اعتبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الجمعة أن جسر القرم هدف عسكري مشروع، ووصفه بأنه “الطريق الذي يستخدم لتغذية الحرب بالذخيرة ويتم ذلك بشكل يومي”.
وأضاف “بالنسبة لنا، من المفهوم أن هذه منشأة للعدو مبنية خارج القوانين الدولية وجميع القواعد المعمول بها. لذلك، من المفهوم أن هذا هدف لنا. والهدف الذي يجلب الحرب، وليس السلام، يجب تحييده”.
فما جسر القرم وما أهميته؟
جسر القرم أو “جسر كيرتش”، افتتحه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في احتفال كبير عام 2018، وقاد فيه بنفسه شاحنة نقل انطلاقا من ميناء سيفاستوبول الذي يعد قاعدة عسكرية مهمة تاريخيا لأسطول البحر الأسود الروسي.
يربط الجسر روسيا بشبه جزيرة القرم -التي ضمتها موسكو عام 2014- ويمدها بالوقود والغذاء.
يعد الجسر الأطول في أوروبا، إذ يبلغ طوله 19 كيلومترا، وارتفاعه 35 مترا عن سطح البحر، ويستعمل بشكل أساسي لنقل معدات عسكرية روسية للجيش الروسي في حربه الحالية بأوكرانيا
حلم تاريخي لروسيا
مشروع بناء الجسر بدأ بفكرة بناء سكة حديدية تبناها القيصر الروسي نيكولا الثاني عام 1903 وطرح خططا أولية، لكنها هُمِّشت بسرعة بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد آنذاك.
أثناء الحرب العالمية الثانية، وتحديدا في عام 1943، حاولت ألمانيا الاستيلاء على فكرة الجسر لتسهيل الهجوم على الاتحاد السوفياتي، وكلف المهندس الألماني ألبرت شبير بالشروع في بنائه فورا، لكن المشروع توقف بسبب الهجمات السوفياتية، ولإيقاف تمددها قرر الألمان تفجير جزء كبير من الجسر قبل انسحابهم.
وفي العام التالي خلال عهد جوزيف ستالين، ولحضور مؤتمر يالطا، أعاد السوفيات بناء الجسر المدمر وأنشؤوا فيه خطا للسكك الحديدية يمر عبر مضيق كيرتش، ورغم تمكن جزء من الوفد السوفياتي من العبور عن طريق القطار، فإن طوفانا جليديا تسبب في تدمير الدعامات للجسر أوائل عام 1945، ومن يومها تُرك على وضعه، وعُلِّقت كل الخطط لإعادة بنائه بسبب تكلفته العالية وظروف بنائه الصعبة.
في بداية التسعينيات وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي، أصبحت جزيرة القرم جزءا من دولة أوكرانيا، وتوقفت كل خطط إعادة بناء الجسر إلى أن وقعت روسيا عام 2010 اتفاقية مشتركة مع أوكرانيا لبنائه.
إنجاز المشروع بكلفة 3.6 مليارات دولار
عام 2014 أعلنت روسيا ضم شبه جزيرة القرم مما أدى لتوترات شديدة بين البلدين، فأعلنت أوكرانيا وقف التجارة مع شبه الجزيرة وإجبار السفن التجارية الأجنبية على المرور عبر مضيق كيرتش، الأمر الذي رفع سعر البضائع وحدّ من أعداد السياح الروس، فأعلنت روسيا إكمال مشروع الجسر بمفردها.
كان البناء بأمر مباشر من بوتين، الذي وصف الجسر بـ”المهمة التاريخية”، فوقع عقد بنائه في يناير/كانون الثاني 2015 مع شركة تابعة لرجل الأعمال أركادي روتنبرغ، بدأت تشييده في مايو/أيار من العام نفسه، وافتتح يوم 15 مايو/أيار 2018.
حرص بوتين على افتتاحه قبل فصل الصيف لتتم الاستفادة منه، خاصة أن شبه جزيرة القرم تعدّ مركزا سياحيا خصبا للروس خلال العطل، لأن السياحة تشكل مصدر دخل رئيسيا لشبه الجزيرة.
بُني الجسر الذي كلف نحو 3.6 مليارات دولار، بهدف ربط مقاطعة كراسنودار كراي الروسية (شبه جزيرة تامان) بجزيرة القرم عن طريق جسرين، أحدهما لمرور المركبات، وآخر للسكك الحديدية، ويمر ثلث الجسر تقريبا فوق جزيرة توزلا التابعة لشبه جزيرة القرم.
بسبب مخاطر التعرض لعقوبات دولية، كان الحصول على الاستثمار الأجنبي وحتى على تأمين خارجي لتغطية مشروع بناء الجسر أمرا صعبا، فتم التعاقد مع شركة روسية تعمل في بناء خطوط الأنابيب لتتولى مهمة البناء، والتي بدورها حصلت على تأمين قدره 3 مليارات دولار من شركة صغيرة في شبه جزيرة القرم.
مخلفات الحرب العالمية الثانية
بسبب التاريخ الطويل الذي شهده موقع الجسر من حروب، كلّفت موسكو غواصين بالبحث في قاع البحر عند مضيق كيرتش لتنظيفه من أي مخاطر قد تؤثر فيه تمهيدا لبنائه، فعثروا على أكثر من 200 قنبلة وطائرة كانت قد سقطت في الحرب العالمية الثانية.
عام 2016 شكّل اضطراب الطقس عاملا في استحالة خروج سفن البناء من الميناء، مما أخّر المشروع، فقرر الروس إنشاء 3 جسور مؤقتة لنقل العمال والإمدادات والآلات الثقيلة كالرافعات والحفارات إلى منطقة البناء.
عقبات جيولوجية
كما تعد الجيولوجيا في المنطقة بين شبه الجزيرتين عند مضيق كيرتش غير مستقرة، لوجود حزام زلزالي نشط وصدع تكتوني يمر عبر المياه عند المضيق، لذا تم دعم الجسر بأكثر من 7 آلاف ركيزة، ثُبِّتت على عمق 300 قدم تحت الأرض لضمان استقرار البناء.
والمنطقة البحرية حول مضيق كيرتش التي تمتد بين سلسلتين جبليتين، مغطاة بنحو 250 قدما من الطمي الناعم (نوع من الصخور الرسوبية) المترسب من النشاط البركاني، مما جعل فكرة المشروع مستحيلة هندسيا لتثبيت دعائم.
توجد قناة شحن تحت الجسر بطول 745 قدما عند النقطة التي تمر بها السفن بين البحر الأسود وبحر آزوف الأصغر، وهي عبارة عن قوسين يوفران مسافة 115 قدما لتمرير القوارب من خلالهما، وبنيت هذه الأقواس على اليابسة ثم نقلت إلى البحر عن طريق القوارب.
واجه المشروع عقوبات ورفضا دوليا، لكن ذلك لم يتسبب في تأخيره أو إيقافه، بل على العكس تم الانتهاء من بنائه قبل الموعد المحدد بأشهر.
استهداف الجسر
أسفرت انفجارات على جسر القرم يوم الاثنين الماضي عن مقتل مدنيين وتوقف المرور في جزء من الجسر الذي عاد في الآونة الأخيرة إلى العمل بكامل طاقته بعد التعرض لأضرار جسيمة في هجوم بشاحنة مفخخة في الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2022، وقَدَّرت وسائل إعلام روسية حجم الأضرار آنذاك بنحو 10 ملايين دولار.