قال خبيران لموقع “ميديا بارت” الفرنسي إن التدخل العسكري من قبل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) في النيجر غير مرجح، لأنه سيكون خطيرا على استقرار المنطقة، وذلك في وقت ساند فيه عدد كبير من الشباب الانقلابيين، مما يشير إلى أن المطالبة بالديمقراطية قد حل مكانها طلب السيادة.
وفي مقابلتين منفصلتين تحدث الموقع في الأولى مع المحامي عمر بيرتي (مؤلف كتاب عن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا وتطوراتها في مواجهة “التغييرات غير الدستورية”)، وقد أكد صعوبة التدخل العسكري وخطورته.
وفي المقابلة الأخرى تحدث الموقع إلى المفكر والمؤرخ السنغالي مامادو ضيوف الذي سلط الضوء على “خيبة الأمل الديمقراطية” لدى الشباب الأفارقة الذين سارعوا إلى دعم الانقلابيين مفضلين سيادة بلدهم على الديمقراطية.
غموض قانوني
ورأى عمر بيرتي أن تنفيذ التدخلات الأولى لمنظمة إيكواس تم في ظل غموض قانوني كامل عندما اعتبرت أن تفويض مجلس الأمن الدولي لها باستخدام جميع الوسائل لاستعادة النظام الدستوري في غامبيا عام 2017 يسمح لها باستخدام القوة حينها للحصول على اتفاق مع الرئيس الغامبي وقتها يحيى جامع.
وكان جامع قد رفض ترك السلطة على الرغم من هزيمته الانتخابية.
ونبه بيرتي إلى أن سجل إيكواس في باب التدخل العسكري هزيل للغاية ويثير النقاش بشأن مصداقيتها السياسية، خاصة من حيث الاستجابة للتغييرات غير الدستورية في ضوء عدم التزامها بالمبادئ التي تعلنها في حالتي مالي وبوركينا فاسو مثلا.
وبالتالي، فإن المنظمة تعاني -بحسب بيرتي- من مشكلتين خطيرتين: الأولى هي الفجوة بين ما يتم عرضه من حيث الأهداف الديمقراطية والواقع على الأرض، والأخرى هي تراخيها تجاه الدول الأعضاء.
ومن خلال هذه الملاحظات خلص الكاتب إلى أن التدخل العسكري في النيجر أمر غير ممكن، لأن المخاطر كبيرة جدا، خاصة أن إيكواس تُقدم من قبل الانقلابيين على أنها أداة للقوى الأجنبية، ولفرنسا خصوصا.
وهي أطروحة ساعدت الجيش النيجري -الذي يلعب على وتر السيادة ومحاربة الإمبريالية- على حشد الناس في الشوارع لدعم الانقلاب، وهو السيناريو نفسه الذي حدث في مالي.
وخلص بيرتي إلى أن إيكواس حاولت إظهار موقفها من الانقلاب بحزم من خلال إصدار إنذار بالتدخل لكنها لم تفعل شيئا، ونتيجة لذلك أصبح الجيش النيجري مطمئنا لدرجة أنهم عيّن رئيس وزراء جديدا.
وتوقع أن تخفف إيكواس لهجتها، وقد تفضل الوساطة التي تؤدي إلى اتفاقات سياسية كما في مالي.
السيادة قبل الديمقراطية
بدوره، يرى المؤرخ السنغالي ممادو ضيوف أن الانقلاب العسكري في النيجر أعاد مسألة الديمقراطية في غرب أفريقيا إلى الواجهة، وسلط الضوء على “خيبة الأمل الديمقراطية” لدى الشباب الأفارقة، مشيرا إلى مساندة قسم كبير من هؤلاء الشباب الانقلاب، فيما يظهر أن المطالبة بالديمقراطية قد حل مكانها طلب السيادة.
وأضاف ضيوف -الذي يشغل أيضا منصب مدير معهد الدراسات الأفريقية في جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة- أن دول غرب أفريقيا شهدت انتفاضات شعبية ضد الأنظمة العسكرية ومؤتمرات وطنية تهدف إلى إقامة أنظمة ديمقراطية في أوائل التسعينيات، وأن القوى التي انبثقت عن تلك المرحلة قد فشلت في تحقيق التحسن المتوقع في الحياة، وبدلا من ذلك مارست الفساد والمحسوبية على نطاق واسع، واختبأت وراء انتخابات نزيهة إلى حد ما لتأكيد شرعيتها.
فروق
وشدد المؤرخ على أن الديمقراطية يجب أن تأخذ ألوان بيئتها، وذكر أن الديمقراطية الغربية تقوم على الفرد، مبينا أنه لا يمكن أن يكون لهذه “الفردانية” نفس المحتوى ونفس الألوان والإيقاعات في المجتمعات غير الغربية التي يعتمد عالمها التقليدي على المجتمع.
وأكد أن المشكلة في أفريقيا تكمن في أن لغة وممارسات ما تسمى الديمقراطية الليبرالية تقودها نخبة صغيرة تدافع عن مصالحها الخاصة ولا تستطيع التفكير في الصالح العام بشكل جدي وفعال.
وقد كان الشعار الأساسي لمعركة الاستقلال هو الاستقلال السياسي واستعادة الثقافات الأفريقية والعدالة الاجتماعية، وهذه الأمور لم تتحقق.
وخلص المؤرخ السنغالي إلى ضرورة تغيير التعليم تماما في المدرسة وفي العائلات، إذ إن أغلبية الأفارقة كانوا مقتنعين بإمكانية خلق جنسيات جديدة وهويات جديدة دون محو العرق، كي تخلق أمما حتى لو كانت دولا وهمية ولكنها لم تدم، واليوم يتمسك الناس بالموارد الفكرية التي تسمح لهم بالتعبئة أو الدفاع عن أنفسهم أو مهاجمة الآخرين.