بمساحتها الممتدة 1.27 مليون كيلومتر مربع، تتصدر النيجر دول منطقة غرب أفريقيا من حيث المساحة، رغم أن الصحراء الكبرى تغطي 83% منها، كما تأتي في مقدمة الدول الأفريقية الحبيسة التي تفتقر إلى منفذ بحري من حيث عدد الدول المجاورة لها (7 دول)، ويبلغ الطول الإجمالي لشريطها الحدودي مع تلك الدول السبع 5.697 آلاف كيلومتر.
ويتركز معظم سكان النيجر البالغ عددهم 7.129 ملايين نسمة -غالبيتهم مسلمون- في أقصى جنوب وغرب البلاد. ولهم امتدادات عرقية قبلية، وعرقية متفاوتة مع دول الجوار، وما وراء الجوار، وبالتالي تتفاوت العلاقات والمصالح والحسابات السياسية التي تحكم مواقف تلك الدول من الانقلاب الأخير وتصل حد التباين، خصوصا من اللجوء للخيار العسكري لإنهاء الانقلاب.
وتاليا بعض الملامح العامة لدول جوار النيجر التي تحكم موقفها من الانقلاب الأخير، ويتصدرها أن 5 من تلك الدول السبع تشترك مع النيجر في كونها مستعمرات فرنسية سابقة، باستثناء نيجيريا (استعمار بريطاني سابق)، وليبيا (استعمار إيطالي سابق).
نيجيريا
تقع نيجيريا جنوب النيجر وهي صاحبة أطول حدود معها تبلغ 1.497 كيلومتر، وتخترق واحدة من أكثر المناطق كثافة بالسكان في البلدين.
ومنذ العصور الوسطى تم ربط مدن جنوب النيجر وشمال نيجيريا بالتجارة عبر الصحراء. وكانت مدن مثل كانو وكاتسينا؛ المحطةَ الجنوبية لشبكات التجارة التي تدعم الكثير من اقتصاد النيجر. وقبل مطلع القرن الـ20، لم تكن هناك حدود رسمية بين البلدين، لكن الخط الحالي هو الامتداد الشمالي تقريبا لخلافة سوكوتو في القرن الـ19.
ومنذ استقلال النيجر عن فرنسا عام 1960، أقامت الدولتان علاقات وثيقة. على أساس عدم التدخل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر. وخلال الحرب الأهلية النيجيرية، كان رئيس النيجر حماني ديوري وسيطا نشطا في الصراع.
ولم تكن هناك نزاعات حدودية خطيرة بين نيجيريا والنيجر. التي تجمعهما روابط ثقافية قوية مثل لغة الهوسا، ولكن هناك القليل من الاهتمام بدولة الهوسا الشاملة. وتستفيد نيجيريا من التجارة والمبيعات الزراعية للنيجر.
ويتولى الرئيس النيجيري بولا تينوبو رئاسة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، وهو الذي استهل مهامه أوائل يوليو/تموز الماضي بالقول ” لن نسمح بانقلاب بعد انقلاب في غرب أفريقيا”.
وتعتمد النيجر على نيجيريا في إمدادها بـ70% من الكهرباء، وعقب الانقلاب الأخير قطعت نيجيريا إمدادات الكهرباء عن النيجر ضمن العقوبات على الانقلابيين، خصوصا أنها تقود التوجه لإعادة الرئيس محمد بازوم إلى الحكم، ورغم ذلك رفض مجلس الشيوخ النيجيري اللجوء إلى الخيار العسكري لردع الانقلابين.
ويرى مراقبون أنه حتى لو لم يرفض البرلمان النيجيري الخيار العسكري، فإن هذا الخيار ينطوي على العديد من التحديات الأمنية في الداخل، وبالتالي فإن إرسال جزء كبير من الجيش إلى النيجر سيكون بمثابة مقامرة.
وتخشى نيجيريا من تصاعد الوضع في النيجر إلى صراع واسع النطاق، وترى أن ذلك قد يؤدي إلى إنشاء ممر بري كبير بين نيجيريا وليبيا، حيث توجد جماعات مسلحة في مناطق كبيرة. ومن ثم يمكن أن يؤدي عدم الاستقرار في النيجر إلى فراغ في السلطة قد تستغله جماعة بوكو حرام.
تشاد
تحل تشاد الواقعة شرق النيجر ثانيا في طول الحدود معها والبالغة 1.175 كيلومتر، وتشاد ليست عضوا في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.
