامي، كما تفتقد المنطقة العربية إلى البنية التحتية لتصوير وبناء الدراما التاريخية.
كما ينوّه إلى أن المنطقة العربية غير مستعدة في المرحلة الحالية لما أطلق عليه الجيل القادم من الدراما التاريخية، وهي الدراما التي ستنتج بالذكاء الاصطناعي، مما يعني الاستغناء عن الممثلين، معتبرا أن النمط الجديد من الإنتاج يمثل خطورة على المنطقة العربية، لأنها لا تمتلك أرشيفا رقميا للمصادر التاريخية والملابس وغير ذلك من الأدوات المستخدمة في إنتاج الأعمال التاريخية.
تجسيد الأنبياء والصحابة
ومن جهة أخرى، يتحدث عضو الأمانة العامة في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور ونيس المبروك في مداخلته ضمن برنامج “موازين” إلى الجدل المتعلق بتجسيد الأنبياء والصحابة في الأعمال الدرامية، مؤكدا ضرورة الفصل بين تجسيد الصحابة وتجسيد الأنبياء الكرام.
ويقول إن كثيرا من المجامع الفقهية منعت وحرمت تجسيد الصحابة في الدراما، لكنه أشار إلى ندوة عُقدت في الدوحة في فبراير/شباط 2010، وكان على رأسها الشيخ الراحل يوسف القرضاوي، بالإضافة إلى مجموعة من الفقهاء، وخلصت إلى جواز تجسيد الصحابة في الدراما.
وربط المشاركون في الندوة -كما يضيف المبروك- جواز تجسيد الصحابة في الأعمال الدرامية التاريخية بتوفر بعض الشروط، ومنها أن يكون توثيق العمل صادقا ودقيقا، وأن يكون الممثل الذي يؤدي دور الصحابي معروفا بحسن سيرته وسلوكه، وإتقان الصناعة السينمائية.
ورغم تأكيد تفهمه مخاوف البعض من تجسيد الأنبياء والصحابة في الأعمال الدرامية، لما تشكله من بُعد عقائدي، يقول الفنان المغربي ربيع القاطي إنه لا يتفق لا شكلا ولا مضمونا مع مسألة التحريم، وإن هناك مؤثرات بصرية يمكن استخدامها احتراما للبعد العقائدي والقدسي، ويمكن أن تكون حلا لهذه المشكلة التي تحتاج إلى نقاش، كما يضيف الفنان المغربي.
في حين يعترض الناقد السينمائي الفاروق عبد العزيز بشدة على تجسيد الأنبياء في الأعمال الدرامية، لأن تجسيدهم على الشاشة سيؤدي إلى تشويه صورتهم، أما الصحابة فلا توجد إساءة لهم خلال تجسيدهم ما دام صاحب العمل الدرامي ملتزما بالضوابط التي ذكرها الفقهاء.
وحول مسألة التوظيف السياسي للدراما التاريخية، يشير أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة الكويت الدكتور فيصل حافظ في مداخلته إلى أن هذا التوظيف قديم جدا، فهناك بعض الدول أنتجت العديد من الأعمال التاريخية التي حازت على مشاهدات عالية جدا من أجل تغيير الصورة النمطية عنها وعن تاريخها، وأخرى أنتجت أفلاما ومسلسلات تاريخية لكسر العزلة السياسية عنها، مؤكدا أن أي عمل تاريخي يحمل رسائل معينة.
وحول هذه النقطة، يشبه المؤرخ والمحقق في التراث الدكتور خالد عزب العلاقة بين الدراما والسياسة بـ”زواج كاثوليكي”، ويقول إن الدراما التاريخية الدينية عملت حالة وعي بالتاريخ، فمسلسل الإمام الشافعي أدى إلى إقبال الأجيال الجديدة على قراءة كتبه، مشيرا إلى أن التوظيف السياسي لا يجب أن يكون مباشرا في الأعمال الدرامية، لأن هناك أدوات درامية تغير طبيعة الهوية وجذور البلد نفسه.
أما الفنان المغربي، فيرى أن أي عمل فني هو بالضرورة يحمل أيديولوجية وسياسة معينة؛ فالسياسة والدراما وجهان لعملة واحدة. وكل التجارب السينمائية والفنية حول العالم مارست السياسة، بدليل أن الولايات المتحدة الأميركية أنتجت العديد من الأعمال لتبرر موقفها في قضيتها مع الهنود الحمر وكذلك مشكلتها في حرب فيتنام.