تشهد فيتنام حاليا نشاطا سياسيا نادرا لدعم الفلسطينيين في الوقت الذي تُذكّر فيه الحرب على غزة بالتضامن المشترك في الكفاح من أجل التحرير الوطني.
في مكان خاص يقع بعيدا في زقاق ضيق بوسط العاصمة الفيتنامية هانوي، استمعت مجموعة من أكثر من 20 شخصا باهتمام إلى سليم حماد (30 عاما)، وهو فلسطيني يتمتع بشخصية كاريزمية، وهو يتحدث باللغة الفيتنامية بطلاقة.
شارك حماد، الذي يدير شركة في فيتنام، حادثة من طفولته في جنين في الضفة الغربية المحتلة.
استمع الحاضرون إليه وهو يروي ذكرى حية عن استيقاظه ذات ليلة بينما حاصر الجنود الإسرائيليون منزل عائلته وداهموه.
في وقت سابق، أخبر أولئك الذين حضروا المناقشة أن تاريخ فيتنام في القتال من أجل التحرير ضد الولايات المتحدة قد ألهم الفلسطينيين في كفاحهم ضد احتلال إسرائيل لأراضيهم.
“الشعب الفيتنامي، بتاريخه المؤلم والمجيد، كان دائما مصدر إلهام لنا في كفاحنا من أجل العدالة، نحن دائما ننظر إليكم كنموذج يُحتذى به” قال حماد لجمهوره.
بدأ الشباب يرفعون أصواتهم لدعم فلسطين
وبسبب الرعب من الحرب الإسرائيلية على غزة وتصاعد عدد القتلى، بدأ الشباب الفيتناميون في رفع أصواتهم لدعم الفلسطينيين. في هذه العملية، يكتشفون العلاقات التاريخية بين فيتنام وفلسطين ومعاركهم المشتركة من أجل التحرر الوطني.
لكن العلاقة المستمرة منذ عقود بين البلدين طغى عليها الترويج الأخير لثقافة الأعمال (البزنس) الإسرائيلية لجيل شاب من الفيتناميين.
يركز كثير من شباب فيتنام على تحقيق النجاح في اقتصاد السوق الحر سريع النمو في بلادهم، ويستلهم كثيرون من ثقافة الأعمال الناشئة في إسرائيل بينما لا يعرفون سوى القليل عن الجانب المظلم لاحتلال إسرائيل الطويل للأراضي الفلسطينية.
نظم ترينه وفونغ (أسماء مستعارة)، وهما زوجان ناشطان مؤيدان لفلسطين، أواخر العام الماضي التجمع الذي تحدث فيه حماد والمستوحى من النشاط الطلابي الذي شهده الزوجان أثناء الدراسة في الولايات المتحدة.
ترينه وفونغ جزء من حركة شعبية مزدهرة بين الشباب الفيتناميين الذين انجذبوا إلى القضية الفلسطينية منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر/تشرين الأول.
لكن سياسات فيتنام الصارمة ضد التجمعات العامة والنشاط السياسي تعني أنه يتعين على النشطاء المؤيدين للفلسطينيين التوصل إلى طرق هادئة ومبتكرة لتنظيم الأحداث دون جذب انتباه السلطات الفيتنامية غير المرغوب فيه.
مناقشات وبضائع وفنون مؤيدة لفلسطين
في مدينة هوشي منه، نظمت ترينه وبعض الأصدقاء مناقشات حول فلسطين، وقدموا دروسا في الرسم موضوعه فلسطين. وعملت ترينه، وهي مصممة، مع زملائها المبدعين لتصميم البضائع المؤيدة لفلسطين والفن السياسي والمراوح.
في نوفمبر/تشرين الثاني، تم عرض أفلام وثائقية وأفلام عن فلسطين والنكبة وتاريخ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين تحت عنوان أفلام من أجل التحرير: “فلسطين إلى الأبد” بهدف إلغاء “الأوصاف الشيطانية للفلسطينيين” التي دمغتها بهم “القوى الغربية والإمبريالية”.
على وسائل التواصل الاجتماعي، ظهرت مجموعة من صفحات المعجبين تضم قصائد فلسطينية مترجمة إلى اللغة الفيتنامية وأعمال فنية مؤيدة لفلسطين وتحليلات حول تاريخ الصراع بينما دعت سفارة فلسطين في فيتنام قدامى المحاربين السابقين في الحرب ضد الولايات المتحدة والأكاديميين والناشطين وأفراد الجمهور لإحياء ذكرى الضحايا في غزة.
