أكد الباحث السياسي هاوس سنيغر أن رغبة النظام الفرنسي في فرض ما يسميه “إسلام التنوير” من الأعلى يشير إلى وجود خلل كبير وخطير في التشخيص، وأكد أن التعامل مع ممثلين عن الديانة الإسلامية في فرنسا أمر إيجابي سينجح شريطة عدم إعطاء انطباع للجمعيات والمنظمات الإسلامية أن الدولة تتدخل في شؤونهم الدينية.
وأضاف سنيغر في حوار مع صحيفة “لوموند” (Le Monde) الفرنسية أن الدولة حاولت مع نهاية “المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية” إيجاد بديل تنظيمي أكثر مرونة قادر على تمثيل مناطق فرنسا بنفَس ليبرالي وفق ما عبَّر عنه الرئيس إيمانويل ماكرون.
بناء على ذلك، بادرت الدولة بتأسيس “منتدى الإسلام في فرنسا”، وحاولت إنجاح عمله بتفادي الأخطاء التي عجلت بنهاية المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية الذي ظل يعمل لنحو 20 عاما حتى تم حلّه العام الماضي.
ويُرجِع محللون نهاية ذلك المجلس إلى الشلل الذي أصاب أجهزته نتيجة الصراعات الداخلية وتدخلات الدول الأجنبية، أو ما أطلق عليه بـ”الإسلام القنصلي” في إشارة للتمثيليات الدبلوماسية التي تتجاذب التحكم فيه عن بعد.
وقال سنيغر إن تكليف “منتدى الإسلام في فرنسا” بمهمة ضمان توجه ليبرالي للدين الإسلامي قضية محكوم عليها بالإخفاق، لأن الاتجاه الإسلامي المحافظ في فرنسا حقيقة واقعة، ومن ثم فرغبة البعض في فرض “إسلام تنوير” من أعلى خطأ خطير في التشخيص.
وذكر الباحث السياسي أن الدولة الفرنسية ومؤسساتها في حاجة إلى ممثلين عن الديانة الإسلامية يتحدثون باسم مسلمي فرنسا، لكن من اللازم على المسؤولين أن يقتنعوا أنه من الضروري التعامل بحذر مع هذا الملف بعدم إعطاء انطباع للجمعيات والمؤسسات الإسلامية أن الدولة تتدخل في شؤونهم الدينية والتنظيمية.
وبالتالي -يتابع سنيغر- فإن فتح باب حوار جدي وصريح بين النظام وبين الجمعيات والمنظمات الإسلامية سيُمكّن من حسم ملفات مهمة وحساسة من بينها العلاقة بين تلك المنظمات وبين مؤسسات الجمهورية، والتفاعل النقدي مع النصوص والمعايير والممارسات الدينية الإسلامية في ارتباطها بالنظام العام.
مفهوم استعماري
وانتقد الباحث الفرنسي مفهوم “إسلام التنوير” الذي تحدث عنه ماكرون، وقال إنه مصطلح بُني على فكرة غير مدروسة مشتقة من عقلية استعمارية، مذكرا بأحد رواد الفكر الاستعماري الفرنسي روبرت مونتاني (1893-1954) الذي كان قد دعا إلى ما سماه “تطهير الإسلام” من خلال صنع “إسلام لبيرالي متحرر”.
وأوضح سنيغر أنه وإن كان مغرما بفكرة “الإسلام الليبرالي”، إلا أن حديث السياسيين عن “إسلام التنوير” يجعله متشككا ومتخوفا من استغلاله سياسيا، لكون هذا المفهوم يمكن أن يحمل أحكاما قيمية ضد “المسلمين المحافظين”.
وشرح بأن فكرة وجود تيار إسلامي محافظ ليس مشكلة في حد ذاته، إذ بإمكانه التعايش بسلام مع الآخرين مع ضمان احترامه لأفكاره ومبادئه، طالما ذلك لا يشكل مشكلة بالنسبة للمجتمع أو للنظام العام.
وبخصوص “قانون الانفصالية” الذي أُقر عام 2021 لحماية مبادئ الجمهورية العلمانية، بيّن الباحث الفرنسي أن مشكلة ذلك القانون أنه انتقل من “نظام قانوني” ينظّم سلوك الأفراد إلى “نظام أخلاقي” يفحص مواقفهم وآراءهم.
وتابع موضحا “إذا انتقد أي شخص اللائكية (العلمانية الفرنسية) مثلا من منطلق مرجعيته الإسلامية قد يجد نفسه عرضة للمتابعة القانونية لأنه وفق القانون الجديد يغذي الانفصالية داخل المجتمع”.
مصطلح خبيث
وأكد أن مصطلح “الانفصالية” الذي اختاره الرئيس ماكرون نفسه، هو مصطلح “خبيث”، إذ يضمن عدم اتهام القانون بأنه “فئوي يستهدف المسلمين”، رغم أن الجميع يعلم أنه يستهدف المسلمين أساسا.
وصرح سنيغر بأن طلب وزارة الداخلية الفرنسية مؤخرا من مسؤولي التعليم تحديد هوية الطلاب الذين تغيبوا في عيد الفطر في 21 أبريل/نيسان الماضي يكشف عن وجود مشاكل عديدة تؤثر على الأداء الطبيعي لما يسمى بالدولة الديمقراطية القائمة على سيادة القانون.
وأضاف بأن السلطات الفرنسية بالكاد تكافح لتطبيق القانون بالتساوي والتعامل بحيادية مع المسألة الإسلامية والوجود الإسلامي في فرنسا، وبالتالي فمثل هذا القرار في هذا التوقيت يزيد من حدة تشكيك الناس في الأداء الطبيعي للدولة الديمقراطية. وذكر أنه بسب ما جرى، لا يجب أن يشعر أحد بالغضب ممن يرون في مبادرة وزارة الداخلية شكلا من أشكال الإسلاموفوبيا تمارسه الدولة.