مراسلو الجزيرة نت
الخرطوم – يبدو أن الهدنة التاسعة الهشة بين الجيش السوداني والدعم السريع التي ينبغي أن تستمر أسبوعا، في طريقها إلى الانهيار بعد خرقها في يومها الأول أمس الثلاثاء.
ويعتقد مراقبون أن الهدنة التي فرضتها الضغوط الدولية والإقليمية، لن تصمد بسبب قناعة الجيش باقترابه من حسم المعركة، وعدم سيطرة قادة الدعم السريع على قواتهم على الأرض ورغبتهم في إطالة أمد الحرب في انتظار تسوية تضمن لهم قدما في المعادلة السياسية.
وساد هدوء حذر في الساعات الأولى من بدء سريان الهدنة مدن العاصمة الثلاث (الخرطوم، وأم درمان، والخرطوم بحري)، قبل أن تشهد أم درمان اشتباكات محدودة، كما وقعت اشتباكات وسط الخرطوم وتبادل للقصف المدفعي قرب مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان غربي السودان.
وكشفت الهدنة الجديدة الوجه الآخر للخرطوم بعد 6 أسابيع من المواجهات العسكرية، حيث استطاع الكثير من المواطنين مغادرة منازلهم بعد أن ظلوا في إقامة جبرية بسبب المعارك، وتواصلوا مع بقية أفراد أسرهم في أحياء أخرى.
وعاد بعض المواطنين إلى منازلهم التي غادروها بعد يوم من الحرب، ووجد بعضهم دورهم مدمرة بسبب القصف وقذائف الصواريخ، في حين لم يجد آخرون سوى الحوائط بعد نهبها.
وكتب الصحفي وجدي الكردي في مدونته أنه لم يجد حتى لوحات فنية كانت معلقة في الجدران.
وقدر ناشطون ومتطوعون عدد البيوت التي تعرضت إلى النهب في مدن العاصمة الثلاث بنحو 50 ألف منزل، والتي تدمرت كليا وجزئيا أو تعرضت للتخريب أكثر من 65 ألف منزل وشقة.
خروق الدعم السريع
وقال مسؤول عسكري للجزيرة نت إن الجيش رصد أكثر من 40 خرقا لقوات الدعم السريع في الخرطوم وبعض الولايات، أبرزها تحريك قواتهم في جنوب وغرب أم درمان، في محاولة للهجوم على قاعدة “وادي سيدنا” الجوية بعد فشل عدة محاولات سابقة، بالإضافة إلى محاولة التسلل لوسط الخرطوم، مما أدى إلى اشتباكات قرب جامعة السودان.
وذكر المسؤول العسكري أن القوات المتمردة استهدفت مواقع الجيش بالصواريخ والرشاشات الثقيلة، وانتقلت إلى مواقع غير التي كانت تموضعت فيها لحظة تطبيق الهدنة، ونشرت مدافع ومضادات طيران في مواقع عدة في الخرطوم، كما حركت تعزيزات إلى مواقع تمركزها في المدينة.
وأوضح أن “المتمردين” حاولوا اقتحام مدينة الأبيض حاضرة ولاية شمال كردفان بعشرات السيارات، لكن قوات الفرقة الخامسة “هجانة” ردتهم على أعقابهم.
واتهم قوات “التمرد” بإرهاب مواطني المنطقة ونهب السيارات والسلع من الشاحنات وسلب أموال المواطنين ومقتنياتهم خلال عبورهم بالحافلات بين مدينتي الرهد والأبيض والمناطق الأخرى، وتحدث عن خروقات في نيالا وزالنجي في دارفور.
وحسب المسؤول ذاته، فإن “المتمردين” بدلاً من الانسحاب من 26 مستشفى و6 مؤسسات صحية سيطروا عليها خلال الأسابيع الماضية، استولوا قبيل ساعات من سريان الهدنة على مستشفى أحمد قاسم لجراحة القلب والكلى في الخرطوم بحري، وعلى مستشفى البان جديد في منطقة الحاج يوسف بشرق النيل، وعلى 4 سيارات إسعاف، مما يرفع عدد سيارات الإسعاف التي استولوا عليها إلى 21 سيارة. ورأى أن ذلك لا يعكس رغبتهم وجدّيتهم في إبداء أي حسن نية نحو الالتزام بالهدنة.
صعوبات الهدنة
بدوره توقع الخبير العسكري صالح عيساوي أن تصمد الهدنة بنسبة كبيرة لوقوف المجتمع الدولي والإقليمي خلفها، ووجود آلية مراقبة تتألف من الولايات المتحدة والسعودية والجيش والدعم السريع، بالإضافة إلى الرصد الإلكتروني والفضائي الذي يتيح تحديد الجهة التي تخرقها، لافتا إلى تهديد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بمحاسبة من يخرق وقف النار.
وفي حديث للجزيرة نت، يعتقد عيساوي أن الجيش غير متحمس للهدنة لأن لديه قناعة بأنها تعطل حسمه للحرب بعدما دمر القوة الرئيسية لقوات الدعم السريع، وأنها ستتيح للطرف الآخر التقاط أنفاسه وترتيب صفوفه بعد الضربات التي أرهقته، مما يجعله متحفزا للرد على أي هجوم من الدعم السريع، هذا الأمر سيؤدي إلى استمرار المناوشات والاشتباكات ولو بصورة محدودة.
وفي الجانب الآخر يواجه الدعم السريع صعوبات في تواصل قيادته مع قطاع كبير من قواته المنتشرة على مساحات واسعة، ويتصرف بعضها بشكل منفرد، وتململ كثير منهم من استمرار الحرب فترة طويلة لأن طريقتهم في الحروب هي الضربات الخاطفة في مناطق مفتوحة وعدم الاستمرار في منطقة واحدة وقتا طويلاً.
إطالة أمد الحرب
بدوره، يعتقد المحلل السياسي صلاح عثمان أنه على الرغم من وجود آلية لمراقبة الهدنة التاسعة، فإنها غير قابلة للصمود لرغبة طرفي اتفاق جدة في تحسين مواقفهما وكسب نقاط، لأن حرب المدن لا يمكن حسمها بالضربات القاضية، بل بالنقاط.
وفي حديث مع الجزيرة نت، يوضح المحلل السياسي أن الهدنة لم تأت برغبة الطرفين، وإنما وافقا عليها بضغوط دولية وإقليمية، مؤكدا أن الجيش حقق تقدما وأجهض أهداف الدعم السريع المعلنة من الحرب، وهو إقصاء قيادة الجيش والاستيلاء على المواقع العسكرية والسيادية في الخرطوم، ولا يريد التوقف قبل حسم المعركة.
وأضاف عثمان أن قوات الدعم السريع تسعى في المقابل إلى إطالة أمد الحرب لتحقيق مكاسب سياسية عندما تجلس أطراف الأزمة والقوى السياسية حول طاولة حوار بعد استئناف العملية السياسية والانتقال الديمقراطي، في انتظار أن يعمل حلفاء الدعم السريع من بعض القوى السياسية في قوى الحرية والتغيير على التوصل إلى صيغة تجعل قيادته جزءا من المعادلة السياسية.