“إسرائيل تخاطر باستبدال نصر تكتيكي بهزيمة إستراتيجية”، هذا أخطر تحذير وجهه أعلى مسؤول عسكري في الإدارة الأميركية ممثلا في وزير الدفاع لويد أوستن، لحكومة بنيامين نتنياهو.
ويناقش تحليل لوكالة الأناضول، مفاهيم النصر والهزيمة، مستشهدا بتجربة الولايات المتحدة في فيتنام وأفغانستان.
وكان وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن قال إن الولايات المتحدة لن تسمح لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالانتصار، وحذر إسرائيل من هزيمة إستراتيجية إذا لم تلتزم بحماية المدنيين في قطاع غزة.
وخلال خطاب له أمام منتدى ريغان الدفاعي في ولاية كاليفورنيا أوائل شهر ديسمبر/كانون الأول الجاري، قال أوستن إن الدروس المستقاة من الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية هي أنه لا يمكن الانتصار بحرب المدن من دون حماية المدنيين، وحذر من هزيمة إستراتيجية إذا لم تلتزم إسرائيل بحماية المدنيين في غزة.
وقال “لا يمكن الانتصار بحرب المدن إلا من خلال حماية المدنيين. لأنه في هذا النوع من الحروب نقطة الارتكاز هي السكان المدنيون. وإذا دفعتهم إلى أحضان العدو، فإنك تستبدل النصر التكتيكي بهزيمة إستراتيجية. لذا، أوضحت مرارا للقادة الإسرائيليين أن حماية المدنيين الفلسطينيين في غزة هي مسؤولية أخلاقية وحتمية إستراتيجية”.
وأشار الوزير الأميركي إلى أنه حث بشكل شخصي القادة الإسرائيليين على تجنب وقوع قتلى وجرحى من المدنيين والكف عن “الخطاب غير المسؤول” ومنع عنف المستوطنين في الضفة الغربية، وأكد أنه حث أيضا على توسيع نطاق دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة بشكل كبير، مضيفا أنه يتوقع توصيل مزيد من المساعدات “خلال الأيام المقبلة”.
النصر الإستراتيجي
ويقول تحليل وكالة الأناضول إن “النصر الإستراتيجي لا يقاس بعدد القتلى والجرحى والأسرى في صفوف الأعداء، ولكن معروف منذ القدم، أنه كسر إرادة عدوك، إلى الدرجة التي ييأس فيها من تحقيق النصر عليك”.
ويضيف التحليل أنه عندما تجبر عدوك على الاستسلام دون أن تطلق رصاصة واحدة أو تسقط ضحية واحدة تكون حققت نصرا إستراتيجيا، أما إن ظل عدوك يقاوم رغم فارق القوة، والفجوة في عدد الضحايا، فإن الحرب تصبح معركة إرادات، ومن يملك النفس الأطول، والقدرة على التحمل، ووحدة الجبهة الداخلية وعدم انقسامها هو من سيحقق النصر الإستراتيجي.
ويؤكد أنه عادة ما يكون لأصحاب الأرض الكلمة الأخيرة في أي صراع مع الاحتلال الأجنبي، لأن التمسك بالأرض هو الخيار الأخير لأي شعب، والتخلي عنه يعني الإبادة والتهجير والفناء كأمة واحدة، والذوبان في شعوب أخرى، أما الغزاة فسيعودون من حيث أتوا.
فيتنام
ويقول كاتب التحليل إن أحد أمثلة الحروب التي تنتصر فيها تكتيكيا وتخسرها إستراتيجيا، هي حرب فيتنام، والتي دخلتها الولايات المتحدة في 1964 لقتال ثوار الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام الشيوعية، المعروفة بـفيت كونغ والمدعومين من جيش فيتنام الشمالية بقيادة هوشي منه، بهدف منع تمدد الشيوعية إلى الجزء الجنوبي من البلاد، والتي كانت مقسمة إلى شطرين.
وألقت الولايات المتحدة بثقلها في هذه الحرب. ورغم أن أعداد الجنود الأميركيين في فيتنام كانت تتضاعف حتى بلغ إجمالي عدد الذين تم إرسالهم إلى الحرب منذ بدايتها في 1964 حتى نهايتها في 1973 نحو 2.7 مليون جندي، فإن ذلك لم يجبر مقاتلي الفيت كونغ على الاستسلام.
