من جديد، بدأ سكان مدينة ومخيم جنين شمالي الضفة الغربية المحتلة إعادة تأهيل شوارع ومنازل دمرتها آليات إسرائيلية خلال عملية عسكرية هي الـ72، منذ بدء الحرب على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وهذه الحال تتكرر في جنين مع انتهاء كل عملية عسكرية، إذ يخرج السكان ليتفقدوا بعضهم البعض، ويواسوا أسر الشهداء ويشيعون جثامينهم، ويتكاتفون لإعادة تأهيل ما يمكن تأهليه.
وفجر اليوم الخميس، انسحب الجيش الإسرائيلي من مدينة جنين ومخيمها بعد عملية عسكرية جديدة استمرت نحو 48 ساعة.
وحسب وزارة الصحة الفلسطينية، فإن حصيلة العدوان الإسرائيلي على مدينة جنين ومخيمها بلغت 12 شهيدا، بينهم 4 أطفال، فيما أُصيب 25 بجروح متفاوتة.
وفي موكب جنائزي مهيب شارك فيه آلاف الفلسطينيين، شيعت مدينة جنين ومخيمها شهداء العدوان الإسرائيلي.
وشارك مقاتلون من مختلف الفصائل الفلسطينية في تشييع الجثامين الذي انطلق من أمام مستشفى خليل سليمان الحكومي، وجاب شوارع عدة، قبل أن توارى الجثامين الثرى في مقابر المدينة ومخيمها.
دمار كبير
وقال رئيس اللجنة الشعبية بمخيم جنين محمد الصباغ إن العملية العسكرية الـ72 منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي خلفت دمارا كبيرا في البنية التحتية والمنازل.
وأوضح أن الجيش دمر 7 منازل بشكل كامل، والمئات بصورة جزئية، وقد بدأت إعادة تأهيل الشوارع منذ الساعات الأولى من فجر الخميس.
وشدد الصباغ على أن البنية التحتية متهالكة في المخيم؛ جراء تصاعد الاقتحامات التي ترافقها أعمال تجريف وتخريب.
ومنذ ساعات الصباح الأولى، بدت شوارع المخيم نشطة، وعادت عشرات العائلات إلى منازلها، بعد أن أجبرتها القوات الإسرائيلية على النزوح.
شهادات عن العدوان
وروى الفلسطيني نسيم أسود (60 عاما) مشاهد من الاقتحام والترهيب، قائلا “قام الجيش الإسرائيلي بتفجير المدخل الرئيسي للمنزل، ومن ثم المدخل الداخلي، وأدخل طائرة مسيرة، وعندما تأكد أننا مدنيون، ولا وجود لأي مسلح، طلب منا الخروج من المنزل”.
وأضاف “تم أسر ابني البكر البالغ من العمر 17 عاما، واستخدامه كدرع بشري، وأُجبر على دخول عدد من المنازل في المخيم تحت تهديد السلاح”.
وشدد على أن الجيش الإسرائيلي خلف دمارا في المخيم، ولا يوجد بيت لم ينله نصيبه من التدمير، “فما يجري عبارة عن تنكيل وتخريب وهدم”.
بدوره، قال محمد حجير، والد الشهيد الطفل أسامة “تم قتل ابني بينما كان على دراجة نارية في طريقه للعمل”.
وقبيل تشييع جثمان نجله، أضاف حجير “قتلوه دون ذنب ولم يكن مسلحا، بل كان طفلا مدنيا قُتل بدم بارد”.
وتابع “الجيش دخل المخيم بقصد القتل، تم إطلاق النار على كل مَن تحرك في اللحظات الأولى للاقتحام، قتلوا المعلم والطبيب والطفل والمدني”. وشدد على أن جيش الاحتلال يريد تهجير السكان وترك المخيم.
صامدون رغم الرصاص
في الشارع العام وسط المخيم، يجلس العجوز الفلسطيني محمد زرعين على كرسي يراقب أعمال إعادة تأهيل الشوارع.
وقال زرعين “في كل مرة يقتحم الجيش الإسرائيلي المخيم يدمر كل شيء، يريدون أن يمل السكان من هذه الحياة والعيش في المخيم، لكنهم لن يستطيعوا كسر صمودنا”.
وأردف “تم اقتحام بيتي من قِبل الجيش الإسرائيلي وتفتيشه والتدقيق بالبطاقات الشخصية”.
وتابع “عشنا يومين تحت الرصاص والعمليات العسكرية التي يرافقها تدمير وتخريب واعتقال وقتل، في كل مرة نفقد ثلة من شبابنا”.
وتوصف مدينة جنين بأنها عصية على الاحتلال، لا سيما مخيمها، الذي أضحى رمزا للصمود ويتعرض لعمليات عسكرية مستمرة في محاولة للقضاء على المقاومة فيه.
ويتواجد في جنين مقاتلون من حركتي الجهاد الإسلامي وحماس وفصائل أخرى، وأمس الأربعاء، قال جيش الاحتلال الإسرائيلي، إنه يواجه مقاومة في جنين شبيهة في قوتها بتلك التي يواجهها في قطاع غزة.
وباستشهاد 12 فلسطينيا في الاقتحام الأخير لجنين ومخيمها ارتفع عدد الشهداء في الضفة، بما فيها القدس المحتلة، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى 517، بالإضافة إلى إصابة حوالي 5 آلاف واعتقال 8 آلاف و840، حسب بيانات رسمية فلسطينية.
ويستمر التصعيد في الضفة بموازاة حرب إسرائيلية على غزة خلفت أكثر من 115 ألفا بين شهيدا وجريح، معظمهم أطفال ونساء، ونحو 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين.