تثير القبور العشوائية في قطاع غزة قلقا صحيا لدى السكان، الذين يُعرب العديد منهم عن خشيتهم من انتشار الأوبئة في المناطق السكنية ومراكز الإيواء شمال القطاع، بعد أن بات كثير منهم يجاورون قبورا دُفن فيها أقاربهم ممن استشهدوا جراء العدوان الإسرائيلي.
وقد حذّر العديد من سكان القطاع من أن تلك القبور لا تُحفر وفق الأسس الشرعية أو الصحية المطلوبة، مما ينذر بانتشار وشيك للأوبئة بين السكان بسببها.
كما يشكّل العيش بين القبور والأموات تحديا للسكان الذين يصفون ظروف عيشهم قربها بالمأساة الكبيرة، ويعربون عن أملهم في نهاية قريبة للحرب المستمرة على القطاع منذ نحو 4 أشهر.
ولجأ الناس في جميع محافظات القطاع لإنشاء مقابر جماعية وفردية عشوائية، في الأحياء السكنية وأفنية المنازل والطرقات وصالات الأفراح والملاعب الرياضية، منذ بداية الحرب التي تشنها إسرائيل على القطاع في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وذلك نظرا لاستحالة الوصول لمقابر القطاع؛ بسبب ظروف الحرب وانتشار الجيش في الطرق، والدمار الهائل الذي لحق بالبنى التحتية، فضلا عن عمليات الاستهداف المتكررة للمواطنين.
يُضاف إلى ما سبق، استهداف جيش الاحتلال الإسرائيلي للمقابر في المناطق التي تتوغل فيها آلياته العسكرية، حيث أقدم على تجريف العديد منها ونبش قبورها.
وقد وثّق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أكثر من 120 مقبرة جماعية عشوائية بمحافظات القطاع لدفن الشهداء الذين سقطوا خلال هذه الحرب، التي تشير السلطات الفلسطينية إلى أن حصيلة ضحاياها بلغت 25 ألفا و490 شهيدا و63 ألفا و354 مصابا، معظمهم أطفال ونساء.
مأساة كبرى
المواطن رائد ضيف الله، قال إن حفر القبور العشوائية الفردية والجماعية لدفن الشهداء، بات أمرا شائعا في وسط غزة وشمالها. ويوضح أن دفن جثامين الشهداء في الأحياء السكنية ومراكز الإيواء والشوارع العامة، يعود لتعذر دفنها في المقابر، التي بات السكان يخشون الذهاب إليها، خوفا من تعرضهم للاستهداف برصاص الجيش الاحتلال.
وقال “نحن اليوم لا نستطيع دفن الموتى في المقابر، المكان يحيطه قصف ودمار، فضلا عن تجريف الجيش للقبور ورفات الأموات، الوضع قاس هنا”.
وأوضح أنه لا يوجد مكان أو منطقة آمنة في محافظتي غزة والشمال، فجيش الاحتلال يستهدف الجميع؛ أطفالا ونساء ومسنين.
وقال إن العيش بين القبور مأساة كبيرة، معربا عن آماله في التوصل لوقف إطلاق النار، وإعمار المنازل المدمرة والعودة القريبة إليها.
“لا حياة هنا”
بدورها، قالت سها نصير (36 عاما)، وهي تجلس بجوار قبر والدها في مستشفى “اليمن السعيد” في بلدة جباليا شمال القطاع “والدي كان يجلس في المدرسة (مركز الإيواء) عندما سقط عليه صاروخ إسرائيلي أرداه شهيدا”.
وتوضح وهي تحاول كفكفة دموعها “نزح والدي من بلدة بيت حانون شمال القطاع إلى مركز الإيواء، ولاحقوه في المكان الذي يفترض أن يكون آمنا وقتلوه هناك”.
وقالت سها إن عائلتها لم تجد مكانا لدفنه سوى هذا المكان داخل المستشفى، وذلك لتعذر الوصول إلى المقابر بسبب الاستهداف المتكرر للمواطنين.
وحول الحياة في الشمال، قالت “لا توجد حياة هنا، خاصة مع عدم توفر أي طعام أو شراب أو مكان دافئ أو آمن. نحن -أيضا- أموات، لكننا نحاول أن نواسي أنفسنا للبقاء”.
تفشي الأوبئة
وفي مستشفى اليمن السعيد، أعرب نازحون عن تخوفهم من انتشار الأوبئة في المكان، جراء دفن الشهداء بشكل عشوائي وبلا معايير صحية.
وأوضحوا في مقابلة أجرتها معهم وكالة الأناضول، أن الأوضاع الصحية والمعيشية سيئة للغاية، وهناك خشية من تدهور الأوضاع عندما تتحلل الجثامين المدفونة في المستشفى.
وقالوا إن المكان تنبعث منه روائح كريهة، في ظل شح المياه اللازمة للتنظيف، فضلا عن عدم توفر مستلزمات النظافة الشخصية.
وأشاروا إلى أن احتمال انتشار الأوبئة مرجَّح، في ظل وجود جثامين شهداء ما زالت تحت ركام المباني المدمرة.
بالإضافة إلى ذلك عدم توفر الغذاء السليم ما يسبب ضعف المناعة، ويفاقم خطر الإصابة بالأمراض والأوبة.
وقد حذَّرت منظمة الصحة العالمية ومؤسسات أممية أخرى مرات عديدة من احتمال انتشار الأوبئة في مناطق مختلفة بالقطاع المحاصر، مع استمرار الحرب الإسرائيلية، وتقييد وصول المساعدات الإنسانية والإمدادات الصحية.
كما سبق وأن حذّرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) من أن “الأمراض المِعَوية في غزة انتشرت بمعدل 4 أضعاف ما كانت عليه سابقا، والجلدية 3 أضعاف”.
وأكدت الوكالة الأممية وجود تقارير تفيد بانتشار التهاب الكبد الوبائي في القطاع، إضافة إلى تفشي أوبئة أخرى؛ مثل: الكوليرا.