تعاني مناطق مختلفة في العالم تداعيات متباينة لارتفاع درجات الحرارة، إذ خلفت فيضانات غير مسبوقة عشرات القتلى في سلوفينيا والصين، وفي وقت تكافح فيه فرق الإنقاذ لإطفاء حرائق الغابات في كندا والبرتغال، أعلنت ولاية ألاسكا الأميركية حالة “الطوارئ” إثر انهيار سد جليدي.
وسُجلت ظواهر جوية قصوى وموجات قيظ مطوّلة طالت ملايين الأشخاص عبر العالم خلال الأسابيع الماضية، في وقت يؤكد فيه العلماء أن هذه الظواهر الطبيعية تفاقمت بسبب التغير المناخي.
وفي الصين، لقي 14 شخصا حتفهم خلال مطلع الأسبوع في مدينة شولان الصينية بسبب الفيضانات الناجمة عن الإعصار دوكسوري.
ويشهد شمال شرق الصين وبكين وإقليم خبي سقوط أمطار غزيرة وفيضانات منذ وصول الإعصار دوكسوري للبر في إقليم فوجيان الجنوبي قبل أسبوعين.
وتأتي الوفيات المسجلة في شولان في إقليم جيلين شمال شرقي البلاد بعد مقتل أكثر من 20 الأسبوع الماضي في بكين وخبي. ولم تعلن السلطات حتى الآن حصيلة الوفيات في أنحاء البلاد.
وكان 3 من المسؤولين ضمن القتلى في شولان، منهم نائب رئيس البلدية بالمدينة، وفقا لما أعلنته وسائل إعلام رسمية أمس الأحد.
وقالت السلطات المحلية إن المياه في بعض قطاعات نهر سونغهوا (النهر الرئيسي في شمال شرق الصين) ورافد نينغيانغ لا تزال في مستويات مرتفعة على نحو خطير.
وذكر التلفزيون المركزي (سي سي تي في) أن الجهود مستمرة لإعادة الكهرباء في أقاليم جيلين وهيلونغجيانغ ولياونينغ في شمال شرق الصين.
فيضانات أوروبا
وفي أوروبا، ارتفعت حصيلة الفيضانات غير المسبوقة في سلوفينيا إلى 6 قتلى، في وقت استمرت فيه عمليات التنظيف بمساعدة دول أوروبية، وفق ما أفادت به الشرطة اليوم الاثنين.
وأغرقت أمطار غزيرة منذ الخميس قسما كبيرا من وسط البلاد وشمال شرقها، في “أسوأ كارثة طبيعية” منذ استقلال سلوفينيا عام 1991، حسب قول رئيس الوزراء روبرت غولوب.
وفي النمسا، توفيت امرأة بعد سقوطها في نهر غلان، الذي غمرته المياه في قرية زولفيلد جنوبي البلاد، حسب شهود عيان، وتم العثور على جثتها في وقت لاحق.
ويثير القلق كذلك ارتفاع منسوب المياه على طول نهر مورا المعروف أيضا باسم مور -الذي يبلغ طوله نحو 450 كيلومترا- وهو نهر يتشكل في النمسا قبل أن يتدفق إلى سلوفينيا.
وتشهد أوروبا منذ أيام أمطارا غزيرة أدت إلى حدوث فيضانات أحدثت أضرارا كبيرة، وأجبرت السلطات على إجراء عمليات إجلاء في سلوفينيا والنمسا وبولندا وكرواتيا.
حرائق في البرتغال وكندا
وفي البرتغال، يحاول أكثر من ألف من عناصر الإطفاء -أمس الأحد- مكافحة حريق غابات وسط البرتغال، حيث حذر مسؤولون من أن آلاف الهكتارات معرضة للخطر مع ارتفاع درجات الحرارة في جميع أنحاء البلاد.
واحترقت نحو 7 آلاف هكتار بالقرب من كاستيلو برانكو، حسب ما أعلن قائد عملية مكافحة الحرائق خوسيه جولهيرمي للصحفيين في بورينسا نوفا، لكنه حذر من أن “الخطر المحتمل لهذا الحريق يقدر بأكثر من 20 ألف هكتار”.
وأضاف أن “هذه منطقة واسعة للغاية تضم عديدا من المنازل والقرى المعزولة”، مشيرا إلى أن لهيب الحريق امتد لنحو 60 كيلومترا.
وتقف البرتغال، التي عانت موجة حر مبكرة بشكل استثنائي في الربيع، على الخط الأمامي في مواجهة تغيّر المناخ وعواقبه.
وفي كندا، عاود أفراد من سكان منطقة لايتون الفرار من منازلهم وسط اندلاع حرائق غير مسبوقة في مقاطعة “كولومبيا البريطانية”.
وأمرت السلطات الكندية نحو 800 ساكن في هذه المقاطعة بمغادرة منازلهم.
وقال نياكيا هانا مسؤول المنطقة -لوكالة رويترز- إنه بحلول أمس الأحد اندلع الحريق الذي خرج عن السيطرة على بعد 300 متر من إحدى المحميات وامتد على منحدر حاد، مما أعاق جهود مكافحة الحريق.
وتشهد كندا موسما غير مسبوق من اندلاع حرائق الغابات، مما أسفر عن اشتعال مساحة تزيد عن 100 ألف كيلومتر مربع قابلة للزيادة، وهو ما يقدر بـ4 أمثال متوسط المساحة التي تندلع فيها النيران خلال موسم حرائق الغابات.
