تتصاعد حوادث الإسلاموفوبیا في القارة الأوروبیة في ضوء الاستقطاب السیاسي الحاد حول قضایا جدلیة عدیدة، كان جوهرها خلال السنوات الماضیة موجات الهجرة المتزایدة. إلا أن الانقسام الذي أحدثته تفاعلات الحرب الإسرائیلیة على غزة ألقى بظلاله على المشهد الأوروبي العام.
فقد جاءت نتائج الانتخابات التشریعیة الهولندیة -التي جرت یوم 22 نوفمبر/تشرین الثاني الماضي- مقلقة لأوساط عدة بعد فوز حزب الحریة المعادي للإسلام بقیادة خیرت فیلدرز، المعروف بمواقفه المتطرفة، والذي حصل حزبه تقریبا على ضعف مقاعده التي حصل علیها في الانتخابات الماضیة. وتضمن البرنامج الانتخابي للحزب التعهد بمنع المساجد وحظر الحجاب الإسلامي داخل المباني الحكومیة.
وتعلیقا على نتائج الانتخابات الهولندیة، یقول الأمین العام للجالیة الفلسطینیة في هولندا، الدكتور أحمد سكینة، إن فوز حزب الحریة ینسجم مع المناخ العام الحالي الذي تخیّم علیه مواقف الدعم الصارخ للحرب الإسرائیلیة على غزة، ویشكل نموا لموجة الیمین المتطرف التي تجتاح أوروبا، على حد وصفه.
وأضاف سكینة، في تصریحه للجزیرة نت، أن صعود الیمین المتطرف في هولندا نتیجة لتصاعد خطاب الإسلاموفوبيا ومناهضة المهاجرین وكراهیة الأجانب، إضافة إلى فشل أحزاب الیسار ویمین الوسط في حل جملة الأزمات التي اجتاحت البلاد منذ وباء كورونا.
وأكد الأمين العام للجالية الفلسطينية أن فیلدرز فاز وهو یحمل خطابا معادیا للإسلام، حیث وعد في وقت سابق بإغلاق المساجد والمدارس الإسلامیة، قبل أن یخفف من خطابه خلال الانتخابات بهدف جذب المترددین.
ويشير سكينة إلى أن الحرب على غزة كانت حاضرة في الحملة الانتخابیة لمختلف الأحزاب، حیث جاء الخطاب الانتخابي لحزب فیلدرز منكرا لحقوق الشعب الفلسطیني، إذ دعا لحل الصراع على حساب الأردن، وهو ما أمّن له تأييد اللوبي الإسرائيلي ودعمه.
الحوادث تتضاعف ببريطانيا
في بریطانیا، عاد نایجل فاراج إلى الواجهة في خطاب مؤید لإسرائیل ومعادٍ لحركة الاحتجاج التضامنیة التي تشغل الشارع البریطاني منذ بدایة الحرب الإسرائیلیة على غزة.
فاراج الذي شغل سابقا منصب رئیس حزب الاستقلال الیمیني قبل أن یتحول إلى عالم الإعلام، كان قد شن هجوما على الوزیر الأول لأسكتلندا، حمزة یوسف، بسبب دعوته لاستقبال لاجئین من غزة.
وقال إن نسبة كبیرة من هؤلاء سیكونون متعاطفین مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، واعتبر أن هذه مسألة أمن قومي، كما هاجم المتظاهرین السلمیین المتضامنین مع فلسطین في لندن في أكثر من مناسبة، ووصفهم بدعم حماس.
وكانت قناة “آي تي في نیوز” البریطانیة قد نشرت تقریرا صادما حول زیادة حوادث الإسلاموفوبیا في بریطانیا بنسبة 600%، منذ هجوم 7 أكتوبر وبدء الحرب الإسرائیلیة على غزة. وأشار التقریر إلى تركز هذه الحوادث في المدارس والجامعات.
وكانت القناة قد أكدت، في تقرير سابق نشر في يوليو/تموز الماضي، أن حوادث الإسلاموفوبیا وصلت إلى رقم قیاسي غیر مسبوق في بریطانیا.
في هذا السیاق، قال رئیس مؤسسة قرطبة لحوار الثقافات، الدكتور أنس التكریتي، في تصریح للجزیرة نت، إن الحرب الحالیة على غزة أسهمت في نمو الحوادث المعادیة للأجانب والأقلیات بشكل عام.
وأكد أن السنوات العشر الأخیرة شهدت صعودا للیمین في ضوء النقاش المحتدم حول قضیة المهاجرین تحدیدا، وهو ما أدى إلى تراجع الیسار بشكل ملحوظ.