في 29 نوفمبر/تشرين الثاني، وهو اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني الذي حددته الأمم المتحدة، نشرت حكومة فيتنام أيضا رسالة من الرئيس آنذاك فو فان ثونغ تحدث فيها عن تاريخ الأخوة الطويل بين فيتنام وفلسطين و”دعم فيتنام القوي وتضامنها مع الفلسطينيين في نضالهم من أجل العدالة”.
لكن العلاقة الآن ليست كما كانت
تم عرض صورتين للحرب على الجدار في اجتماع للناشطين الفيتناميين المؤيدين للفلسطينيين: واحدة من غزة في عام 2023 بعد غارة جوية إسرائيلية والأخرى من الأنقاض التي تركت بعد قصف حي خام ثين في هانوي منذ أكثر من 50 عاما.
كان الرئيس الأميركي آنذاك ريتشارد نيكسون قد أمر بقصف العاصمة الفيتنامية الشمالية هانوي فترة عيد الميلاد عام 1972، وعانى حي خام ثين من أشد أنواع الدمار. وعلى مدار 12 يوما متتالية بلياليها بدءا من 18 ديسمبر/كانون الأول، تم إسقاط حوالي 20 ألف طن من القنابل على هانوي بالإضافة إلى مدينة هاي فونغ الساحلية الشمالية المزدحمة والعديد من المناطق الأخرى.
يشكل تجاور الصورتين والأصداء التاريخية للحربين -سواء تسوية غزة بالأرض أو قصف شمال فيتنام وإعادتها إلى العصر الحجري- جزءا من مخزون الرموز المشتركة التي غذت المزاج الحالي للتضامن الفيتنامي الفلسطيني بين الشباب الفيتنامي.
وقال هونغ، وهو طالب يبلغ من العمر 20 عاما عاش والده وأجداده خلال تفجيرات عيد الميلاد عام 1972 من قبل القوات الأميركية، إن التاريخ يتكرر، مضيفا أنه وبالنظر إلى ما يحدث في غزة، لم يستطع إلا أن يفكر في القصة التي أخبرها بها والده عن أحد أيام طفولته عندما شاهد في رعب القنابل التي ألقيت قرب البحيرة الغربية في هانوي وبعد ذلك بوقت قصير شعر بعاصفة تهب في اتجاهه وموجة الصدمة تضغط على صدره.
كل يوم في غزة هناك خام ثين آخر
واستمر هونغ يقول “الآن، هذا يحدث على وجه التحديد للجميع في غزة يوما بعد يوم، كل يوم في غزة، هناك خام ثين آخر”.
في الاجتماعات المؤيدة لفلسطين في جميع أنحاء البلاد، تُقام روابط مماثلة بين حرب إسرائيل على غزة والحرب الأميركية على فيتنام، ويستخدم النشطاء الشباب مقارنات في زمن الحرب لتقديم القضية الفلسطينية إلى جماهير جديدة.
وتتم طباعة صور على حقائب اليد والملصقات لمقاتلة فيتنامية من سنوات الحرب ترتدي وشاحا تقليديا، تركض وتقف إلى جانب مقاتلة فلسطينية تعتمر كوفية. ويحمل المقاتلون مفتاح باب عاليا، يرمز إلى المنازل التي فقدها الفلسطينيون عام 1948 أثناء ترحيلهم القسري من قبل القوات الإسرائيلية في فترة النكبة، عندما تم تهجير ما لا يقل عن 750 ألف فلسطيني بعنف. وتحت صور المقاتلتين كتب باللغتين العربية والفيتنامية عبارة: “من النهر إلى البحر”.
من خلال الفن والمناقشة ووسائل التعبير الأخرى، يساعد النشطاء المؤيدون للفلسطينيين في فيتنام أقرانهم على فهم مفاهيم مثل الصهيونية والنكبة واتفاقات أوسلو والاستعمار الاستيطاني.
وخطوة بخطوة، يعيدون تأكيد سياق وتاريخ خسارة الفلسطينيين وإزالة أي ذكر لهم في سرديات وسائل الإعلام والكتب المحلية في روايتها لظهور إسرائيل كقصة نجاح اقتصادي.
ترجمة الشعر كوسيلة للاحتجاج
فونغ، رسامة فيتنامية مقيمة في إيطاليا أطلقت صفحة المعجبين على الإنترنت “قصائد فلسطينية”، قالت إنها تشعر بقلق عميق لما يحدث منذ أكتوبر/تشرين الأول في قطاع غزة.
وقالت فونغ إنها لجأت إلى ترجمة الشعر كوسيلة للاحتجاج والتعبير عن حزنها على الحرب في غزة. ترجمت الآن أكثر من 50 قصيدة لمؤلفين فلسطينيين مثل محمود درويش وفدوى طوقان وغسان زقطان من الإنجليزية إلى الفيتنامية.
وتأمل فونغ أن تتمكن من مساعدة قرائها على تقدير النزعة الإنسانية العالمية للثقافة والمجتمع الفلسطيني، كما ينعكس في قصائد درويش وآخرين.
وقالت إن الفلسطينيين ليسوا ضحايا حرب فقط، إنهم أيضا شعب ذو تراث غني وجميل، مع فلسفات وفنون متطورة، وإن الشعب الفيتنامي بحاجة إلى معرفة ذلك.
نغوين بنه مترجم شاب اشتهر بترجماته للأعمال الفيتنامية، مثل ترجمة “حكاية كيو” الكلاسيكية إلى الإنجليزية.
يعمل بنه الآن على ترجمة كتاب رشيد الخالدي “حرب المائة عام على فلسطين” إلى الفيتنامية “لرفع صوت غير المسموعين ولسد الفجوة في الفهم الفيتنامي للقضايا الفلسطينية”.
كان دعم فيتنام لفلسطين لا يتزعزع
ووصف لو هونغ هيب، وهو زميل أول ومنسق برنامج دراسات فيتنام في معهد إسياس يوسف إسحاق في سنغافورة، دعم فيتنام للشعب الفلسطيني ونضاله من أجل التحرير بأنه “لا يتزعزع” خلال الحرب الباردة وحتى 1990.
وقال هيب للجزيرة: “كان هذا جزئيا بسبب اعتقاد القيادة الفيتنامية بأن القضية الفلسطينية تعكس كفاحهم من أجل الوحدة والاستقلال ضد القوى الأجنبية”.
وأقامت منظمة التحرير الفلسطينية علاقات مع فيتنام الشمالية في عام 1968 وأنشأت مكتبا تمثيليا مقيما بعد نهاية الحرب في فيتنام في عام 1975. وسرعان ما أصبح المكتب سفارة فلسطين في فيتنام.
وفي عام 1990، رحبت فيتنام أيضا بالقادة الفلسطينيين، بمن فيهم ياسر عرفات، في مناسبات عديدة. إن الموقف الرسمي لفيتنام من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني كان دائما لصالح تقرير المصير الفلسطيني وإقامة دولة فلسطينية.
وعلى الجانب الفلسطيني، لخص درويش روابط تلك الصداقة في عام 1973 عندما دخلت الحرب في فيتنام مرحلتها الأخيرة بتوقيع اتفاقيات باريس للسلام عام 1973، التي أنهت القتال العسكري الأميركي المباشر في البلاد. وقال الشاعر “في ضمير شعوب العالم، تم نقل الشعلة من فيتنام إلينا”.
لقد تغير الزمن
لكن الزمن تغير وكذلك ذكرى فيتنام لتضامنها مع فلسطين. قال نشطاء مؤيدون لفلسطين قابلتهم الجزيرة إنهم واجهوا صعوبة في إقناع والديهم بأن القضية الفلسطينية عادلة.
وقال هونغ إن والديه ردا في البداية على الحرب على غزة بإلقاء اللوم على “هؤلاء الإرهابيين الذين بدؤوها أولا”.
وأضاف أنه كان عليه أن يقضي بعض الوقت ليشرح لهم التاريخ الذي يعود إلى عام 1948، مضيفا “بعد ذلك فقط غيروا رأيهم”.
وقال السعدي سلامة، السفير الفلسطيني في فيتنام، إن وسائل الإعلام المحلية تتحمل قدرا كبيرا من المسؤولية عن نقص الوعي العام في فيتنام حول الأحداث في فلسطين.
عمل سلامة في البداية في مقر منظمة التحرير الفلسطينية في هانوي سكرتيرا للإعلام في عام 1980، ولديه عقود من الخبرة في فيتنام. ولكن على مدى السنوات الـ 10 الماضية أو نحو ذلك، كما قال، ظهرت المعلومات حول القضية الفلسطينية بشكل أقل تواترا في وسائل الإعلام المحلية، وقال إن ما يظهر يتم تقديمه بطريقة روتينية.
لديهم فكرة غامضة عما يحدث في فلسطين
وأوضح سلامة للجزيرة: “لدى معظم الناس فكرة غامضة عما يحدث بالفعل في غزة والضفة الغربية، الصحفيون المحليون غالبا ما يفتقرون إلى الخبرة في موضوع فلسطين وقضايا الشرق الأوسط”.
وقال إنه ونتيجة لذلك، يخجلون من كتابة تحليلات عميقة حول هذه المسألة، ويختارون بدلا من ذلك النسخ واللصق دون تمحيص من المصادر الغربية ودون تقديم سياق للقراء.
وهناك استثناءات نادرة، اعترف سلامة، ولكن ليس بما يكفي لإحداث فرق في الانطباع السلبي عموما عن فلسطين في وقت يتكون فيه انطباع إيجابي عن إسرائيل في فيتنام، “بالنسبة للفيتناميين، إسرائيل هي الآن رمز التنمية، أمة ناشئة، إنهم لا يرون الجانب المظلم لإسرائيل”، قال سلامة.
تقع دينه لو، وهي منطقة معروفة لسوق الكتب في وسط هانوي، على بعد مسافة قصيرة سيرا على الأقدام من المكان الذي تحدث فيه حماد عن فلسطين وطفولته.
“الأمة الناشئة” كتاب يروج لإسرائيل
في حين أن الزائر سيكون من الصعب عليه العثور على كتب عن فلسطين هنا، لا يوجد نقص في النسخ باللغة الفيتنامية عن “الأمة الناشئة”: “قصة المعجزة الاقتصادية الإسرائيلية”، كتاب نُشر في عام 2009 لدان سينور وشاول سينغر.
وأعيد نشر هذا الكتاب من قبل “دار ألفابوكس” الذي اشتهر في فيتنام لعناوين البزنس وعلوم البوب، وأصبحت “الأمة الناشئة” من أكثر الكتب مبيعا في فيتنام.
ووفقا للأرقام المتاحة على الموقع الإلكتروني لوزارة الإعلام والاتصالات الفيتنامية، تمتع الكتاب بأكثر من 12 طبعة مع أكثر من مليوني نسخة منشورة.
وجرى توزيع أكثر من مليون نسخة من هذا الكتاب، بحسب الوزارة، بأمر أحد رواد الأعمال البارزين في فيتنام الذي يدير مشروعا لتوزيع الكتب الملهمة مجانا في مجالات مثل ريادة الأعمال والعلوم والفلسفة.
ويرى البعض أن شعبية الكتاب في فيتنام هي محور الصورة الجذابة لإسرائيل بين الجمهور، وغالبا ما يكون مصدر الصورة الإيجابية لإسرائيل في وسائل الإعلام الفيتنامية.
التنمية الحرة واقتصاد السوق
وقال خبراء إن الشهرة الشعبية لإسرائيل تتزامن أيضا مع منعطف حاسم في تاريخ فيتنام الحديث. فمنذ أواخر عام 1980، نفذت فيتنام إصلاحات اقتصادية، المعروفة باسم دوي موي، والتي شهدت تبني البلاد التنمية الحرة الموجهة نحو السوق وتعزيز ريادة الأعمال.
وفي الوقت نفسه، أعطت السياسة الخارجية لفيتنام الأولوية للمصالح الوطنية والاستقلال على ما كان يمكن وصفه في السابق بأنه “نقاء أيديولوجي” خلال العصور الثورية السابقة.
ورغم أنها تسمى رسميا “جمهورية فيتنام الاشتراكية”، فقد رحبت البلاد منذ فترة طويلة برأس المال الأجنبي وعملت على تطبيع العلاقات، على أساس التعاون الاقتصادي في الغالب، مع الدول والكتل التي كانت تعتبر في السابق أعداء.
