تحوّلت رئيسة وزراء بنغلاديش السابقة الشيخة حسينة إلى معضلة دبلوماسية بالنسبة إلى حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وفق ما يرى محللون، بعد 4 أسابيع على فرارها إلى نيودلهي في ظل احتجاجات شعبية معارضة لحكمها.
في الخامس من أغسطس/آب الماضي رضخت ابنة بطل الاستقلال مجيب الرحمن الذي اغتيل في العام 1975 للخيار الوحيد المتاح أمامها في مواجهة تظاهرات تطالب بإنهاء حكمها الاستبدادي، فغادرت قصرها وفرّت على متن مروحية إلى الهند التي مثّلت نقطة الثقل في الدعم الدبلوماسي لها منذ العام 2009.
ومنذ فرار الشيخة حسينة، يدعو الطلاب الذي قادوا التحرّكات ضدّها نيودلهي لإعادتها إلى بنغلاديش لتمثل أمام القضاء على خلفية القمع الدامي الذي واجهت به المتظاهرين على مدى أسابيع.
نتيجة لذلك، أحيا نفي الشيخة حسينة التوترات بين نيودلهي والحكومة الانتقالية في بنغلاديش التي يقودها محمد يونس الحائز جائزة نوبل للسلام.
وقال مايكل كوغلمان -من مركز ويلسون للأبحاث- “سيكون من الأسهل بكثير بالنسبة إلى دكا أن تواصل علاقاتها مع حكومة (هندية) لا تستضيف الشيخة حسينة”.
انتكاسة هندية
لكن طرد الشيخة حسينة (76 عاما) يمكن أن يضرّ بعلاقات الهند مع جيرانها الآخرين في جنوب آسيا، في وقت تسعى فيه نيودلهي لمواجهة النفوذ الصيني.
من جهته، قال توماس كين -من مجموعة الأزمات الدولية- “من الواضح أن الهند لا تريد تسليمها (الشيخة حسينة)”. واعتبر أن قيامها بذلك “لن يبعث برسالة جيدة إلى حلفائها في المنطقة الذين قد يشكّكون في استعداد الهند لحمايتهم”.
وواجهت نيودلهي العام الماضي انتكاسة جراء هزيمة مرشحها المفضّل في الانتخابات الرئاسية في جزر المالديف أمام خصم مؤيد للصين. كذلك، خسرت حليفا مخلصا في المنطقة بسقوط الشيخة حسينة.
وفي بنغلاديش، يتعامل ضحايا الحكم السابق مع نيودلهي على أنّها شريكة في المسؤولية عن انتهاكات حقوق الإنسان التي يتهمون حكومة الشيخة حسينة بها. حتى إنّهم لم يعودوا يخفون مناهضتهم لحكومة محمد يونس الانتقالية، خصوصا أنّها كانت قد نالت دعم مودي.
في الوقت ذاته، حثّ القومي ناريندرا مودي -الذي جعل من القضية الهندوسية أولويته المطلقة- حكومة يونس على حماية الأقلية الهندوسية في بنغلاديش. وأشار في خطاب سابق إلى أن هذه الأقلية قد تكون مهدّدة.
وأتى ذلك في وقت تعرّض فيه عدد من الهندوس في بنغلاديش وبعض المعابد المخصّصة لهم لهجمات إبان حالة الفوضى التي أعقبت سقوط نظام الشيخة حسينة. ولقي ذلك إدانة الحكومة الانتقالية والطلاب.
غير أنّ وسائل إعلام هندية مقرّبة من حكومة مودي لم تتوانَ عن إذكاء أعمال العنف التي أثارت تظاهرات من قبل القوميين المقرّبين من مودي.
إيواء المستبدّة
وأعرب فخر الإسلام علم جير -المسؤول في الحزب الوطني المعارض في بنغلاديش- عن أسفه لدعم الهند الحصري لرئيسة الوزراء السابقة. وقال إنّ “شعب بنغلاديش يريد علاقات سليمة مع الهند ولكن ليس على حساب مصالحه”. وأضاف “للأسف، فإنّ موقف الهند لا يعزز الثقة”.
وانعدمت الثقة بين الدولتين الجارتين إلى حدّ أنّ بعض البنغاليين اتهموا نيودلهي بالمسؤولية عن الفيضانات التي أسفرت عن مقتل 40 شخصا.
وقال أحد المتظاهرين خلال تجمّع في جامعة داكا “جارتنا الصديقة المزعومة لا تكتفي بإيواء المستبدة حسينة، بل تغمرنا (بالفيضانات) أيضا”.
في المقابل، نفت وزارة الخارجية الهندية أن تكون قد تسبّبت بالفيضانات من خلال إطلاق المياه عبر سدودها، خصوصا أنّها تسبّبت أيضا في مقتل نحو 20 شخصا في الهند.
وحتى اليوم، لم تعلّق حكومة داكا علنا على استقبال الهند للشيخة حسينة، غير أنّها ألغت جواز سفرها الدبلوماسي، مما يحول عمليا دون مغادرتها البلاد.
ووقع البلدان في العام 2013 معاهدة من شأنها أن تسمح بتسليم رئيسة الحكومة السابقة. لكن أحد بنودها ينصّ على إمكانية رفض ذلك في حال كان التسليم سيؤدي إلى جريمة أو إلى جنحة “ذات طابع سياسي”.
وقال السفير الهندي السابق في بنغلاديش بيناك رانجان شاكر أفارتي إنّ العلاقات بين الدولتين مهمة للغاية بالنسبة إلى داكا بحيث لا يمكن تعريضها للخطر على خلفية مصير الشيخة حسينة.
وأضاف “أيّ حكومة عاقلة تدرك أن جعل عودة الشيخة حسينة أولوية لن يعود عليها بأي فائدة”.