26/6/2025–|آخر تحديث: 14:10 (توقيت مكة)
غزة – الجزيرة نت
بينما كانت صرخات ابنته المريضة تملأ الخيمة، خرج حازم جودة بحثا عن حفاضات وطيف من الكرامة المهدورة، لم يكن يعلم أن غيابه القصير عن أسرته سينتهي بانفجار يغير ملامح وجهه، ويتركه حيّا بجسد محطم وروح معلّقة بين الأمس واليأس.
“صُدمت عندما نظرت مصادفة في مرآة المشفى، ووجدت نفسي فاقدا لربع جمجمتي، لم أتعرف على وجهي، شعرت وكأنني شخص آخر تماما”.
بهذه الكلمات المؤلمة بدأ حازم جودة، البالغ من العمر 28 عاما من مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، روايته للحظة التي غيّرت حياته إلى الأبد. لم يكن حازم مقاتلا، ولم يكن يحمل سلاحا، ولا يرتدي زيا عسكريا. كان مجرد أب يعمل في البناء، يقف تحت شمس غزة الحارقة ليكسب لقمة عيشه، ويُعيل زوجته وبناته الأربع، اثنتان منهن من ذوي الإعاقة وبحاجة لرعاية مستمرة.
ويضيف حازم، في حديث للجزيرة نت، أنه في اليوم الثالث من الحرب، احتمى مع أسرته داخل المنزل ظنا منه أنه المكان الأكثر أمنا، لكن صاروخا إسرائيليا حوّل البيت إلى ركام. نُقل الجميع إلى المستشفى بإصابات متفاوتة، ونجا حازم، لكن بجروح غائرة لن تمحوها السنون.
من الركام إلى الخيمة
بعد تعافٍ مؤقت، نزح حازم مع عائلته من النصيرات إلى رفح، حيث قضوا 4 أشهر تحت خيمة مهترئة لا تردّ برد الشتاء ولا تحمي من قيظ الصيف. كانت الطفلة رهف، المصابة بالشلل الدماغي، تبكي ليلا دون قدرة على العلاج أو حتى التسكين، بينما تنهار الأم بين الواجب والوجع.
في إحدى ليالي النزوح، خرج حازم لشراء مستلزمات للطفلة المريضة، وجلس مع بعض الأصدقاء قرب الخيام المتهالكة، يتبادلون التعب والحيرة والأسئلة المحظورة: متى ينتهي كل هذا؟ لكن صاروخا إسرائيليا غادرا لم يمهلهم انتظار الإجابة. سقط فجأة ليقتل الجميع ما عدا حازم الذي رمى به الانفجار فوق قدم صديقه الشهيد، ليدخل في غيبوبة دامت 4 أشهر.
كابوس متواصل
عندما استفاق حازم، أدرك أن حياته قد تحوّلت إلى كابوس مظلم. وعن تفاصيل ذلك اليوم يقول للجزيرة نت: “استيقظت لأجد نفسي بلا جزء من جمجمتي، وفاقدا جزءا من بصري، ولا أستطيع الحركة، ولا أقدر على العمل.. لم أعد ذلك الأب الذي كانت بناته ينتظرنه عند الباب. ويحاول أن يحبس دموعه، لكنه ينهار وهو يقول: لا أستطيع حتى أن أرفع طفلتي لألعب معها، أو أن أحمل غالون ماء. أنا محطم، نعيش بلا بيت، بلا دواء، بلا أمل”.
وقصة حازم ليست استثناء في غزة، بل هي عنوان فرعي لمأساة جماعية يعيشها آلاف الرجال والنساء، الذين تحوّلوا من معيلين إلى ناجين بأجسادهم المنهكة.
في النهاية، لا يسأل حازم عن تعويض، ولا عن حساب، بل فقط: “أين نذهب؟ وماذا تبقّى لنا؟”.