تشكل رواندا إحدى النقاط البارزة في العالم بحضور المرأة والشباب في مضمار السياسة والاقتصاد، وإحدى الشخصيات البارزة في ذلك البلد الأفريقي الصاعد، هو صوت حكومتها والناطقة باسم سياستها يولاند ماكولو.
من يتابع ماكولو على وسائل التواصل، يلاحظ حضورها الدائم للتعليق حول كل ما ينشر أو يكتب عن بلادها.
الجزيرة نت أجرت مقابلة خاصة مع ماكولو حول الخلاف مع الكونغو الديمقراطية وكيف ترى دور الاتحاد الأفريقي وإشكالية الحدود بالقارة والعلاقة مع العالم العربي.
وفيما يلي نص الحوار:
-
بالحديث عن ملف الخلاف مع الكونغو الديمقراطية المُلح في الوقت الحالي. كيف يمكن فهم سياق هذا الخلاف؟
في الحقيقة هو أكثر من مجرد خلاف، هناك بالفعل صراع نشط شرق الجمهورية في مناطق متاخمة لحدودنا، وهذا يشكل تحديا أمنيا كبيرا بالنسبة لنا، أما ما يحدث على المستوى السياسي في كينشاسا فهذه قضية أخرى.
وعلى حدودنا هناك أكثر من 200 مجموعة مسلحة غير قانونية في البلاد، وهم يسيطرون على تلك المنطقة منذ فترة طويلة، لعقود على الأقل.
فلنعد لعام 1994، كانت هناك مليشيات ارتكبت إبادة جماعية ضد التوتسي هنا في رواندا ثم فرت إلى الكونغو بأسلحتها، والقوات الفرنسية سمحت لهم بالعبور بهذه الأسلحة.
-
تقصدين أنهم أخذوا أو صادروا معدات الجيش الرواندي السابق؟
بل غادر معهم الجيش السابق بمعداته ودبابات وبنادقه ومدافعه وكل شيء. كل الأسلحة التي كانوا يستخدمونها هنا نقلوها معهم وسمح لهم بالاحتفاظ بها في مخيمات اللاجئين في الكونغو الديمقراطية.
-
أيعني ذلك أن هناك أسلحة ثقيلة ومدافع في مخيمات اللاجئين من الجانب الكونغولي؟
نعم، في مخيمات اللاجئين. فبينما كانوا يعبرون للجانب الآخر من الحدود أخذوا معهم مدنيين رهائن وكانوا يحتجزونهم دروعا بشرية في مخيمات اللاجئين تلك.
ولسنوات بعد الإبادة الجماعية ضد التوتسي، كان هؤلاء المدنيون الروانديون رهائن لدى الجيش السابق والمليشيات التي تعرف الآن باسم القوات الديمقراطية لتحرير رواندا.
وأواخر التسعينيات، عاودت هذه الجماعات شن هجمات على رواندا، وهناك دلائل على تورط فرنسا بدعمهم بالسلاح، لكن الجيش الرواندي نجح بإعادتهم من حيث أتوا، وأحبط هجماتهم.
ثم بدأنا جهودا لإقناع المجتمع الدولي بضرورة دعم رواندا لإعادة المدنيين اللاجئين إلى بلادهم، بدلا من أن يبقوا عالقين رهائن في مخيمات تسيطر عليها جماعات مسلحة، واضطررنا لتنفيذ عملية أواخر تسعينيات القرن الماضي ونجحنا بإعادة أكثر من مليوني مدني إلى رواندا، ومن بينهم نواب ووزراء حاليا.
حاولنا أيضا إقناع من حملوا السلاح بالعودة وإلقاء السلاح، وأبدت الحكومة استعدادا لإعادة دمجهم في المجتمع، ونجحنا مع بعض المجموعات وخضعوا لدورات إعادة تأهيل وتدريب على مهارات الحياة.
