لافتة براقة للتغيير
إضافة إلى الشكوك والهواجس التي خلفتها الأزمات الدولية القديمة والطارئة في المنظومة الدولية القائمة، فإن مجموعة بريكس بشكلها الحالي تتمتع بعوامل قوة كثيرة، مثلت عاملا جاذبا لدول الجنوب والدول النامية.
فدول بريكس المؤسِّسة لا تنتمي إلى “دائرة الحضارة الغربية المهيمنة”، بل تشكل مزيجا من حضارات مختلفة وضاربة في التاريخ، ولديها عوامل مستقبل واعد.
وتضم بريكس بشكلها الحالي أكثر من 45% من سكان العالم (3.25 مليارات نسمة) و 33.9% من إجمالي مساحة اليابسة، ويبلغ حجم اقتصاد المجموعة 29 تريليون دولار، بما يمثل حوالي 29% من حجم الاقتصاد العالمي. وبحسب بيانات البنك الدولي أضافت الدول الخمس الجديدة 3.24 تريليونات دولار إلى اقتصادات المجموعة.
يمثل حجم الناتج المحلي الإجمالي لمجموعة “بريكس” بناء على معيار تعادل القوة الشرائية نسبة 36.7% من الاقتصاد العالمي، وتشكل حوالي 16% من التجارة العالمية، حيث يساهم التكتل بحوالي 16% من حركة الصادرات، و15% من واردات العالم من السلع والخدمات، حسب بيانات صندوق النقد الدولي.
كما يقدر إجمالي الاحتياطي النقدي الأجنبي المشترك للمجموعة بأكثر من 4 تريليونات دولار. وتسيطر المجموعة -بعد انضمام السعودية والإمارات وإيران- على 80% من إنتاج النفط العالمي، وعلى 38% من إنتاج الغاز و67% من إنتاج الفحم في السوق العالمية.
كما تتحكم مجموعة بريكس في أكثر من 50% من احتياطي الذهب والعملات، وتنتج أكثر من 30% مما يحتاجه العالم من السلع والمنتجات بقيادة الصين والهند.
وتعد اقتصادات دول بريكس مكملة لبعضها (الغاز والنفط والمعادن والتكنولوجيا والكفاءات البشرية والثروات الزراعية والإمكانات العسكرية)، وباتت المجموعة تمتلك بنكا للتنمية وصندوق احتياطات نقدية مغريًا للدول النامية التي تحتاج مساعدات وقروضا.
يشكل وجود الصين وروسيا ضمن المجموعة أيضا عنصر جذب، حيث أصبحت الصين قطبا دوليا على الصعيد الاقتصادي والتكنولوجي والعسكري، في حين تمثل روسيا قوة عسكرية ومصدرا أساسيا للسلاح.
وبشكل عام، يشهد العالم تحولا متسارعا في ميزان القوى الاقتصادية، الذي تأسس منذ عقود على مركزية نفوذ مجموعة السبع بقيادة الولايات المتحدة، ويمكن أن يؤدي توسع مجموعة بريكس أكثر إلى زيادة وزنها الاقتصادي ونفوذها الجيوسياسي بشكل كبير، مما يعزز دورها على الساحة العالمية.
وبشكل عام يمكن اختصار العوامل المباشرة وغير المباشرة التي أدت إلى النزوع للانضمام إلى مجموعة بريكس كالتالي:
- تعرض النظام العالمي الراهن بشقيه السياسي والاقتصادي إلى هزّات متتالية.
- تضرر الكثير من الدول النامية من سلاح العقوبات الاقتصادية الغربية.
- اهتزاز الثقة في المؤسسات المالية الغربية وشروطها القاسية.
- العالم منذ تفكك الاتحاد السوفياتي يبحث عن توازن ومنظومة دولية أكثر عدالة.
- أزمة الدين الأميركي برهنت على أن الاقتصاد الأميركي لم يعد بوصلة نجاح اقتصادية يحتذى بها.
- النظام السياسي الأميركي نفسه في السنوات الأخيرة لم يعد نموذجا سياسيا مثاليا.
- لم تعد قيادة العالم معقودة للولايات المتحدة والغرب تكنولوجيا واقتصاديا.
- صعود قوى اقتصادية وتكنولوجية وعسكرية جديدة وعلى رأسها الصين.
- منحت مجموعة بريكس بتنوعها وقوتها أملا في إقامة نظام دولي جديد وأكثر توازنا.
- رأت الكثير من الدول أن صندوق النقد والبنك الدوليين أدوات هيمنة وتحكم.
- لم يعد الاعتماد على الولايات المتحدة سياسة فعالة ومأمونة بالنسبة للكثير من الدول.
- البلدان المؤسسة لمجموعة بريكس تنتمي إلى منظومة الجنوب وليس لها ماض استعماري.
- تبحث الدول النامية عن فضاء أفضل وأكثر صدقية وشفافية لتمويل برامجها الاقتصادية والتنموية.
وقد أنشأت دول بريكس في قمة عام 2014 مجموعة من المؤسسات المالية، بينها “بنك التنمية الجديد” برأس مال مبدئي قدره 50 مليار دولار بغاية الوصول إلى 100 مليار دولار ومقره بمدينة شنغهاي الصينية، كما أسست “صندوق الاحتياط النقدي”؛ يتضمن احتياطات نقدية طارئة بقيمة 100 مليار دولار تدعم الدول التي تعمل على سداد ديونها.
بشكل عام، باتت مجموعة بريكس بديلا بعد أن بات واضحا للكثير من الدول الفقيرة والنامية تصدُّع النظام العالمي الأحادي القطبية والمنظومة الدولية التي بني عليها بعد الحرب العالمية الثانية ومحورها الغرب بقيادة الولايات المتحدة اقتصاديا وماليا، عبر نظام “بريتون وودز” بمؤسساته المالية والنقدية، أو عصر التفوق الأميركي والغربي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي.