“أوضحتُ لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أننا على استعداد لتوفير جميع سبل الدعم المناسبة لحكومة إسرائيل وشعبها”.. هكذا عبر الرئيس الأميركي جو بايدن عن موقفه مما تواجهه إسرائيل الحليف الوثيق لواشنطن في المنطقة، خلال معركة “طوفان الأقصى” التي سيطرت فيها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على عدة مراكز عسكرية ومستوطنات حول قطاع غزة.
لم تكن تصريحات بايدن صادمة أو مفاجأة، فلم يشذ الموقف الأميركي منذ إنشاء إسرائيل عن الدعم الوثيق سياسيا وعسكريا.
غير أن ما تعيشه إسرائيل في معركة “طوفان الأقصى” يختلف تماما عما شهدته منذ النكبة عام 1948.
وتعتبر إسرائيل أنها انتصرت على العرب في جميع الحروب التي خاضتها معهم، إلا أنها تواجه الآن فصيلا مقاوما تمكن إفقادها توازنها عبر هجوم مباغت فجر 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
ومنذ قيامها على أرض عربية عام 1948، حرصت واشنطن على تفوق إسرائيل العسكري في المنطقة، وروجت مقولات عن جيشها الذي لا يقهر، إلى أن تكبدت في يومين أكثر من 800 قتيل وألفي جريح وعددا كبيرا من الأسرى.
وكان بايدن واضحا في التعبير عن دعمه لإسرائيل وحريصا على التأكيد أن واشنطن مستعدة لتوفير “جميع سبل الدعم المناسبة” لتل أبيب، كما أنه تواصل بشكل مكثف مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وجاءت تصريحات وزير دفاعه لويد أوستن لتترجم الدعم الذي تحدث عنه الرئيس الأميركي بالقول إن بلاده ستعمل على ضمان امتلاك إسرائيل “كل ما تحتاجه للدفاع عن نفسها”.
تصريحات المسؤولين الأميركيين أظهرت حجم المأزق الذي تواجهه إسرائيل، فهذه أول حرب تخوضها “على أرضها”، كما أنها تعرضت لـ”مفاجأة إستراتيجية” هي “الأكثر إذلالا” حسب وصف المحلل السياسي بن كسبيت في صحيفة معاريف الإسرائيلية.
طوفان الأقصى
“من كان يخشى الذهاب إلى المعركة البرية في غزة فقد ذهبت إليه بمعركة برية، أولئك الذي وصفوا أنفسهم بأنهم أقوياء ضد حماس وجدوا أنفسهم ضعفاء أمامها”.
هكذا سخر المحلل بن كسبيت أيضا من التطورات الأمنية والسياسية التي تعيشها إسرائيل خلال “طوفان الأقصى”.
ومع تكشف حجم القوة والاستعداد التي ظهرت فيها فصائل المقاومة الفلسطينية، أدركت الولايات المتحدة كما أدرك الساسة الإسرائيليون أن ما يجرى أعمق من أن تكون حربا تقليدية.
كما أدرك نتنياهو وحكومته أنهم أمام لحظة فارقة، تتطلب منهم تعزيز قوة ردعهم التي تهاوت مع اجتياز المقاومين لحدود قطاع غزة.
معضلة العقد الثامن
كثرت التحليلات الإسرائيلية عن “عقدة العقد الثامن”، وكان أبرز ممن تحدثوا عن تلك العقدة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك، حين أبدى مخاوفه من قرب زوال إسرائيل قبل حلول الذكرى الـ80 لتأسيسها، مستشهدا بـ”التاريخ اليهودي الذي يفيد بأنه لم تعمّر لليهود دولة أكثر من 80 سنة إلا في فترتين استثنائيتين”.
وفي مقال له في مايو/أيار 2022 بصحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، قال باراك “على مرّ التاريخ اليهودي لم تعمر لليهود دولة أكثر من 80 سنة إلا في فترتين: فترة الملك داود وفترة الحشمونائيم، وكلتا الفترتين كانت بداية تفككها في العقد الثامن”.
وأضاف باراك أن تجربة الدولة العبرية الصهيونية الحالية هي التجربة الثالثة وهي الآن في عقدها الثامن، وأنه يخشى أن تنزل بها لعنة العقد الثامن كما نزلت بسابقتها.
وتابع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أن “إسرائيل تقع في محيط صعب لا رحمة فيه للضعفاء”، محذرا من العواقب الوخيمة للاستخفاف بأي تهديد، قائلا “بعد مرور 74 عاما على قيام إسرائيل أصبح من الواجب حساب النفس”، منبّها إلى أن “إسرائيل أبدت قدرة ناقصة في الوجود السيادي السياسي”.
ولعل ما تخوف منه باراك هو ما تخوف منه البيت الأبيض فقد أيقظت معركة طوفان الأقصى تلك المخاوف، الأمر الذي دفع واشنطن لإرسال بارجتها الكبرى لدعم حليفها الذي ظهر أنه ليس بالقوة التي تفاخر بها.
البارجة
أما مدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن مايكل آيزنشتات، فيرى أن وجود حاملات الطائرات قد يغيّر حسابات المخاطر ويمكن أن يساعد في صياغة سلوك العدو.
ولعل أبرز ما يمكن قراءته في إرسال حاملة الطائرات “جيرالد فورد” إلى شرق المتوسط أنه دعم معنوي لإسرائيل، علما بأنها تمتلك جيشا لديه ما بين 650 و700 ألف طائرة ولديها 4 آلاف دبابة، إضافة إلى 10 آلاف عربة قتال، وأكثر من 3 آلاف مدفع”، وفقا للمحلل العسكري فايز الدويري.
وأوضح الدويري للجزيرة نت “أن ما يجري في غزة هو الذي دفع إلى تحريك مجموعة القتال هذه لكنها تبقى قوة ردع”.
كما أشار الدويري في حديثه إلى أن إرسال حاملة الطائرات أيضا رسالة لإسرائيل تتمثل بأن “لها تأييدا مطلقا لما ستقوم به في غزة”.
فهل يسهم إرسال حاملة الطائرات الأميركية في تغيير مسار معركة “طوفان الأقصى”؟