رأى مئات -وربما آلاف- من البشر حول العالم أجساما فضائية مجهولة (UFO) خلال فترات مختلفة من حياتهم، أو توهموا رؤيتها، وقد مثّل الأمر تساؤلات ومجالا لنظريات مختلفة منذ عشرات السنين، وازداد الأمر بصعود البشر إلى الفضاء منذ ستينيات القرن الماضي، بحثا عن إجابة لسؤال: هل نحن وحيدون في هذا الكون؟
أحد هؤلاء الآلاف هو رجل فرنسي يدعى “كلود ڤورييو”، وهو صحفي مغمور ظهر في برنامج تليفزيوني فرنسي في السبعينيات، ليخبر ملايين المشاهدين أنه رأى جسما فضائيا طائرا، ثم هبطت هذه السفينة الفضائية، وزعم أنه تحدث مع كائن فضائي ثم رحل.
لم تمر حكاية “ڤورييو” مرور الكرام مثل آلاف غيره، فمع أنه لم يجد نجاحا جماهيريا في مسيرته حين كان صحفيا ومغنيا هاويا، فقد بدأ بعد ذلك ديانة جديدة، وغيّر اسمه ليكون “رائيل”، وقد ضمت الديانة على مر السنين آلاف الأتباع، وجمعت مئات الملايين، وكادت تهدد في لحظة ما مستقبل الجنس البشري. فما تفاصيل قصة أحد أغرب عمليات النصب الروحاني في العصر الحديث؟
وعن هذا كله تدور أحداث المسلسل الوثائقي القصير “رائيل.. النبي الفضائي” (Raël: The Alien Prophet)، وهو من إنتاج شبكة “نيتفلكس”، وقد أخرجه “أنتوان بالداساري” و”مانييل غيون” (2024).
“يمكنكم تصديقه أو تكذيبه أو تفسيره كما تشاؤون”
يقدم المسلسل “رائيل” منذ لحظة ظهوره التلفزيوني الأول، حكايته عن رؤيته لجسم فضائي طائر في برنامج تلفزيوني فرنسي محلي، وتبدو الحكاية شبيهة بحكايات آلاف آخرين، تبدو الحكاية بسيطة، كما يبدو “رائيل” شخصا غير مولع بالكذب، على الأقل في هذه اللحظة، يسرد حكايته ثم يقول: هذه تجربتي، هذا ما مررت به، يمكنكم تصديقه أو تكذيبه أو تفسيره كما تشاؤون.
هذه الطريقة البسيطة في سرد الحكاية جذبت له بشكل سريع عشرات الفرنسيين، ممن مروا بتجربة شبيهة، فتجمعوا حوله وجلسوا معا في الحدائق العامة، تشاركوا حكاياتهم وعزف “رائيل” الغيتار معهم. كل هذا يبدو غير مضر، لكن ما يطوره “رائيل” بعد ذلك سيأخذ الحكاية إلى عالم آخر.
استقبال الفضائيين.. فرقة نسائية وسفارة بانتظار العودة
يعرض المسلسل لقطات أرشيفية، يعلن فيها “رائيل” لرفاقه أن كائنا فضائيا قد زاره، وفي هذه المرة أخبره أنه أتى إليه خصيصا، ليحمل رسالة الفضائيين الذين خلقوا البشر على الأرض، وبأن رسالتهم قد حُرفت أو أسيء فهمها، نتيجة الاختلاف الكبير بين تطورهم العلمي الهائل طوال ٢٥ ألف عام، وبين العقلية البشرية البدائية.
وقد سجّل “رائيل” هذه التفاصيل في كتابه، فاتخذه أتباعه بعد ذلك كتابا مقدسا، ويحمل اسم “الكتاب الذي يخبر الحقيقة”.
تبدو حكاية هذا الدين المزيف طريقة تلاعب واضحة جدا، من أجل أن يحظى “رائيل” بالشهرة والمال وكل ما حلم بتحقيقه، حين كان صحفيا وسائق سيارات سباق وفنانا من قبل، وينقل لنا المسلسل هذا من غير تدخل واضح من صناعه، فيكتفي بسرد الحكايات على لسان أتباع “رائيل”، وعرض لقطات أرشيفية مما حدث.