دبلوماسية الخيزران والشراكة مع إسرائيل
وقال هيب إن نهج سياسة فيتنام، المعروف باسم “دبلوماسية الخيزران” نظرا لمرونتها وبراغماتيتها، سمح للبلاد بصياغة شراكة مهمة مع إسرائيل في “مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا والأمن”.
ومن المرجح أن الخوف من تعريض العلاقات مع إسرائيل للخطر هو ما يفسر سبب تردد فيتنام في التعبير عن دعمها القوي لفلسطين رغم الحفاظ على التعاطف مع قضيتها. وأضاف أنه منذ أكتوبر/تشرين الأول، لفتت الحكومة الفيتنامية الانتباه إلى الفظائع التي ارتكبت ضد المدنيين في الصراع بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وفي مؤتمر صحفي بعد وقت قصير من بدء الحرب، صرحت متحدثة باسم وزارة الخارجية الفيتنامية بأن فيتنام “تدين بشدة الهجمات العنيفة ضد المدنيين والعاملين في المجال الإنساني والصحفيين ومرافق البنية التحتية الأساسية”.
وقبل ذلك، في جلسة طارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة في 27 أكتوبر/تشرين الأول، انضمت فيتنام إلى غالبية الدول الأعضاء في التصويت على قرار يطالب بوقف فوري لإطلاق النار الإنساني وحماية المدنيين والإفراج غير المشروط عن الأسرى ووصول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة.
دعم لفلسطين لكنه غير كاف
ومع ذلك، حرصت هانوي أيضا على عدم تعريض علاقتها مع إسرائيل لخطر جسيم من خلال تسمية إسرائيل علانية في انتقاداتها. ورغم ذلك، وصف سفير إسرائيلي سابق في فيتنام في مقابلة موقف هانوي من غزة بأنه “مخيب للآمال”.
بالنسبة للبعض، فإن مثل هذه الإيماءات الداعمة لفلسطين ليست كافية للوفاء بديون فيتنام التاريخية للفلسطينيين ودعم منظمة التحرير الفلسطينية لهانوي خلال الحرب الباردة.
فو مينه هوانغ، مؤرخ دبلوماسي لفيتنام وآسيا والمحيط الهادي في القرن الـ 20، أشار إلى أن منظمة التحرير الفلسطينية كانت من بين أقلية صغيرة من الجماعات والبلدان في الجنوب العالمي الذي وقفت علنا مع أصدقائهم الفيتناميين وأدانت الصين لغزوها فيتنام في عام 1979.
وقال فو إن القرار كلف منظمة التحرير الفلسطينية المساعدات التي تشتد الحاجة إليها والدعم السياسي من الصين. وحافظت المنظمة على علاقة ودية استمرت 14 عاما مع الصين حتى وقفت مع فيتنام بسبب الغزو الصيني لفيتنام في عام 1979.
وقال فو، الذي يقيم حاليا في جامعة كولومبيا في نيويورك، للجزيرة إن منظمة التحرير الفلسطينية وقفت بشجاعة إلى جانب فيتنام عندما كانت الأخيرة في أمس الحاجة إليها.
المال يفسر الموقف الفيتنامي
وعلى الرغم من أن تصريحات فيتنام وتصويتها الداعم لفلسطين، قال فو، بشكل عام، يبدو أن موقف فيتنام عمليا أكثر تأييدا لإسرائيل. وأضاف أنه لفهم السبب، يحتاج المرء إلى “متابعة المال”.
من عام 2015 إلى عام 2019، كانت فيتنام من بين أكبر ثلاثة مشترين للأسلحة الإسرائيلية، حيث شكلت 8.5% من إجمالي مبيعات إسرائيل خلال تلك الفترة، وفقا لبيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
وذكرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية في عام 2022 أنه وعلى مدى العقد الماضي، اشترت فيتنام ما يقدر بنحو 1.5 مليار دولار من المعدات الدفاعية من إسرائيل، بما في ذلك أنظمة صواريخ أرض-جو وتكنولوجيا اختراق الهاتف والطائرات المسيرة.
لكن في العامين الماضيين، لم تكن هناك صفقات أسلحة مسجلة بين فيتنام وإسرائيل، وفقا لبيانات معهد سيبري الأخيرة.
