يقول أستاذ اللغويات في جامعة الأزهر الدكتور محمد عبد الفتاح الخطيب إن القرآن أنزل لكي يُقرأ، وإنه مرتل من قبل الله سبحانه وتعالى، واصفا إيقاعه بأنه أولى معجزاته لأنه لا يمكن تبديل فاصلة (آخر الآية) مكان أخرى لأن هذا يذهب بالمعنى.
ويمثل هذا الإيقاع -الذي يتملك قلب العرب وغير العرب بل والمسلم وغير المسلم- إحدى أبرز صور القرآن إبهارا، حسب ما قاله الخطيب خلال مشاركته في برنامج “الشريعة والحياة في رمضان”، وقد استدل على ذلك بحديث الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو الذي قال فيه إن على كل ما يخاطب الجماهير أن يتحدث بالعربية أو الفارسية.
ووفقا لأستاذ علوم اللغة في جامعة الأزهر، فقد قال روسو إن العربية لغة يُستلذ بسماعها وإن نصفها في نبراتها، مؤكدا أن من يسمع القرآن من النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بصوته وشخصه ما كان له إلا أن يستجيب له.
وعن هذا الأثر للإيقاع في القرآن الكريم، يضرب الخطيب مثالا بقوله تعالى في نهاية سورة الزمر ﴿وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون﴾، وهي آيات يقول الخطيب إنها تقرر حقيقة الدنيا ومآلها وما سيحدث للبشر في الآخرة بتعبيرات لا يمكن أن تخرج عن بشر.
وفي هذا السياق الإعجازي، يشير الخطيب أيضا إلى التحدي المعجز تصويرا ونبرة في قوله تعالى في سورة الحج ﴿يا أيها الناس ضُرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا وإن اجتمعوا له ضعف الطالب والمطلوب﴾.
والأمر بالنسبة لاستخدام الألف الممدود كما في قوله تعالى ﴿واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا﴾، والذي يقول الخطيب إنه يحمل إيقاعا وضمائر تؤكد أن الأمة لا يمكن أن تكون قوية إلا بهذه الوحدة، مؤكدا أن المسلمين حاليا أحوج ما يكونون إلى هذه الألف بكافة امتداداتها.
إعجاز الضمائر والفواصل
كما أن الضمائر في القرآن الكريم تحمل من الإعجاز ما تحمل كما في قوله تعالى ﴿ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار﴾، والذي يقول الخطيب إن كلمة “ربنا” في هذه الآيات “تعمق الشعور بالعبودية لله والإيمان به”، وهو ما نجده أيضا في قوله ﴿رب قد آتيتني من الحكم وعلمتني من تأويل الأحاديث أن وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين﴾.
وعن الفاصلة القرآنية واختلافها عن القافية التي يستخدمها الشعراء، قال الخطيب إنه لا مقارنة أبدا بين الأمرين، مشيرا إلى أن العرب “لم يخونوا البيان أبدا”، وهو ما جعل الكفار يسجدون أمام عظمة القرآن الكريم، مشيرا إلى أن الفاصلة القرآنية هي “تشاكل آخر الحروف في الآيات القرآنية وإتيانها على نمط واحد ووزن واحد زمنا وصوتا”، وهي لا تظهر إلا بالوقف عندها في حين أن عدم الوقف لا يؤثر في المعنى.
ويصف الخطيب إيقاع القرآن بأنه أول إعجازاته، مؤكدا أن إخراج الفواصل من النص يذهب بالمعنى ويضيع المقصود منها، وأنه من المستحيل استبدال فاصلة بأخرى والوصول إلى المعنى نفسه.
وعن الوضع الذي يعيشه الفلسطينيون في قطاع غزة، قال الخطيب إن الله سبحانه وتعالى عندما تحدث عن حال المسلمين في سورة الأحزاب بقوله ﴿وإذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذا زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا﴾، مشيرا إلى أنه عز وجل قال “الظنونا” وليس “الظنون” لأن الألف هنا تعني أن خوفهم على ضياع الدين وليس خوفا من الموت.
وعلى العكس من ذلك، يقول الخطيب إن الله -سبحانه وتعالى- استخدم حرف الألف نفسه آخر سورة الأحزاب أيضا لكنه ينم عن الحسرة والأسى، بقوله ﴿يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا، وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا﴾.
ومن خلال هذه الاختلافات في الإيقاع يكشف القرآن الكريم بالأحرف نفسها عن اختلاجات النفس البشرية في المواقف المختلفة خوفا أو رضا نعيما أو جحيما، كما يقول الخطيب.
أما ذكر جهنم في القرآن فيقول الخطيب إنها جاءت بأسماء مختلفة لا يمكن استخدام أي منها في غير موضعها، ومنها “لُمزة” التي جاءت بفاصلة تتفق مع كلمة “حُطَمة”، أي إنها تحطم كل ما فعله الكافرون، مشيرا إلى أن الفواصل في أسماء جهنم تعبر عن حال من تصفهم في كل آية بما يتفق مع سبب دخولهم النار.
وفي إشارة أخرى إلى عظمة التعبير في القرآن، يقول الخطيب إن استخدام “ثم” يعبر عن الاستنكار والاستبعاد كما في قوله تعالى ﴿ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا وبنين شهودا ثم يطمع أن يزيد﴾، لافتا إلى أن الإيقاع عندما ينكسر فإنه يعني التحول إلى معنى آخر في الآيات التالية.
وأخيرا، تحدث الخطيب عن تنوع الفواصل في الآيات مثل “إنك أنت العليم الحكيم، العزيز الرحيم، الغفور الرحيم”، قائلا إنها تتفق مع صفة الله المراد التركيز عليها وحكمته في القضاء الذي جاءت به الآية.