تحناوت- حيثما وليت وجهك في المناطق المتضررة من زلزال القرن الذي ضرب المغرب العام الماضي، يحدثك القرويون عن الدور الكبير الذي تقوم به مؤسسات المجتمع المدني في تقديم المساعدة للمتضررين على أصعدة مختلفة.
فمنذ الساعات الأولى للزلزال، بادرت كثير من الجمعيات الخيرية لنقل أطنان من الأكل والألبسة والأدوية للمتضررين حتى إن الأكل فاض عن المطلوب، كما قدمت لهم خياما وأغطية.
ومنذ ذلك الوقت لم تنقطع عمليات الدعم التي تقدمها تلك الجمعيات طيلة العام الماضي بحسب إمكانياتها وما تستطيع تقديمه، وساعد بعضها القرويين في حفر الآبار، وتوفير اللوازم المدرسية، إلى جانب بناء منازل من جدران مسبقة الصنع.
“فاعل خير”
ومن التجارب الناجحة التي أشاد بها كثيرون، تجربة جمعية “فاعل خير”، التي يقودها شباب من أبناء منطقة إقليم تارودانت، والتي استطاعت -برغم قلة الإمكانيات- بناء 3 مشاريع سكنية بسيطة لضحايا الزلزال في بعض دواوير تابعة إداريا للإقليم الملاصق لإقليم الحوز.
وعلى الرغم من أن الحوز كان هو بؤرة زلزال العام الماضي الذي بلغت شدته 7.2 درجات على مقياس ريختر، فإن قرى ومداشر الإقليم عانت من دمار شديد، علما أنه الإقليم الأكبر في المغرب من حيث عدد الجماعات الإدارية، وهو ما جعل عدد المتضررين أكبر من نظرائهم في إقليم الحوز.
“تاوجا”
“تاوجا” تعني بالأمازيغية “الأسرة”، وهو الاسم الذي اختارته جمعية “فاعل خير” -التي أسسها شباب عام 2012- لمشاريعها السكنية الثلاثة المخصصة لضحايا الزلزال، والتي نجحت في إنجازها هذا العام.
ويحكي لنا أسامة غويفردا -المشرف العام على مشروع تاوجا بالمناطق المتضررة من زلزال الحوز ونائب رئيسة مؤسسة فاعل خير- أن الاسم اختير ليعكس تلاحم الأسر في المناطق المتضررة والذي بدا واضحا بعد الزلزال، حيث تعززت الروابط بين أفراد العائلات في مواجهة تداعيات الزلزال المدمر.
وذلك فضلا عن أن المشاريع السكنية البسيطة بنيت بشكل يضمن تعزيز تلك العلاقات الجماعية بين سكان الدواوير (تجمعات سكانية) المعنية.
مشاريع نموذجية
يوضح غويفردا أن المشروع الأول يوجد بدوار توونة في جماعة أركانة واستفادت منه 50 أسرة، والثاني في آيت واعبدي بجماعة تافنغولت بشراكة مع مؤسسة إحياء الخيرية، واستفادت منه 30 أسرة، والثالث في دوار مسونة واستفادت منه 20 أسرة، وكلها دواوير (تجمعات سكانية) بإقليم تارودانت.
تلك المنازل المؤقتة مشيدة بجدران وسقوف مسبقة الصنع، عازلة للحرارة، ومجهزة بمطابخ صغيرة، وبأثاث مناسب، وبمراحيض خاصة للنساء والرجال، ومزودة بالماء الساخن الذي هو عملة عزيزة في تلك المناطق الجبلية النائية.
كما تضم أيضا قاعات مخصصة للنساء لممارسة أنشطة تعليمية وتقديم دروس محو الأمية، وأنشطة تجارية بسيطة مدرة للدخل، كالخياطة أو بيع منتجات محلية مثل زيت أركان.
إنارة بالطاقة الشمسية
وتلك المشاريع السكنية تضم أيضا مطبخا جماعيا يخصص للمناسبات التي تحتاج فيها العائلات لمكان أوسع للطبخ، ومساجد للصلاة مع أماكن مخصصة للنساء.