ومن ثم كان الرهان عقب الانقلاب على القائد العسكري التشادي والرئيس الانتقالي محمد إدريس ديبي على أنه وسيط أكثر حيادية للتحدث مع قادة الانقلاب. ومن ثم توجه إلى نيامي حيث التقى -خلال زيارته- قائد الانقلاب الجنرال عبد الرحمن تشياني، والرئيس المعزول محمد بازوم، بالإضافة إلى سلفه محمد إيسوفو، الذي حاول بنفسه التوسط مع العسكريين، من دون جدوى.
ويُعرف عن الرئيس التشادي قربه من محمد بازوم، وأيضا هو من العسكريين الذين تولوا السلطة، إذ نفذ البلدان الجاران مهمات مشتركة في منطقة بحيرة تشاد، وهما عضوان في “مجموعة دول الساحل الخمس”، وهي قوة إقليمية تأسست عام 2017 لمكافحة تمدد الجماعات المسلحة.
ودافع الرئيس التشادي عن “مقاربة أخوية” تهدف إلى “البحث عن وسائل تؤدي إلى مخرج سلمي للأزمة”. ورغم انتقاد عدد من الدول الرسالةَ السياسية لمهمة تشاد، فإن دولا أفريقية أخرى، بما فيها النيجر، رحبت بالمبادرة التشادية، كما اعتبر أوحمودو محمدو، رئيس وزراء الحكومة التي تمت الإطاحة بها، أنّ هذه الوساطة يمكن أن “تؤدي إلى حل للمشكلة التي تواجهها البلاد”.
وبعدما أعلنت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا عن وضع خطة لتدخل عسكري مُحتمل بهدف إعادة الرئيس المعزول محمد بازوم إلى السلطة. أكد وزير الدفاع التشادي الجنرال داود يايا إبراهيم في مقابلة تلفزيونية رسمية، أول أمس الجمعة، أن بلاده لن تتدخل في الأوضاع الراهنة في جارتها النيجر.
والواقع أن تشاد لديها ما يكفيها من أزمات داخلية لا تزال محل حوار، إضافة إلى أزمة تدفق لاجئين من الجارة الشرقية السودان بسبب الحرب، وترى نفسها في غنى عن التورط في مشاكل جدية مع جارتها الغربية النيجر.
الجزائر
الجزائر هي الجار الشمالي الأكبر للنيجر بحدود تبلغ نحو ألف كيلومتر، وفي أبريل/نيسان الماضي وقع البلدان اتفاقا عسكريا يقضي بتسيير دوريات عسكرية مشتركة على حدودهما، وتكثيف التنسيق العملياتي الميداني”، بهدف مجابهة مختلف أشكال التهديدات الأمنية، وعلى رأسها مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود، وأيضا الهجرة غير الشرعية. وسبق أن وقّع البلدان عام 2021، اتفاقا التعاون الأمني، لتنسيق عمليات محاربة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود والمنظمة.
ويتدفق عبر النيجر آلاف المهاجرين غير النظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء إلى الجزائر عبر الحدود المشتركة.
والبلدان عضوان في “مجموعة الميدان” التي تضم أيضا كلا من موريتانيا ومالي.
وتمثل النيجر ممرا مهما للجزائر نحو قلب أفريقيا، ضمن إستراتيجيتها لتعزيز صادراتها إلى القارة السمراء، وبالأخص مشاريع الطريق العابر للصحراء والذي يربط الجزائر بنيجيريا عبر النيجر، بالموازاة مع خط للألياف البصرية، وأنبوب لنقل غاز نيجيريا إلى أوروبا مرورا بالبلدين.
كما أن مجمع سوناطراك الجزائري وقّع في فبراير/شباط 2022، مع وزارة الطاقة في النيجر، على اتفاق لتقاسم الإنتاج في حقل “كفرا” النفطي شمالي البلاد، الذي اكتشفته في 2018، والذي تقدر احتياطاته بنحو 400 مليون برميل.
وتستقبل الجزائر عددا كبيرا من المهاجرين القادمين من النيجر، وترحّلهم بين الحين والآخر إلى بلادهم ضمن اتفاقية أمنية مع نيامي، لكن الانقلاب الأخير من شأنه مضاعفة أعدادهم، خاصة أن الجزائر تعد أغنى بلد بين دول الساحل، حيث تحولت لبلد استقرار لكثير منهم بعدما كانت بلد عبور نحو أوروبا.