ورفضت الحكومة الفيتنامية التعليق على أسباب التباطؤ الواضح، حسبما ذكرت وكالة (رويترز) للأنباء هذا الشهر. وقال سايمون ويزمان وهو باحث كبير في المعهد للوكالة إن عدم وجود صفقات أسلحة عامة قد يكون نتيجة مفاوضات صعبة جارية في الوقت الذي تنظر فيه فيتنام -التي تحتاج إلى سفن حربية وطائرات مقاتلة وطائرات مسيرة- في عروض منافسة.
ويصف فو نفسه بأنه عضو تقدمي في الحزب الشيوعي الفيتنامي يؤمن بالمثل العليا للشيوعية الدولية وحقوق الإنسان. كما أنه ينتمي إلى أقلية من العلماء الفيتناميين غير الراضين عن احتضان البلاد غير النقدي لـ “دبلوماسية الخيزران”.
سياسة براغماتية لا تهتم بانتهاك حقوق الإنسان
وقال فو إن البراغماتية والمرونة في نهج “الخيزران” لهما جانب ساخر، لأنه يسمح بتجاهل المواقف السياسية المبدئية سعيا وراء “المصالح الذاتية الوطنية الضيقة”، حتى لو كان ذلك يعني العمل مع شركاء ينتهكون حقوق الإنسان بشكل صارخ.
وقال فو نقلا عن كلمات رئيس الوزراء البريطاني السابق هنري جون تمبل: “المبدأ هو: لا حلفاء أبديين، ولا أعداء أبديين، بل مصالح فقط”.
وقال إن مثل هذه السياسة تقف في تناقض صارخ مع فيتنام في ذروة السياسة الثورية وكفاحها من أجل التحرير. وأضاف: “قل ما شئت، في الحرب الباردة، كان لفيتنام أصدقاء حقيقيون وولاءات حقيقية”.
ولكن حتى أصدقاء فيتنام القدامى لديهم مصالحهم الخاصة التي يبحثون عنها الآن أيضا. وخلال العقد الماضي أو نحو ذلك، دخلت كمبوديا ولاوس، اللتان كانتا ذات يوم أقرب الحلفاء لفيتنام، مجال نفوذ الصين ودعمتا بكين بشأن مطالبها الإقليمية في بحر جنوب الصين، وهي قضية تمس المصالح الأساسية لفيتنام.
وقال فو إن فيتنام تعلمت درسا مفاده أن “الأعمال الصالحة والتضحيات يمكن أن تذهب دون تقدير حتى من قبل أصدقائك”.
وقال إن تبني فيتنام لسياسة خارجية تحددها المرونة البراغماتية كان ردا طبيعيا على عقود من العقوبات الاقتصادية الساحقة التي فرضها الغرب على البلاد كعقاب على تدخل فيتنام في كمبوديا المجاورة في أواخر عام 1978 لإزاحة الخمير الحمر، الذين مات نحو مليوني شخص تحت حكمهم.
ابق نظيفا حتى لو كنت جائعا
وأضاف أن فيتنام يجب أن تحاول أن تفعل ما هو أفضل من حيث مبادئها السياسية، وذكر قول فيتنامي معروف: “ابق نظيفا حتى لو كنت جائعا. ابق عطرا حتى لو كنت ترتدي ثيابا ممزقة”.
وقال “لا تزال فيتنام قادرة ويجب عليها أن ترقى إلى مستوى هذا المثل الأعلى”، في إشارة إلى الماضي الثوري للبلاد وكفاحها من أجل التحرر الوطني.
يعلم النشطاء الشباب المؤيدون للفلسطينيين أن الماضي الثوري لفيتنام لا يخلو من تاريخها الإشكالي كدولة ذات حزب واحد مع سيطرة صارمة على المجتمع والشعب.
لكن نضال فيتنام من أجل التحرير هو ما ارتبط به الفلسطينيون، وهذا هو التاريخ الذي يعيد النشطاء الفيتناميون الشباب اكتشافه الآن وأصبحوا معجبين به في الأشهر الأخيرة خلال الحرب في غزة.
وقالت ترينه: “كلما تعلمت أكثر عن تاريخ فلسطين، كلما أدركت مدى تشابه نضالاتنا. وكلما فهمت بشكل أفضل مرونة وشجاعة فيتنام في معركتنا ضد الإمبرياليين، كلما شعرت بفخر أكبر حول انتصاراتنا”، مضيفة أنها تريد الآن “الشيء نفسه بالنسبة للفلسطينيين”.