-
لقد توجهت إلى أحد مخيمات اللاجئين عند الحدود، وقابلت عائلات فرت من الكونغو الديمقراطية، تحدثوا عن قتل على أساس عرقي. هل هذا ما يحدث؟
العائلات التي تعيش في مخيمات اللاجئين، والذين قابلتهم، هم من فروا من الكونغو الديمقراطية بسبب تعرضهم لهجمات، وكل يوم تقريبا يأتي المزيد، نتيجة ما يحدث من قتال داخل الكونغو.
ونستضيف قرابة 100 ألف لاجئ كونغولي هنا في روندا، وهناك أكثر من نصف مليون في أوغندا، وآخرون في كينيا، غالبيتهم من مجتمعات التوتسي التي تتعرض للاضطهاد شرق الجمهورية، وتهاجمهم المليشيات التي لا تشكل فقط خطرا أمنيا محدقا بنا عند حدودنا بل هي خطر أيديولوجي يتبنى فكرا ينادي بالقضاء على عرقية التوتسي. وهذه الأيديولوجيا امتداد للإبادة الجماعية التي حدثت هنا عام 1994.
-
هل يعني ذلك أن المجتمع الدولي لم يتعلم الدرس من المجازر التي وقعت بحق التوتسي في رواندا 1994؟
لم يتعلموا الدرس للأسف. وبات لدينا يقين بأننا لوحدنا، وأنه علينا أن نبذل قصارى جهدنا بالموارد التي لدينا لحفظ أمن مجتمعاتنا ودولنا.
ولهذا السبب،عملنا على بناء جيش محترف وقوي. ونتعاون مع دول إقليمية. الدرس الذي تعلمناه أننا يجب أن نفعل كل ما في وسعنا وألا نعتمد على مجتمع دولي لم يتعلم الدرس.
-
ماذا عن دور الاتحاد الأفريقي؟ هل يبذل أي جهود سياسية لإيجاد حلول لهذه التحديات الأمنية بالدرجة الأولى؟
كانت هناك عدة محاولات لإنجاح مسارات سياسية، من بينها ما سمي خارطة طريق رواندا، أو بروتوكول رواندا، أو عملية رواندا، لكنها جميعها كانت تفتقر إلى الإرادة السياسية لتنفيذها من جانب الجمهورية. وكان ثمة مسار ثان، عبر ما تسمى عملية نيروبي.
وتتعلق عملية نيروبي بنزع سلاح الجماعات المسلحة غير القانونية شرق الجمهورية، وتسريحها أو إدماجها في الجيش والمجتمع، لكن المسار هذا توقف. وهناك أيضا محاولات لدعم الدولة لإصلاح قطاعها الأمني. وهذه المبادرات جميعها هي في الأساس عمليات سياسية، لكن جمهورية الكونغو الديمقراطية مصممة على اتخاذ مسار عسكري، وهو أمر مستحيل.
- هل استمرار الفشل في إيجاد حلول سينعكس بالضرورة على رواندا؟
لقد عملنا بجد على تمتين الوحدة في رواندا، لنصل إلى مرحلة النهضة والنمو الذي نتمتع به راهنا، والوضع المتردي في الكونغو الديمقراطية والانقسام العرقي البغيض، نسعى جاهدين كي لا ينتقل إلينا ويتحول لتهديد داخلي.
نحن نواجه تحديين، تهديد أمني، وتهديد لوحدتنا وتقدمنا. لذلك سنفعل كل ما في وسعنا لضمان عدم انتقال هذه التحديات إلى رواندا مهما كلف الأمر.
- إذا هي إشكالية الحدود في أفريقيا مرة أخرى ؟
هذا صحيح، مشاكل الحدود في أفريقيا لا تقتصر على ما نشهده عند حدودنا. المشاكل الحدودية في القارة نشأت نتيجة ترسيم الحدود بشكل تعسفي، وتم البت فيها عام 1884 في برلين، وقرر الاتحاد الأفريقي أن تحافظ على الحدود بعد استقلال الدول عن الاستعمار، كما رسمها مؤتمر برلين وتم تقسيم المجتمعات وفقها.
- وماذا عن العلاقات مع دول ليست حدودية، كيف ترون سياق العلاقة مع العالم العربي؟
هناك الكثير الذي يمكن أن نبنيه مع الشرق الأوسط والمنطقة العربية بالتحديد، ليس بسبب القرب الجغرافي فقط، فالعلاقات التجارية بين المنطقتين مهمة.
بدأنا بتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع الدول العربية بتبادل البعثات الدبلوماسية، من بينها حديثا الأردن. وهناك استثمارات تتوسع بالفعل مع دول خليجية، شراكتنا الاستراتيجية مع قطر مهمة ولدينا الكثير من المشاريع المشتركة مع دول خليجية أخرى. هذه المنطقة مهمة بالنسبة لرواندا، ولهذا نعمل على تعزيز العلاقات المشتركة لا سيما في التعاون الاقتصادي والاستثمار في قطاع الطيران.
- ماذا عن تنويع الاقتصاد، وبالتالي تنويع القطاعات الجاذبة للاستثمارات الخارجية؟
يمكنني أن أقول إننا سعداء بحجم ومعدل التدفقات الاستثمارية، خاصة في قطاع الخدمات والسياحة، لكننا نحتاج إلى المزيد، ونحتاج أيضا إلى تنويع قطاعات الاستثمار، لا سيما في مجالات التعدين والتنقيب لنتمكن من الاستفادة من ثرواتنا ليس على صعيد الاستخراج بل القدرة على إنتاج قيمة مضافة.
- فلننتقل إلى ملف جدلي، اتفاقية استقبال اللاجئين مع بريطانيا. هناك انتقادات توجه للاتفاقية ولاختيار رواندا. ما هي خلفيات هذه الانتقادات؟
أعتقد أن هناك الكثير من الجدل في المملكة المتحدة، كون القضية ذات أولوية في السياسة الداخلية، ونتفهم أن هناك نقاشا داخليا في بريطانيا. لكننا، لا نقدر أن تتعرض رواندا لهجوم غير عادل. في جميع مراحل التفاوض وإتمام الاتفاق، وضعنا نصب أعيننا العمل على إيجاد حل مشترك لمشكلة كبيرة.
الجميع متفق على أن الهجرة غير النظامية هي مشكلة عالمية. هناك ضحايا يموتون بشكل دائم، وللأسف هناك من يجنون المال من محنة هؤلاء المهاجرين. ونحن لا نريد أن نرى مزيدا من الشباب الأفريقي يموتون في الصحراء أو في البحر.
- ترون أن اتفاقية كهذه، قد تكون بداية أو أحد أشكال الحلول؟
يقع على عاتق حكومات الدول الأفريقية العمل على وقف هذه الرحلات اليائسة للأفارقة، عبر الصحراء أو البحار. لو أن هذه الحكومات تقوم بما يتوجب عليها، من استغلال لمواردها الطبيعية وثرواتها، فيمكنها بناء فرص تشجع هؤلاء المهاجرين على البقاء في أوطانهم وتوفير فرص لحياة كريمة.
في رواندا، نحاول أن نقوم بدورنا على الصعيد الوطني، توسيع آفاق الاستثمارات وتنويع الاقتصاد، لتقديم فرص جاذبة للروانديين. وإقليميا، بدأنا باعتماد سياسة الأجواء المفتوحة، بما يتيح سهولة تنقل الأفارقة داخل القارة، وفتح آفاق لهم للبقاء والمساهمة في عملية بناء أفريقيا بدلا من إضاعة حياتهم ووقتهم وإمكانياتهم في القيام برحلات يائسة.