ومن التفاصيل المميزة بتلك المشاريع السكنية الثلاثة أنها مُنارة بشكل جيد، سواء تعلق الأمر بالساحات أو بالمنازل نفسها، وذلك اعتمادا على الطاقة الشمسية التي تجتهد جمعية “فاعل خير” على استغلالها بشكل جيد لتوفير متطلبات السكان من دون الحاجة لتكاليف باهظة.
أيضا تضم تلك المشاريع فضاءات صغيرة مخصصة للألعاب لكي يضمن الأطفال حقهم في اللعب ونسيان مأساة الزلزال المدمر.
تحديات
ويؤكد غويفردا أن سر نجاح مثل هذه المشاريع يمكن تلخيصه في كلمتين: الطاقم الشاب الذي يدير شؤون الجمعية، وتمويل المحسنين الذي يتم وفق الشروط القانونية التي تفرضها الدولة. وهذا النجاح يشكل بالنسبة للقرويين المتضررين حبل نجاة من مخالب البرد القارس الذي يغمر المنطقة في فصل الشتاء، وكذلك من الحرارة الخانقة التي لا ترحم في أيام الصيف اللاهبة.
وكما في إقليم الحوز، لا تزال بعض التحديات تواجه تنفيذ المشروع الحكومي لإسكان المتضررين من الزلزال، وخاصة ما تعلق بالدعم المقدم، والمقرر بـ80 ألف درهم (نحو 8 آلاف دولار) لمن أصيب بيته بضرر جزئي، و140 ألف درهم (نحو 14 ألف دولار) لمن هدم بيته بشكل كامل.
ويذكر لنا محدثنا أن الدفعة الأولى المقدرة بـ20 ألف درهم (نحو 2000 دولار)، لا تكفي بتاتا للانتهاء من بناء أساسات البيت وفق الشروط التقنية المقاومة للزلزال، علما أن السلطات تشترط الانتهاء منه لتقديم الدفعة الثانية بنفس المبلغ ثم الثالثة فالرابعة.
وما يزيد الوضع سوءا بالنسبة للقرويين هو الارتفاع الكبير في ثمن مواد البناء وخاصة الإسمنت والحديد، لينضاف إلى مصاريف النقل إلى أعلى الجبل، فضلا عن أجور عمال البناء والذين إن لم يكونوا من أهل القرية، فلابد من توفير أماكن للمبيت لهم إلى جانب مصاريف العمل والأكل والشرب، وهو ما يرهق جيوب القرويين.
متابعة مستمرة
ولا يترك الشباب -نساء ورجالا ممن يقفون خلف “فاعل خير”- أهالي المساكن النموذجية لمصيرهم بعد تسليمهم “منازلهم” المؤقتة، بل تستمر العلاقة معهم ما داموا يقطنون بتلك المنازل، حيث تضمن لهم الجمعية صيانة المنازل ومختلف المرافق الخدمية.
كما تبادر الجمعية بتنظيم مبادرات يحتاجها القرويون ومن بينها توزيع قفف أغذية في المناسبات الدينية وبينها رمضان الكريم، وتوفير أضاحي العيد، وذلك إلى جانب توفير محافظ وكتب ودفاتر للتلاميذ، وذلك إلى جانب تنظيم مخيم صيفي للأطفال ولو لبضعة أيام.
ولا تعد مشاريع إسكان ضحايا الزلزال في منازل مصنعة مؤقتة المشاريع الوحيدة التي تستغرق عمل “فاعل خير”، بل إن مشاريعهم الخيرية المقدمة للقرويين تحديدا كثيرة.
ولا تنفك ترى أسامة غويفردا ومن معه يعلنون في مختلف منصات التواصل الاجتماعي عن مبادرات خيرية فاتحين الباب أمام من يريد المساهمة في رسم ابتسامة على وجوه متعبة لتلاميذ يريدون فقط أن يعيشوا حياة طبيعية كباقي الأطفال.