إنذار في إسبانيا واليونان
في إسبانيا، تمّ وضع مقاطعات الأندلس (جنوبا) وكاستيلا لا مانشا (وسط) وإكستريمادورا (غربا) في حالة إنذار برتقالي، حيث وصلت الحرارة إلى 43 درجة مئوية اليوم الاثنين، وفقا لوكالة الأرصاد الجوية الوطنية.
وتأتي هذه الموجة الحارة الجديدة في أعقاب نهاية أسبوع صعبة بالنسبة لرجال الإطفاء الإسبان، الذين كافحوا الحرائق على 3 جبهات.
وفي كتالونيا (شمال شرق) على ساحل البحر المتوسط على الحدود مع فرنسا، أعلن رجال الإطفاء صباح الاثنين أنهم “سيطروا” على حريق اندلع الجمعة وأتى على نحو 600 هكتار.
أمّا الحريقان الآخران اللذان باتا تحت السيطرة، فقد طال أحدهما نحو 450 هكتارا في محافظة ولبة يومي السبت والأحد، والآخر اندلع على بعد أقل من 10 كيلومترات من مدينة قادس بعد ظهر الأحد.
وقد احترق أكثر من 70 ألف هكتار في إسبانيا منذ بداية العام، وهو رقم لا يزال بعيدا من الرقم القياسي للعام 2022 الذي شهد القضاء على أكثر من 300 ألف هكتار، وفقا لنظام معلومات حرائق الغابات الأوروبي (إيفيس).
ولم يختلف الوضع في اليونان، فقد حذرت السلطات اليوم الاثنين مجددا من احتمال اندلاع حرائق ودعت المواطنين إلى توخي الحذر مع النيران المشتعلة والشرر.
وقالت فرقة الإطفاء -في تغريدة- إن هناك خطرا “مرتفعا للغاية” من اندلاع حرائق في منطقة اتيكا حول العاصمة أثينا، وكذلك في جنوب شبه جزيرة بيلوبونيز وفي غرب جزيرة كريت، وذلك بسبب الرياح العاتية التي من المتوقع أن تضرب أجزاء كثيرة في البلاد الأسبوع الجاري.
طوارئ في ألاسكا
وفي الولايات المتحدة، أعلنت ولاية ألاسكا حالة الطوارئ إثر انهيار سد جليدي، في حين باشرت السلطات عمليات إجلاء لسكان المنطقة.
ونقل إعلام محلي عن مسؤولين بالولاية قولهم إن فيضانات الأنهار التي حطمت الرقم القياسي دمّرت مبنيين على الأقل بمنطقة جونو في ألاسكا.
كما أعلن مسؤولو المدينة حالة الطوارئ المحلية، حيث تسببت الفيضانات في عدم استقرار ضفاف نهر مندنهال وسدّ بعض الطرق بالطين والحطام.
أطفال آسيا
وفي سياق متصل، حذرت الأمم المتحدة الاثنين من أن 3 أرباع الأطفال في جنوب آسيا يواجهون خطر ارتفاع درجات الحرارة الأعلى في جميع أنحاء العالم، مع تزايد تأثير تغير المناخ.
وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة إن حوالي 460 مليون طفل يتعرضون لحرارة شديدة في جنوب آسيا أو 76% من الأطفال مقارنة بثلث الأطفال على مستوى العالم.
واعلن المدير الإقليمي لليونيسف لجنوب آسيا سانجاي ويجيسكيرا أنه “مع ارتفاع درجات الحرارة على مستوى العالم، تظهر البيانات بوضوح أن تهديد حياة ورفاهية ملايين الأطفال في جميع أنحاء جنوب آسيا يزداد حدة جراء موجات الحر وارتفاع درجات الحرارة”.
وحذرت الأمم المتحدة من أن الأطفال في أفغانستان وبنغلاديش والهند وجزر المالديف وباكستان يواجهون “مخاطر عالية للغاية” جراء آثار تغير المناخ، مع حرارة مرتفعة للغاية خلال 83 يوما أو أكثر في السنة تتجاوز 35 درجة مئوية.
ولا يستطيع الأطفال التكيف بسرعة مع تغير درجات الحرارة ولا التخلص من الحرارة الزائدة في أجسامهم.
وارتفعت حرارة الأرض 1,2 درجة مئوية منذ أواخر القرن التاسع عشر نتيجة حرق الوقود الأحفوري، مما جعل موجات الحرارة أكثر سخونة لفترات أطول وبوتيرة أكبر فضلا عن تكثيف العوامل القصوى في تقلب الطقس كالعواصف والأمطار الغزيرة.
وكان يوليو/تموز الماضي الأكثر سخونة على الإطلاق على مستوى العالم، إذ ارتفعت درجات الحرارة بشكل كبير بسبب ظاهرة الاحتباس التي أثرت على الملايين في أجزاء من أوروبا وآسيا وأميركا الشمالية.
ويقول العلماء إن العالم سيحتاج إلى التأقلم مع الحرارة والآثار الأخرى الناجمة عن الانبعاثات، وأنه لا بد من خفض تلوث الكربون بشكل كبير خلال هذا العقد لتجنب ما هو أسوأ في المستقبل.