- ما هي الإجراءات التي ستعتمد في إطار الاتفاقية مع بريطانيا؟
أولئك الذين يتم نقلهم من المملكة المتحدة سيأتون للعيش في رواندا إذا كانت لديهم قضية لجوء بانتظار البت بها في بريطانيا. وسيكون لديهم أيضا خيار التقدم بطلب لجوء إلى رواندا. كما تعلم، لدينا برنامجا خاصا باللاجئين، وفي حال الموافقة على طلبهم، يمكنهم البقاء والعيش والاستقرار هنا، حيث سيتلقون المساعدة على الاندماج في المجتمع الرواندي.
ولديهم أيضا خيار عدم طلب لجوء في رواندا، هناك طرق قانونية يمكنهم بموجبها البقاء في البلاد والإقامة بشكل قانون. ولنكن واقعيين، وجود أزمة لجوء مرده بشكل أساسي لكونها الطريقة الوحيدة للحصول على إقامة بشكل قانوني في كثير من الدول، لكن برامج اللجوء لم توضع لهذه الغاية بالتحديد. بمعنى أن هناك خللا في النظام العالمي لحركة الناس من وإلى كثير من الدول التي لا تزال تعتمد على نظام وضع بعد الحرب العالمية الثانية.
- منذ الخمسينيات، غالبية دول الشمال لم تدخل أي تعديلات على أنظمتها في هذا الإطار، تقصدين أن هناك خللا في النظام نفسه، نظام استقبال المهاجرين؟
النظام لا يزال عالقا بالفعل في خمسينيات القرن الماضي، وربما في مرحلة ما تحتاج هذه الدول إلى مراجعة جدية لقوانينها التي لم تعد مناسبة أو لم تعد تفي بالغرض في القرن الحالي. نحن بحاجة إلى إيجاد حلول مبتكرة، وهذه الشراكة بين المملكة المتحدة ورواندا هي أحد الحلول برأينا. ونريد أن نرى في الحقيقة مدى نجاعة هذا الخيار على أرض الواقع.
أستطيع أن أقول إن هذا سيكون نموذجا ناجحا، حيث يتمكن اللاجئ من العيش بأمان، دون خشية على حياته أو أمنه، ويكون لديهم خيار البقاء في رواندا إن أرادوا ذلك.
- لكن، في رواندا أيضا أعداد أكبر من اللاجئين من دول أخرى؟
نعم، لدينا أكثر من 130 ألف لاجئ، بعضهم يعيش هنا منذ أكثر من 25 عاما. رواندا ومواطنيها اعتادوا على استضافة اللاجئين والمهاجرين، ونعتبر أن ذلك واجبا عالميا في الحقيقة، ويمكن وصف دولتنا بأنها من الدول التي لا تلمس فيها أي عدائية تجاه اللاجئين، لا سيما أننا نفهم ما الذي يعنيه أن يضطر الإنسان إلى الفرار هربا من الاضطهاد.
- نختم بالحدث المحلي الأهم المرتقب سياسا، كيف تستعد رواندا الآن للانتخابات ؟
نتطلع للانتخابات الرئاسية والعامة اللتين ستجريان بشكل متزامن، ويتوقع أن تنطلق الحملات في 22 يونيو/حزيران المقبل. وبدأت اللجنة الوطنية للانتخابات بالفعل في تحضير قوائم الاقتراع ومساعدة أكثر من مليوني مقترع سيتمكنون من الإدلاء بأصواتهم للمرة الأولى مع وصولهم السن القانونية التي تسمح لهم بممارسة حقهم بالاقتراع.
أيضا، العمل يتم على تحضير البعثات الدبلوماسية في دول الانتشار لتمكين الجاليات من الإدلاء بأصواتهم في سفارات البلاد في الخارج. وعادة ما تتم جميع هذه الإجراءات بسلاسة، حتى إعلان النتيجة الرسمية التي نتوقع صدروها بحلول 20 يوليو/تموز المقبل.