ورغم أن الجزائر سبق لها أن تعايشت مع 4 انقلابات عسكرية ناجحة في النيجر، فإن انتشار الانقلابات في جوارها الجنوبي بات مصدر قلق لها، لذا دانت الجزائر بشدة المحاولة الانقلابية في النيجر منذ الساعات الأولى لاحتجاز الرئيس بازوم. ودعت الجزائر، في بيان لخارجيتها “لوضع حد فوري للاعتداء غير المقبول على النظام الدستوري، وهذا الانتهاك الخطير لمقتضيات سيادة القانون”.
كما أعقبت ذلك ببيان آخر صدر أمس عن الخارجية الجزائرية جاء فيه أن الجزائر تحذر “وتدعو إلى ضبط النفس بشأن نوايا التدخل العسكري الأجنبي في النيجر. مما سيكون عاملا يعقّد ويزيد من خطورة الأزمة الحالية”.
ليبيا
تقع ليبيا شمال شرقي النيجر بحدود طولها 354 كيلومترا، وتعد أكثر الدول العربية تأثرا بالانقلاب في النيجر، فالرئيس محمد بازوم، يتحدر من قبيلة “أولاد سليمان” الليبية، التي يمتد انتشارها من بلدة هراوة على البحر الأبيض المتوسط (قريبة من مدينة سرت الليبية) إلى النيجر وتشاد جنوبا.
ولم يخف رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة، قلقه مما يجري في جارة بلاده الجنوبية، ودعا إلى “وضع حد فوري لهذه التحركات العسكرية التي تقوض أمن المنطقة واستقرارها، وتشكل مصدر قلق لجميع البلدان المجاورة، والمجتمع الدولي ككل”.
واعتبر رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، أن العملية العسكرية تهدف إلى تغيير غير دستوري للنظام في النيجر، واصفا إياها بأنها عملية خارجة عن القانون والشرعية، داعيا المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، لتأمين سلامة الرئيس بازوم وأسرته ورئيس وأعضاء الحكومة.
وسبق أن جرّبت ليبيا عدم الاستقرار في النيجر، خلال السنوات الأخيرة، إذ عانت من مشاركة مجموعات مسلحة من النيجر في القتال لصالح هذا الطرف أو ذاك. وبسبب الوضع الاقتصادي في النيجر، يسهل على أطراف الصراع في ليبيا تجنيد مرتزقة للقتال في صفوفهم، أو على الأقل حماية حقول النفط والمراكز الحيوية في المناطق النائية خاصة بالجنوب.
كما انتعشت الهجرة غير النظامية وتجارة البشر في ليبيا بعد سقوط نظام معمر القذافي في 2011، وشكلت عبئا اجتماعيا ومسؤولية إنسانية على البلاد، خاصة بعد صدور تقارير عن غرق مهاجرين في عرض البحر بينهم أشخاص من النيجر، ناهيك عن وضعهم في مراكز إيواء غير مناسبة إحداها تعرض لقصف دموي سقط خلاله عشرات القتلى.
وإذا دخلت النيجر في حالة عدم استقرار أو انجرفت نحو الفوضى، فإن ذلك سيدفع أعدادا كبيرة من سكان النيجر للفرار إلى ليبيا، التي لا تملك الإمكانيات الكافية لحماية حدودها. إلى جانب انتشار الاتجار بالبشر على طول سواحلها الغربية القريبة من شواطئ مالطا وإيطاليا وتهريب الأسلحة والوقود، المنتشر على الحدود.
والأخطر من ذلك عودة عناصر تنظيم الدولة الإسلامية للنشاط في ليبيا، بعدما تم القضاء على إمارتهم في سرت نهاية 2016، وفرارهم إلى دول الساحل وحوض بحيرة تشاد وخاصة نيجيريا. ومن ثم فإن تدهور الوضع في النيجر سيسمح للتنظيمات الإرهابية بالنشاط على محور “نيجيريا – النيجر- ليبيا” وصولا إلى العراق وسوريا.
ويرى مراقبون أن النيجر تمثل نقطة عبور رئيسية للعناصر المتطرفة بين معاقلها الرئيسية في العراق وسوريا وبين معاقلها الجديدة في نيجيريا وحوض بحيرة تشاد. كما تهدد الأحداث الأخيرة في النيجر بتجميد خطط ومشاريع لنقل غاز نيجيريا عبر البلدين، وربط كل من تشاد والنيجر وليبيا بخط للسكك الحديدية.
بنين
تقع بنين جنوب النيجر وتبلغ حدودهما المشتركة 266 كيلومترا، ولـ”بنين” أهمية خاصة للنيجر، إلى جانب نيجيريا؛ حيث تمر بهما معظم طرق التجارة الخارجية للنيجر.
