درنة- في الوقت الذي تتوالى فيه الأخبار والصور عن تسيير قوافل برية وجوية وبحرية من المساعدات الطبية والإنسانية إلى مدينة درنة والمناطق المنكوبة شرق بنغازي يؤكد مصدر في المجلس المحلي للمدينة للجزيرة نت أن “قنينة مياه الشرب من الحجم الصغير تقدر بقنطار من ذهب إذا وجدت في الأحياء الناجية بعد خسارة المدينة أكبر أسواقها في الأحياء التي جرفتها السيول قرب البحر”.
عدد من الإعلاميين والنشطاء والأطباء على منصات التواصل الاجتماعي أطلقوا نداءات استغاثة عاجلة لسكان المدينة، مؤكدين عدم وصول أي من هذه المساعدات لمحتاجيها حتى وقت متأخر جدا من ثالث أيام الكارثة التي أزالت 25% من معالم المدينة وقذفت بها في البحر خلال ساعات كما أظهرت صور الأقمار الصناعية.
وقد أودت السيول والفيضانات بحياة آلاف الأشخاص، معظمهم في درنة، فيما لا يزال نحو عشرة آلاف شخص في عداد المفقودين.
وتحدث الناشط جوهر علي عن نقص شديد في مياه الشرب والطعام والدواء، بل حتى الأكياس والمعدات الخاصة بجمع الجثث التي قال إن رائحتها بدأت تفوح من تحت ركام المنازل المهدمة، مؤكدا أن الوضع يزداد سوءا بمرور الوقت عكس ما كان متوقعا.
جوهر -الذي كانت عائلته من بين الناجين من الفيضانات التي خلفها انهيار سدود وادي درنة- نقل للجزيرة نت شهادات بعض أفراد عائلته وأقاربه وجيرانه الذين وصفوا المشهد بالكارثي في غياب إمدادات الطعام ومياه الشرب، وانقطاع التيار الكهربائي والاتصالات، وتهدّم أغلب الطرق المؤدية إلى وسط المدينة.
كارثة تفوق كل الإمكانيات
وعلى مدى يومين أطلق نشطاء من درنة مناشدات ونداءات استغاثة طالبوا فيها المجتمع الدولي بالتدخل العاجل، لأن الأزمة تفوق إمكانيات الدولة الليبية بكثير.
ويرى جوهر علي أن هذه المناشدات قوبلت بـ”الخذلان، وأنه بمرور كل ساعة تموت عائلة جديدة من عائلات درنة وإرثها وتاريخها الحضاري الطويل”.
وتشهد درنة نقصا حاد في حليب وحفاظات الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة والمستلزمات النسائية الضرورية، إضافة إلى كل أنواع الأدوية والعقاقير الطبية، ومنها أدوية مرضى الضغط والقلب والسكري، كما يؤكد للجزيرة نت أحد أفراد الأطقم الطبية في مستشفى شيحا، وهو أحد المستشفيات الناجية التي ما زالت تحاول تقديم خدماتها رغم غياب الدعم والمساعدات.
التشديد الأمني يؤخر المساعدات
وتحدث المصدر الطبي ذاته عن نقص حاد في فنيي الأشعة وبعض التخصصات الدقيقة لمعاجلة المصابين، إضافة إلى الحاجة الماسة لبعض المواد الطبية لتعقيم الجثث التي فاض بها المستشفى وحفظها إلى حين التعرف على أصحابها ودفنها في مقابر جماعية في منطقة “الظهر الحمر” جنوبي المدينة، كما يؤكد أحد المتطوعين للجزيرة نت.
بدوره، قال المتحدث باسم تجمع “أنوار الصحابة في درنة” -الذي رفض ذكر اسمه لأسباب أمنية- للجزيرة نت إن “تشديدا أمنيا كبيرا من قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على قوافل المساعدات القادمة إلى المدينة من غرب البلاد وتعرضها للتفتيش الدقيق، بل نقل محتوياتها أحيانا إلى سيارات خاصة بجيش حفتر هو ما قد يكون سببا في تأخر دخول تلك المساعدات إلى المدينة”.
مطالبات بتحقيق دولي
وقال المتحدث باسم التجمع -الذي يضم عددا من الشخصيات البارزة من أبناء درنة في الداخل والخارج- إنهم في طور أخذ خطوات جادة نحو “المطالبة بتحقيق دولي شامل يكشف ملابسات الحادثة والتقاعس والتخاذل الذي أبدته أجهزة الدولة، خاصة القوات الأمنية التي تخضع لها المدينة بشكل كامل وتعلنها منطقة عسكرية منذ سنوات”.
وقد حمّل التجمع الحكومتين في طرابلس وبنغازي مسؤولية ما حدث، متهما إياهما بالعلم المسبق بإعصار دانيال ووقت وصوله “لكنهما اكتفتا بإغلاق الموانئ النفطية وترك درنة لمصيرها رغم كل تحذيرات المختصين والخبراء من إمكانية انهيار السدود المتهالكة”، مبديا قلقه الشديد على أكثر من 700 معتقل من أبناء درنة انقطعت أخبارهم كليا في سجن قرنادة على بعد تسعين كيلومترا في وسط مناطق الفيضانات والسيول.
بدورهم، أكد شهود عيان من المناطق المتاخمة لمدينة درنة للجزيرة نت أن بعض المساعدات -على قلتها- دخلت أحياء غرب المدينة، لكن انهيار الجسور والطرق حال دون وصولها إلى الأحياء الشرقية بعد انفصال الجزأين تماما، مؤكدين حاجتهم الماسة إلى فرق مختصة ومعدات وآلات ثقيلة لإزالة الركام وفتح الطرق بين الأحياء والمناطق المقطوعة.
نقص المساعدات وغياب فرق الإنقاذ عانت منهما مناطق أخرى بشكل كبير، مثل سوسة والعرقوب وبلدة الوردية التي قال نشطاء على مواقع التواصل إنها اختفت تماما جراء السيول القوية التي مرت بها، مطالبين بضرورة التدخل لانتشال الجثث التي رمت بها السيول عشرات الكيلومترات شمالا، كما يؤكد عدد من متطوعي الهلال الأحمر في أماكن متفرقة للجزيرة نت.
إعلام وحيد في درنة
وفي ظل تردي خدمات الكهرباء والاتصالات والإنترنت أكد عدد من الصحفيين والمصورين للجزيرة نت منعهم من دخول المدينة المنكوبة أو الاقتراب منها وتوثيق ما يحدث، واقتصار التصاريح الإعلامية على قناة تلفزيون المسار التي يمتلكها صدام حفتر، في غياب واضح لوسائل الإعلام الأخرى المحلية والدولية.
شهادات متعددة حصلت عليها الجزيرة نت من داخل درنة أو من مناطق بالقرب منها تؤكد حجم الكارثة التي تسببت في نزوح أكثر من 20 ألف شخص إلى مدن البيضاء وطبرق وبنغازي وخلفت قتلى وجرحى ومفقودين لم تتمكن الإحصائيات الرسمية من حصرها حتى الآن على نطاق المدينة التي أكد آخر إحصاء رسمي أن عدد سكانها تخطى حاجز 120 ألف نسمة.