9/7/2025–|آخر تحديث: 10:58 (توقيت مكة)
انتهت زيارة المبعوث الرئاسي الأميركي توماس باراك الثانية إلى العاصمة اللبنانية بيروت أمس الثلاثاء، من دون تحقيق أي اختراق فعلي، لا سيما في ملف سلاح حزب الله.
فلم توافق بيروت على ورقة مقترحات أميركية سلّمها باراك في 19 يونيو/حزيران الماضي، وتتضمن نزع سلاح حزب الله.
وفي 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، شنت إسرائيل بدعم أميركي هجوما على لبنان تحول في 23 سبتمبر/أيلول 2024 إلى حرب واسعة، أسفرت عن أكثر من 4 آلاف قتيل ونحو 17 ألف جريح.
ومنذ انتهاء الحرب، تتزايد الضغوط الأميركية على بيروت لنزع سلاح حزب الله، وهو أبرز مطلب في ورقة باراك الذي زار بيروت الاثنين والثلاثاء.
وعوضا عن التصديق على الورقة، قدّمت بيروت “أفكارا للحل” سترد عليها واشنطن لاحقا، وبقي الموقف اللبناني الرسمي ضبابيا تجاه الورقة الأميركية.
والاثنين، عبر باراك عن “امتنانه ورضاه” عن الرد اللبناني على الورقة الأميركية.
ولم يتضمن هذا الرد، وفق مراسل الأناضول، التزاما واضحا حول كيفية حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية شمال نهر الليطاني (جنوبي لبنان) ضمن برنامج زمني.
وجاء ذلك بعد أن أعلن الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، عبر خطاب في احتفالية عاشوراء، أن حزبه لن يستجيب لدعوات تسليم سلاحه قبل رحيل “العدوان” الإسرائيلي عن لبنان.
اتفاق وخرق
وفي 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بدأ سريان اتفاق لوقف لإطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، لكن تل أبيب خرقته أكثر من 3 آلاف مرة، مما أسفر عما لا يقل عن 235 قتيلا و534 جريحا، وفق بيانات رسمية.
ومتحديا الاتفاق، يواصل الجيش الإسرائيلي احتلال 5 تلال لبنانية في الجنوب سيطر عليها خلال الحرب الأخيرة، إضافة إلى مناطق أخرى يحتلها منذ عقود.
وتسلّم باراك رد بيروت خلال جولته على مسؤولين لبنانيين، الاثنين، بدءا برئيس الجمهورية جوزيف عون في قصر بعبدا.
وأعلنت الرئاسة، في بيان، أن عون سلّم باراك “أفكارا لبنانية لحل شامل”.
أما رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي التقى باراك لأكثر من ساعة، فاعتبر أن الاجتماع “جيد وبناء، وأخذ بحرص كبير مصلحة لبنان وسيادته وهواجس اللبنانيين كافة، وكذلك مطالب حزب الله”.
في حين شدد رئيس الحكومة نواف سلام على أن “الخطوات يجب أن تكون متلازمة بين انسحاب إسرائيل وحصر السلاح”.
وأكد ضرورة الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي اللبنانية، والوقف الكامل للأعمال العدائية، وبدء عملية إعادة الإعمار، والإفراج عن الأسرى.
نافذة للتفاوض
مصدر لبناني مطّلع على مضمون الاجتماعات قال للأناضول إن “زيارة ولقاءات باراك فتحت نافذة لمزيد من المفاوضات، ولبنان سلّم الرد، والموفد الأميركي رحب به”.
وأضاف المصدر، مفضلا عدم كشف هويته، أن “الرد اللبناني لا يزال في إطار تبادل الأفكار، ولم يُطرح بعد على طاولة مجلس الوزراء لإقراره، كما لم يُحدد أي جدول زمني للتفاوض النهائي حوله”.
وقد “وعد الجانب الأميركي بدراسة الرد والعودة بملاحظات إضافية في وقت لاحق”، حسب المصدر.
أما الكاتب والمحلل السياسي يوسف دياب فيقول في حديث للأناضول إن “الهدوء الدبلوماسي الذي أظهره باراك لا يعكس حقيقة الموقف الأميركي”.
وشدد دياب على أن “الولايات المتحدة لا تزال متمسكة بمطلب نزع سلاح حزب الله وكل المجموعات المسلحة غير الشرعية”.
واعتبر أن “غياب أي جدول زمني في الرد اللبناني سيُضعف موقف بيروت، ويمنح تل أبيب فرصة للتصعيد”.
وأضاف دياب أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب “قد يبني موقفا حازما جديدا استنادا إلى الموقف اللبناني”.
واستقبل ترامب في البيت الأبيض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يزور واشنطن من الأحد إلى غد الخميس.
ونقل دياب عن مصادر أن ما قاله باراك “لا يعني أن الإدارة الأميركية متساهلة مع لبنان في ما يخص موضوع السلاح ونزعه، فهذه المسألة أساسية جدا”.
وشدد على أن “هناك خوفا كبيرا من أن ينعكس الأمر سلبا على لبنان، بسبب عدم تضمن الجواب اللبناني جدولا زمنيا لنزع السلاح من حزب الله وفصائل فلسطينية، وترك الأمور ضبابية”.
بلا ضمانات أمنية
أما الكاتب السياسي غسان ريفي فرأى أن “المبعوث الأميركي بدا أكثر براغماتية من كثير من السياسيين اللبنانيين الذين سارعوا إلى رسم سيناريوهات سلبية قبل وصوله”، مشيرا إلى أن باراك وصف الرد اللبناني بأنه إيجابي وبنّاء، وشدد على أن قضية السلاح شأن داخلي، وعلى اللبنانيين أن يجدوا الصيغة المناسبة لمعالجته.
وحذر ريفي من أن الجانب الأميركي لم يقدم أي التزام بوقف الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب اللبناني، وذلك ما يثير قلقا مشروعا لدى اللبنانيين بشأن النوايا الحقيقية خلف الطرح الأميركي، بحسب تصريحاته.
ووفق المحلل السياسي طوني بولس، فإن باراك حمل معه رسالة أميركية واضحة مفادها أن “لبنان أمام خيارين: إما اللحاق بمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يشهد إعادة رسم توازناته، أو البقاء في مستنقع الصراعات والتخلف”، بحسب تعبيره.
وأضاف أن “المبعوث الأميركي حمّل الدولة اللبنانية مسؤولية إدارة ملف السلاح”، وقال صراحة إن بلاده “ليست مسؤولة عما قد تقدم عليه إسرائيل في المرحلة المقبلة إذا لم يُحقق تقدم واضح”.
واعتبر بولس أن “الفرصة الحالية قد لا تتكرر، وعلى لبنان أن يختار بين الاندماج في مشروع الاستقرار الإقليمي، أو أن يبقى على الهامش”.