استخدم الجيش الأميركي أسلحة محرمة دوليا وقاذفات ثقيلة وقنابل ذات دمار واسع، وتسببت الحرب في مقتل أكثر من مليون فيتنامي، مقارنة بنحو 58 ألف أميركي، بالإضافة إلى 304 آلاف جريح.
ورغم أن خسائر الفيتناميين كانت أكبر بكثير من خسائر الأميركيين بشريا وماديا، فإن الولايات المتحدة اضطرت للانسحاب من فيتنام بدل الاستمرار في حرب استنزاف بلا أفق للنصر، خاصة وأن الرأي العام الأميركي بدأ ينقلب على حكومته، مع تزايد أعداد القتلى الأميركيين، وفقا للتحليل.
أفغانستان
وقال التحليل إن الولايات المتحدة واجهت طالبان واستطاعت إسقاط دولتها في فترة وجيزة عام 2001، لكنها بعد 20 عاما اضطر الجيش الأميركي إلى الانسحاب.
وأضاف أنه كما احتمى المقاتلون الشيوعيون في فيتنام الجنوبية بشبكات الأنفاق تحت الأرض من قنابل القاذفات الأميركية الثقيلة، لجأ مقاتلو طالبان إلى الكهوف والمغارات في الجبال.
القتل العشوائي
ويؤكد التحليل أن القتل العشوائي للمدنيين يجعل من الثوار في نظر شعوبهم أبطالا للحرية، ويوفر لهم ذلك الدعم اللوجيستي والبشري، و”هذا الدرس الذي تعلمته واشنطن، ويرغب وزير الدفاع الأميركي تبليغه للإسرائيليين”.
ويقول التحليل إن “قتل الجيش الإسرائيلي لنحو 16 ألف فلسطيني، لن يقضي على حماس (وهذا الهدف الرئيسي الذي وضعه للحرب)، مثلما لم يقض الجيش الأميركي على الفيت كونغ في فيتنام أو طالبان في أفغانستان”.
ويؤكد أن “مجازر الجيش الإسرائيلي ستجعل الشعب الفلسطيني يلتف أكثر حول حماس، وبدل القضاء عليها سيمنحها شرعية وشعبية أكبر، وهذه هي الهزيمة الإستراتيجية”.
تحول الرأي العام العالمي
ويرى كاتبو التحليل أن القتل الواسع والهمجي للمدنيين، وخاصة الأطفال منهم، الذي يرتكبه الجيش الإسرائيلي في حربه على قطاع غزة، يؤثر بشكل عميق في تحول قطاع من الرأي العام العالمي من التعاطف مع إسرائيل، إلى التنديد بجرائمها.
ويظهر ذلك في تصاعد المظاهرات في مدن العالم ضد المجازر الإسرائيلية، وتزايد انتقادات المنظمات الأممية لإسرائيل.
ويؤكد التحليل أن “إسرائيل لا تخسر فقط معركة الرأي العام العالمي، ولكنها تخسر أيضا المعركة الأخلاقية، ورغم محاولتها بكل الطرق تشويه حركة حماس، فإن طريقة وداع الأسرى الإسرائيليين لعناصر الحركة بالكثير من الود والمحبة والاحترام، أكدت زيف تلك الاتهامات”.
ويرى التحليل أن احتفاظ حركة حماس بورقة الأسرى العسكريين في إطار رؤيتها لنهاية الحرب “الكل مقابل الكل”، فإن ذلك قسم المجتمع الإسرائيلي بين مطالب بتحرير الأسرى ودفع الثمن بإطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين، وبين متشدد بضرورة استمرار الحرب والقصف حتى ولو أدى ذلك لمقتل الأسرى الإسرائيليين.
وبغض النظر عن الكفة التي ستميل إليها إسرائيل، إلا أن ذلك من شأنه أن يعمق الشرخ والانقسام بين أفراد مجتمعها حتى بعد انتهاء الحرب، مما سيضعفها أكثر، ويفقدها الهيبة والرهبة في محيطها الإقليمي، وبالتالي افتقادها لـقوة الردع، وهو ما يمثل أخطر أنواع الهزيمة الإستراتيجية.