تلاعب “رائيل” بالنساء ولا سيما الشابات الجميلات، فكوّن منهم فرقة ادعى أنها مشكّلة لاستقبال الفضائيين حين يعودون للأرض، ثم استغل هذه الفرقة جنسيا. وقد استمر التلاعب بعد ذلك بأشكال عدة، لكن أكثرها غرابة -كما نرى في اللقطات التوثيقية- هو ما ادّعاه “رائيل” من أن الفضائيين طلبوا منه بناء سفارة لهم، لاستقبالهم حين يعودون للأرض، وبهذه الفكرة جمع “رائيل” ملايين الدولارات من أتباعه ومن آمن به.
حتى هذه الفكرة الغرائبية لم تكن كافية لتثبت لأتباع “رائيل” أنه يتلاعب بهم. وهكذا أتى بما هو أغرب.
استنساخ البشر.. نبي الفضائيين يخدع الكونغرس الأمريكي
تنقلنا الأحداث الوثائقية بعد ذلك لنتابع حادثة غريبة ربما تتذكرها عزيزي القارئ، ففي بداية الألفية الجديدة، أعلن “رائيل” وعالمة فرنسية تدعى “بيرجيت بوسيليير” بدء محاولاتهم استنساخَ كائن بشري، من خلال محاولات مبدئية لاستنساخ حيوانات.
بعد ذلك جمع “رائيل” و”بوسيليير” مزيدا من التبرعات لبدء جهود استنساخ كائن بشري، أو هذا ما ادَّعوه، وبعد ذلك أعلنا عن نجاحهم في ديسمبر/ كانون الأول ٢٠٠٢ في استنساخ طفلة تدعى “إيف /حواء”، ليكون ذلك بداية حلم الخلود الذي وعدهم الفضائيون به، على حد زعمهم.
خلال هذه الفترة ومحاولات الاستنساخ، انتقل “رائيل” إلى الولايات المتحدة، وتحدث في كلمة رسمية أمام الكونغرس الأمريكي، واستمع ممثلو أقوى دولة في العالم لرجل يدّعي أنه نبي من الفضائيين، وناقشوه بجدية شديدة.
ما وراء الشاشة.. واقع يخفي حقيقة شخص آخر قبيح
في الحلقات الأخيرة من المسلسل الوثائقي، ينقلنا المسلسل لنشاهد “رائيل” نفسه في زمننا الحالي، حيث يعيش في اليابان مع أتباع جدد، ويخبرنا المسلسل بكل ما نريد معرفته عنه، من دون تصريحات ضده، بل يرينا تصرفه مع أتباعه ولا سيما من النساء، فذلك وحده كفيل بإظهار حقيقته للمشاهد.
يعتمد صناع المسلسل الوثائقي على تصوير “رائيل” في لقطات قريبة وخارج لحظات التصوير، لنقل صورة حقيقية له من غير تجميل، فنشاهده يعنف مساعدته ويخبرها أنها امرأة ليس لها حق الحديث معه أو مناقشته، ويبدو التناقض واضحا تماما بين صورة “رائيل” الهادئة التي يظهرها أمام الكاميرات، وبين حقيقته الغليظة والعنيفة في الواقع.
تنقل “رائيل” بسبب الملاحقات القانونية طوال فترة حياته من بلد إلى بلد، بسبب مغامرته الدينية، فارتحل من فرنسا إلى كندا، ثم إلى الولايات المتحدة، ثم إلى اليابان، وتخللت ذلك زيارات لقارة أفريقيا، وتدعي حركته أنها تضم ما يزيد عن ٦٠ ألف شخص.
خداع المثقفين والعلماء والأثرياء والعوام.. ديانة تضرب في الآفاق
قد تتساءل بعد مشاهدتك لهذا المسلسل الوثائقي، عن سبب نجاح هذا الرجل في خداع كل هؤلاء طوال هذه السنين، لم يخدع الرجل رجالا ونساء بسطاء فقط، بل إنه ضم لأتباعه أيضا أثرياء ومثقفين وعلماء.
لم يخبر “رائيل” أتباعه فقط بأنه “رسول”، بل أخبرهم أيضا أنه سافر مع الفضائيين إلى كوكب آخر، وأنه اجتمع مع الرسل السابقين، ثم أخبرهم أنه وشريكته قد استنسخا كائنا بشريا، كل هذا دون أن يظهر دليلا واحدا، ومع ذلك فإن ديانته لم تزل تجمع الأتباع.
يبدو حلم الخلود مغريا لدى كثيرين، وكلما ازداد الحلم لمعانا كان وضوح الرؤية صعبا، لا سيما إن كنت تحت تأثير جماعة من المؤمنين به.