يقول محمد وادي، والحزن يملأ قلبه بعد استشهاد والده وشقيقه، إن المستوطنين -المسلحين في البؤر الاستيطانية المطلة على قريته في الضفة الغربية المحتلة- لم يعودوا يطلقون النار على الأرجل عندما يصوبون على جيرانهم الفلسطينيين بل “يطلقون النار الآن بهدف القتل”.
وتصاعدت أعمال العنف في الضفة الغربية المحتلة، التي وصلت بالفعل هذا العام إلى أعلى مستوياتها منذ أكثر من 15 عاما، بعد أن شنت إسرائيل عدوانا جديدا على قطاع غزة ردا على معركة طوفان الأقصى التي أشعلتها حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) مع فصائل المقاومة في السابع من الشهر الماضي.
وبعد أيام من هجوم حماس المباغت على إسرائيل، استشهد والد وادي وشقيقه رميا بالرصاص عندما اعترض مستوطنون وجنود إسرائيليون جنازة 3 فلسطينيين قتلهم مستوطنون اليوم السابق. وكان هذا واحدا من أكثر من 170 هجوما للمستوطنين على الفلسطينيين سجلتها الأمم المتحدة منذ “طوفان الأقصى”.
وقال وادي (29 عاما) في قرية قُصرة التي تشتهر بزراعة الزيتون “كان العرب واليهود يرشقون بعضهم بالحجارة. ويبدو أن المستوطنين في نفس عمري يحملون جميعا أسلحة آلية الآن”.
وأضاف أن المستوطنين المسلحين كانوا قبل 10 سنوات يطلقون النار لتخويف القرويين أو إصابتهم أثناء المواجهات، إلا أن إطلاق النار أصبح الآن في مقتل على نحو متزايد.
ولم تتمكن وكالة رويترز من تحديد هوية من أطلق النار على والد وادي وشقيقه بشكل قاطع. وقال المسؤولون الفلسطينيون الذين حققوا بالواقعة إن إطلاق النار جاء على ما يبدو من مستوطنين وليس من جنود، وهو رأي أيده 3 أشخاص آخرون كانوا يشيعون الجنازة.
لم يشاركوا
في المقابل، قالت شيرا ليبمان رئيسة مجلس “يشع” المنظمة الرئيسية للمستوطنين بالضفة -لرويترز- إن المستوطنين لم يشاركوا في عمليات قتل ولا يستهدفون الفلسطينيين.
وقال وزير الأمن الوطني الإسرائيلي إيتمار بن غفير -وهو واحد من وزيرين كبيرين على الأقل بالحكومة يعيشان في المستوطنات- إنه أمر بشراء 10 آلاف بندقية لتسليح المدنيين الإسرائيليين، ومن بينهم مستوطنون، بعد هجوم حماس.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن هجمات المستوطنين أسفرت عن مقتل 29 شخصا هذا العام. ووقع 8 منها على الأقل منذ هجوم حماس، مما أثار قلق الفلسطينيين، واهتمام خبراء الأمن الإسرائيليين والمسؤولين الغربيين.
وقد نددت واشنطن بهجمات المستوطنين في الضفة المحتلة، كما أدان الاتحاد الأوروبي يوم الثلاثاء “إرهاب المستوطنين” الذي ينذر “بتصعيد خطير للصراع”.
وتظهر البيانات الأممية أن هجمات المستوطنين اليومية تضاعفت لأكثر من مثليها، منذ أن مقتل 1400 إسرائيلي وأسر أكثر من 200 خلال “طوفان الأقصى”. ومنذ ذلك الحين، تقصف إسرائيل القطاع المحاصر وتتوغل فيه، مما أسفر عن استشهاد أكثر من 9 آلاف فلسطيني، أغلبهم نساء وأطفال، وجرح وفقدان الآلاف.
وبينما تسيطر حماس على القطاع، فإن الضفة عبارة عن خليط معقد من المدن الواقعة على سفوح التلال والمستوطنات ونقاط التفتيش العسكرية التي تقسم التجمعات السكنية الفلسطينية.
ووفقا لبيانات الأمم المتحدة، كان هذا العام الأكثر دموية خلال 15 عاما على الأقل بالنسبة لسكان الضفة، إذ قُتل نحو 200 فلسطيني و26 إسرائيليا. لكن الأسابيع الثلاثة التي تلت هجوم حماس شهدت استشهاد 121 فلسطينيا آخرين بالضفة. واستشهد معظمهم خلال اشتباكات مع الجنود.
“خطر داهم”
ويعلق خبراء أمن إسرائيليون بأن العنف المرتبط بالمستوطنين أصبح من الصعب وقفه في ظل الحرب على غزة، والنفوذ المتزايد للسياسيين من اليمين المتطرف.
ويقول ليئور أكرمان المسؤول السابق بجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شاباك) “هناك خطر داهم (من) نشطاء اليمين المتطرف في الضفة”.
ويقول وادي إن عائلته تتجنب العمل المسلح، وترى تصاعدا بالأعمال العدائية للمستوطنين. ويعمل الشاب بهيئة حكومية فلسطينية تراقب عنف الجنود والمستوطنين.
وقال وادي إن والده إبراهيم كان مسؤولا محليا حاول التوسط بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية للحد من العنف، وكان مكروها من المستوطنين المتطرفين.
وذكر أكرمان أن عنف المستوطنين يهدد بتفجير أعمال مسلحة من جيل جديد من النشطاء الفلسطينيين ظهر بالضفة، من بينهم مجموعة عرين الأسود التي دعت الثلاثاء إلى شن هجمات على إسرائيل.
وجلس وادي تحت ملصق يخلد ذكرى والده وشقيقه في قُصرة الأسبوع الماضي، وفحص هاتفه بحثا عن تهديدات بقتل سكان القرية الفلسطينيين على صفحات وسائل التواصل باللغة العبرية.
وقال إنه يشعر بأنه محاصر. ويبدو أنه تلوح في الأفق إقامة مستوطنة يحيط بها جدار كبير بالجهة المقابلة لقُصرة، وتوجد مستوطنتان أخريان على التلال فوق مزارع الزيتون بالقرية.
وعبر عبد الله، أحد سكان قُصرة والذي ذكر اسمه الأول فقط، عن غضبه المتزايد. وقال “أنا مستعد لحمل السلاح لو حصلنا عليه”.