“تركنا في الصحراء لنموت عطشا وجوعا، بعد أن تم الاعتداء علينا بالضرب”، كان هذا جزءا من شهادات متطابقة لمهاجرين من أفريقيا غرب الصحراء، قالوا إن السلطات التونسية أبعدتهم باتجاه الحدود الليبية.
وتداولت وسائل إعلام ومنصات على مواقع التواصل الاجتماعي عددا من الشهادات الصادمة التي توثّق تعرض مئات المهاجرين لعدة انتهاكات، في حين عرضت تقارير تلفزيونية تقطع السبل بعدد منهم بمناطق صحراوية على الحدود وسط درجات حرارة قياسية.
وأظهر مقطع فيديو صوره مكتب الإعلام الأمني بالداخلية الليبية عشرات المهاجرين الأفارقة، بينهم نساء وأطفال، في منطقة صحراوية خالية قال بعضهم إنهم تركوا دون ماء أو غذاء.
كما أظهر الفيديو نقل المهاجرين من الصحراء لأحد المراكز الليبية وخضوعهم لعمليات رعاية صحية من قبل أطباء تابعين لمنظمة الهجرة الدولية.
شهادات ومأساة
وفي الفيديو تحدث أحد الأطباء في المنظمة قائلا إنهم حضروا بناء على بلاغ من حرس الحدود الليبي يفيد بوجود عدد من المهاجرين في الصحراء المشتركة بين ليبيا وتونس، وقد أنقذهم حرس الحدود الليبي.
ونقل الطبيب المتحدث عن بعض المهاجرين تأكيدهم أن إصاباتهم التي تم علاجها هي نتيجة عمليات ضرب تعرضوا لها في تونس.
كما تحدث في الفيديو أحد المهاجرين واسمه عيسى من النيجر قائلا إنه كان يقيم في تونس، مؤكدا اعتداء عناصر أمن تونسيين عليهم واقتيادهم نحو الصحراء، ومطالبتهم بعبور الحدود الليبية.
كما وثّقت صفحة “المكتب الإعلامي اللواء 19 حرس حدود-شعبة الاحتياط” التابعة لحرس الحدود الليبي، عملية مساعدة عدد من المهاجرين في الصحراء، ووصفت الوضع بالمأساوي، وقالت إن أعدادا كبيرة من المهاجرين يدخلون الحدود الليبية قادمين من تونس، وعدد منهم يقضي أياما في الصحراء دون أكل ولا شرب، وبعضهم لقي حتفه بسبب ذلك.
📹 السلطات الليبية تنقذ مهاجرين في الصحراء قرب الحدود مع #تونس#فرانس_برس #ليبيا pic.twitter.com/B7XXiKn8C8
— فرانس برس بالعربية (@AFPar) July 17, 2023
إنهاك وإحباط
ونشرت وكالة الصحافة الفرنسية على صفحتها الرسمية بتويتر، مقطع فيديو بعنوان “السلطات الليبية تنقذ مهاجرين في الصحراء قرب الحدود”.
وفي الفيديو يظهر مهاجرون بحالة انهيار جراء السير لأيام في الصحراء، حيث أكد عدد منهم أنهم تركوا في مناطق حدودية نائية دون ماء ولا طعام ولا مأوى.
وفي شهادته يقول “أبو” وهو مهاجر من ساحل العاج، إن الشرطة التونسية ألقت القبض عليه وزوجته وطلبوا أوراقهما الثبوتية، وبعد الاطلاع عليها أخذوهما ومهاجرين آخرين في شاحنة.
وتابع: “لقد أعلمونا أنهم سوف يأخذوننا نحو الحدود الليبية لأنهم ليسوا بحاجة لنا في تونس، وبمجرد وصولنا إلى الحدود أجربنا على الجلوس وتم الاعتداء علينا بالضرب”.
ويضيف “أبو”: “لقد ضربوني في كل مكان، وقالوا لي إنهم سيقتلونني لأنني أسود”.
وصوّر صحافيو وكالة الصحافة الفرنسية مجموعات من الشبان وبعض النساء منهكين وعطشى، جالسين أو مستلقين على الرمال، يحاولون الاحتماء تحت شجيرات قليلة وسط درجات حرارة شديدة.
مهاجر #سوداني يروي ما تعرّض له رفقة مهاجرين آخرين على يد الشرطة #التونسية التي حرقت #جوازاتهم ورمتهم في الصحراء قرب الحدود #الليبية وأمرتهم بالتوجه إليها دون تزويدهم بأي مياه#ليبيا #تونس #صفاقس
— ﮼أفريقيا،السوداء (@Black__12Women) July 17, 2023
أوضاع صعبة
وخلال الأسبوعين الماضيين عانى مهاجرون أفارقة غير نظاميين أوضاعا إنسانية صعبة على الحدود التونسية الليبية، وذلك بعد طردهم من منازلهم عقب اشتباكات بينهم وبين مواطنين تونسيين بولاية صفاقس (جنوب) على خلفية مقتل شاب تونسي في الثالث من الشهر الجاري.
وفي 11 يوليو/تموز الجاري، شرعت السلطات التونسية في نقل نحو 400 من المهاجرين الأفارقة الموجودين على الخط الفاصل مع ليبيا إلى مراكز إيواء داخل ولايتي مدنين وتطاوين الجنوبيتين، وفق ناشطين حقوقيين وإعلام محلي.
ويوم أمس أعلنت الحكومة الليبية ومنظمات دولية أنه تم إنقاذ نحو 200 مهاجر من الصحراء على الحدود مع تونس.
من جانبها، قالت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة إنها قدمت الرعاية إلى 191 شخصا، مضيفة أن عمال الإغاثة التابعين للمنظمة وحرس الحدود الليبي قدموا لهم الطعام والملبس والمأوى المؤقت.
أما الفرع الليبي للمنظمة العربية لحقوق الإنسان ومقرّه في القاهرة، فقد أفاد بإنقاذ نحو 360 مهاجرا من دول جنوب الصحراء، معلنا ترحيبه باستقبال ليبيا لهؤلاء المهاجرين الذين “مرّوا بأوضاع إنسانية صعبة” قبل أن “ينقذهم حرس الحدود الليبي”.
مذكرة وتنديد
يشار إلى أن تونس وقّعت الأحد على مذكرة تفاهم مع الاتحاد الأوروبي لإرساء “شراكة إستراتيجية” تشمل دعما بقيمة 105 ملايين يورو لمكافحة الهجرة غير النظامية.
وتنصّ المذكرة على “تطوير نظام لتحديد وإعادة المهاجرين غير الشرعيين الموجودين بالفعل في تونس إلى بلدانهم الأصلية”.
وتعليقاً على هذه المذكرة، قالت المسؤولة في منظمة العفو الدولية “أمنستي” إيف غيدي إن هذا “اتفاق غير حكيم، تم توقيعه رغم تزايد الأدلة على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من قبل السلطات” التونسية.
وأضافت أن الاتفاق “سيؤدي إلى توسع خطر لسياسات الهجرة الفاشلة أصلا وهو يشير إلى قبول الاتحاد الأوروبي بالسلوك القمعي المتزايد من قبل الرئيس والحكومة التونسيين”.