ولبنين تجربة تاريخية مع الشيوعية، فبعد أن استولى الرائد ماتيو كيريكو على السلطة في انقلاب عام 1972؛ أعلن جمهورية بنين الشعبية دولة ماركسية لينينية وسعى للحصول على دعم مالي من الحكومات الشيوعية في أوروبا الشرقية وآسيا
ولإبعاد الدولة الحديثة عن ماضيها الاستعماري، أصبحت البلاد جمهورية بنين الشعبية عام 1975. ومع ذلك، تخلت بنين عن الأيديولوجية الاشتراكية عام 1989 بعد ضغوط من الدائنين والاضطرابات المحلية المتعلقة بالصعوبات الاقتصادية.
وفي السنوات الأخيرة، عززت بنين العلاقات مع فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، وكذلك الولايات المتحدة ومؤسسات الإقراض الدولية الرئيسية. كما تبنت بنين دور الوساطة في الأزمات السياسية في ليبيريا وغينيا بيساو وتوغو وقدمت مساهمة لقوة الأمم المتحدة في هاييتي، وكلها كانت مؤشرات على ثقة البلد المتزايدة في المجتمع الدولي.
ومن المتوقع أن يربط مشروع خط أنابيب التصدير المدعوم من شركة “بتروتشاينا” حقل “أجادم” النفطي في النيجر بميناء كوتونو على المحيط الأطلسي في بنين، ويقدر إجمالي الاستثمار في هذا الخط -الذي يبلغ طوله حوالي ألفي كيلومتر- 4 مليارات دولار.
وتأمل النيجر، التي تنتج حاليا نحو 20 ألف برميل من النفط يوميا، في زيادة إنتاجها إلى نحو 110 آلاف برميل يوميا، منها 90 ألف برميل يوميا سيتم تصديرها عبر خط الأنابيب.
وقال الحسن كورا نائب رئيس ديوان وزير المناجم والطاقة في بنين إن “الوضع السياسي الحالي لا علاقة له بتنفيذ المشروع”. وهذا يعني أنه في الوقت الحالي، يتقدم العمل في النيجر وبنين. وقد يكون هناك تأخير فقط في الجدول. وإلا، فإنه في ظل الظروف العادية، بحلول أكتوبر/تشرين الأول المقبل؛ من المفترض إجراء الاختبارات الأولية.
كما أكد المتحدث باسم حكومة بنين ويلفريد ليندري هونجبيدجي أن إغلاق الحدود الذي فرضته كتلة غرب أفريقيا لن يؤثر على أعمال البناء في خط الأنابيب.
وحول الموقف من الانقلاب شدد وزير خارجية بنين يوم الجمعة الماضي على أن “الدبلوماسية يجب أن تكون الحل المفضل للانقلاب في النيجر بينما تعهد بدعم “بنين” الكامل لجهود المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا لحل الأزمة”، معتبرا موقف المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، الذي تلتزم به بنين “هو إطلاق سراح الرئيس بازوم وإعادة تنصيبه”.
مالي وبوركينا فاسو
ينفرد البلدان بموقفهما الداعم للانقلاب منذ إعلانه، ورفضهما الشديد للجوء إلى الخيار العسكري، وسبق أن حذرتا في بيان مشترك من أن أي تدخل عسكري في النيجر لإعادة الرئيس بازوم إلى الحكم سيكون بمثابة “إعلان حرب على بوركينا فاسو ومالي”.
وأضاف البيان أن ذلك “سيؤدي إلى انسحاب بوركينا فاسو ومالي من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا”.
والبلدان هما صاحبتا أحدث انقلابين في المنطقة يسبقان الانقلاب الأخير في النيجر، فقد شهدت بوركينا فاسو الواقعة جنوب غرب النيجر بحدود طولها 628 كيلومترا انقلابا عسكريا في 30 سبتمبر/أيلول عام 2022، أطاح بالرئيس المؤقت بول هنري سانداوغو داميبا الذي سبق أن وصل إلى السلطة في انقلاب قبل 8 أشهر فقط من الانقلاب الأخير؛ حيث تولى النقيب إبراهيم تراوري منصب القائد المؤقت.
أما مالي الواقعة شمال غرب النيجر بحدود يبلغ طولها 821 كيلومترا فقد شهدت في ليلة 24 مايو/أيار عام 2021 انقلابا عسكريا، عندما ألقى الجيش المالي القبض على الرئيس “باه نداو”، ومن ثم فإن موقف البلدين الداعم لانقلاب النيجر ليس محل غرابة.