وأضاف أن هذا الخطاب أسهم في استقطاب عام شمل زیادة في حوادث العنصریة ضد المهاجرین من ذوي البشرة السمراء، كما شمل زیادة في حوادث الإسلاموفوبیا وحوادث العداء للسامیة أیضا.
ويرى التكریتي أن الانقسام الحاصل الیوم بشأن الحرب على غزة مختلف، فهو لیس انقساما بین یسار ویمین كما جرت العادة في النقاشات الأخرى، مشیرا إلى التعقید الذي انطوت علیه النقاشات العامة حول الحرب، وفي كونها سببا لانقسامات داخل الیسار الذي اعتاد تأیید قضایا الأقلیات.
ولفت إلى أن الهجمات على الأقلیات عادةً ما تزداد في لحظات الاستقطاب السیاسي، كالتي نشهدها الیوم، مضيفا أن حوادث الإسلاموفوبیا ازدادت في ضوء الاستقطاب الحالي حول غزة.
لكنه ينوّه في الوقت ذاته إلى تنامي جبهة الدفاع عن المسلمین أیضا، مؤكدا أن هذا الواقع عزز من وجود مدافعین عن المسلمین بشكل بدا أكثر مما كان علیه في السابق.
وفي السوید، التي كانت حتى وقت قریب مثالا لحمایة اللاجئین الفارین من الحرب، حدث صعود لافت للیمین خلال السنوات الأخیرة، فقد تبنت الحكومة الیمینية سیاسات صارمة ضد المهاجرين، رافقتها إجراءات غیر مسبوقة بحق المؤسسات والمدارس الإسلامیة.
فقد أغلقت الحكومة خلال السنة الماضیة عددا من المدارس الإسلامیة في أكثر من مدینة سویدیة، من ضمنها العاصمة ستوكهولم، فیما شهدت المساجد تشدیدا في الرقابة الحكومیة على نشاطها.
شعور بانعدام الأمان
ونشرت وكالة رویترز الأسبوع الماضي تقريرا حول تنامي الشعور العام بین الجالیات المسلمة بعدم الأمان، خاصة في ألمانیا التي تشهد سیاسات متشددة مع حریة التعبیر عن الرأي التضامني مع القضیة الفلسطینیة.
ويأتي هذا في ظل دعم ألماني مطلق للحرب الإسرائيلية على غزة، حیث لا تزال ألمانیا ترفض الدعوة إلى وقف إطلاق النار، وتقول إن ما ترتكبه إسرائيل يأتي في سیاق “الدفاع عن النفس”.
وقد أشارت رویترز في تقریرها إلى أنها استشارت أكثر من 30 من القادة المحلیین والنشطاء الحقوقیین حول حوادث ضد الجالیات المسلمة في ضوء الحرب الإسرائیلیة على غزة، حیث أكدوا أن هذه الحوادث لم یتم الإبلاغ عنها بسبب تراجع الثقة بالشرطة.
وكانت الشرطة الألمانیة قد استهدفت تجمعات التضامن مع غزة منذ بدایة الحرب، واعتقلت عددا من النشطاء على خلفیة رفع العلم الفلسطیني أو ارتداء الكوفیة، في إجراءات قللت من الثقة بینها وبین الجالیات المسلمة.
حوادث الإسلاموفوبیا سجلت ارتفاعا ملحوظا في معظم الدول الأوروبیة، فقد نشرت صحیفة الغاردیان البریطانیة نقلا عن المجلس الإسلامي الفرنسي أنه تلقى 42 رسالة تهدید في شهر أكتوبر/تشرین الأول الماضي فقط. وأضاف المجلس أن عددا من المساجد استهدف في فرنسا، حیث تلقى 17 منها رسائل تهدید، بینما تعرض 14 مسجدا لأعمال تخریب مباشرة.
وقد وقع مسؤولون یمثلون 10 دول أوروبیة، إضافةً لمسؤولین رسمیین في الاتحاد الأوروبي، یوم الأربعاء الماضي على بیان حذروا فیه من تصاعد حوادث الإسلاموفوبیا.
ودعا البیان أجهزة إنفاذ القانون إلى حمایة المسلمین في ضوء تصاعد حوادث الاعتداء عليهم في ظل الحرب الإسرائیلیة على غزة. وأشار الموقعون إلى ضرورة حمایة أماكن العبادة الخاصة بالمسلمین، إضافةً إلى أماكن عملهم والمدارس وبیوتهم.
وحذر البیان من أن التقاعس في معالجة هذه الحوادث یهدد التماسك الاجتماعي في المجتمعات الأوروبیة ویعرض الفئات الضعیفة لأضرار كبرى. وبینما شدد البیان على التحذیر من تنامي حوادث استهداف المسلمین، أكد أن حوادث معاداة السامیة هي الأخرى تزایدت في الفترة ذاتها.