كشف ممثلو الادعاء في الولايات المتحدة عن لائحة اتهام بحق الرئيس السابق دونالد ترامب أمس الجمعة شملت 37 اتهاما منها تعريض بعض الأسرار الأمنية الأكثر حساسية في البلاد للخطر بعد مغادرته البيت الأبيض في عام 2021.
وجاء في لائحة الاتهام الاتحادية أن ترامب لم يحسن التعامل مع وثائق سرية تضمنت معلومات عن البرنامج النووي الأميركي السري وثغرات محلية محتملة لدى الولايات المتحدة في حالة وقوع هجوم.
وذكرت لائحة الاتهام أن ترامب ناقش مع محاميه إمكانية الكذب على المسؤولين الحكوميين الذين يسعون لاستعادة الوثائق وحفظ بعضها في صناديق بالقرب من مرحاض، ووزع صناديق تحتوي على بعض من هذه الوثائق في أنحاء منزله بمنتجع مارالاغو بولاية فلوريدا حتى لا تعثر عليها السلطات.
ونقلت لائحة الاتهام عن ترامب قوله لأحد محاميه “ألن يكون من الأفضل لو قلنا لهم أنه ليس لدينا أي شيء هنا؟”.
وأعلنت وزارة العدل عن لائحة الاتهام المكونة من 49 صفحة في يوم شهد استقالة اثنين من محاميي ترامب في القضية. وتشمل لائحة الاتهام توجيه 37 تهمة لترامب. ويواجه والت ناوتا المساعد السابق لترامب اتهامات في القضية أيضا.
ومن المقرر أن يمثل ترامب أمام المحكمة لأول مرة فيما يخص هذه القضية في ميامي يوم الثلاثاء قبل أن يتم 77 عاما بيوم واحد فقط.
ونظرا لأن ترامب سيقضي أي عقوبات فورا حالة إدانته، فإن الحد الأقصى للسجن الذي يواجهه هو 20 عاما لعرقلة العدالة.
وقال المدعي الخاص المكلف بتحقيقات ترامب جاك سميث، الذي يقود ممثلي الادعاء في بيان مقتضب “قوانيننا التي تحمي معلومات الدفاع الوطني حاسمة فيما يتعلق بسلامة الولايات المتحدة وأمنها، ويجب إنفاذها”.
وأكد أن فريق التحقيق يسعى للتسريع في إجراءات محاكمة ترامب وأن القانون الأميركي واحد ويطبق على الجميع.
كما اتهم الادعاء ترامب بتعريض أمن البلاد للخطر.
تسجيل لسي إن إن يعترف فيه ترامب
وقد كشفت شبكة “سي إن إن” (CNN) عن حصولها على تسجيل صوتي للرئيس السابق، يعترف فيه بأنه احتفظ بمعلومات عسكرية “سرية” لم يَرفع عنها السرية.
وأوضحت الشبكة أن التسجيل يرجع لاجتماع وقع عام 2021، وأن ترامب قال فيه إنه كان بإمكانه رفع السرية عن تلك المعلومات حينما كان رئيسا، لكنه لم يعد يستطيع القيام بذلك الآن.
وذكرت الشبكة أن ترامب كان يناقش -في التسجيل الصوتي خلال الاجتماع- وثيقة سرية للبنتاغون بشأن مهاجمة إيران.
وفي السياق، قالت وسائل إعلام أميركية إن محامي ترامب قدموا استقالاتهم، وذلك قبل أيام قليلة من مثوله أمام المحكمة الفدرالية بميامي المقرر الثلاثاء المقبل.
وفي المقابل، أعلن ترامب -في منشور له على منصته للتواصل الاجتماعي “تروث سوشيال”- تكليف فريق جديد بالدفاع عنه.
ترامب يصر على براءته
كما أعلن ترامب براءته في القضية، وسارع بعد الكشف عن التهم إلى مهاجمة المدعي الخاص جاك سميث، عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وكتب على منصته للتواصل الاجتماعي التي تحمل اسم “تروث سوشيال” “إنه كاره لترامب ‘مريض نفسي’ مختل لا ينبغي أن يكون معنيا بأي قضية لها علاقة بالعدالة”.
وقد انتقد رئيس مجلس النواب الأميركي، كيفين مكارثي، توجيه قائمة اتهام ضد ترامب.
وقال مكارثي في تصريحات لشبكة “فوكس نيوز”، إن الاتهامات الموجهة لترامب تظهر أن وزارة العدل تتعامل معه بشكل مختلف عن الآخرين.
وأكد أن الولايات المتحدة تعيش يوما مظلما، وأن بايدن يوجد في نفس موقف ترامب.
مضمون الوثائق
وتتناول إحدى الوثائق دعم إحدى الدول الأجنبية للإرهاب بما يتعارض مع المصالح الأميركية.
ونصت لائحة الاتهام على أن هذه المواد الحكومية صادرة عن البنتاغون ووكالة المخابرات المركزية ووكالة الأمن القومي ووكالات أخرى تابعة للمخابرات.
وقال ممثلو الادعاء إن ترامب أطلع شخصا آخر على وثيقة لوزارة الدفاع وُصفت بأنها “خطة هجوم” على دولة أخرى.
وأضافوا أن ترامب تآمر مع مساعده السابق والت ناوتا للاحتفاظ بوثائق سرية أخذها من البيت الأبيض وأخفاها عن هيئة محلفين اتحادية كبرى. ويواجه ناوتا ست تهم في القضية.
وكذب ناوتا على مكتب التحقيقات الاتحادي عندما أخبرهم أنه لا يعرف كيف انتقلت بعض الوثائق إلى جناح ترامب في منتجع مارالاغو، بينما كان في الواقع متورطا في نقلها هناك من غرفة تخزين، حسبما ذكرت لائحة الاتهام.
واحتفظ ترامب بالوثائق في منتجع مارالاغو الذي يمتلكه في فلوريدا وفي نادي الغولف الخاص به في نيوجيرزي.
وجاء في لائحة الاتهام أن المنتجع استضاف عشرات الآلاف من الضيوف في أكثر من 150 حدثا خلال الوقت الذي كانت فيه الوثائق هناك.
وأكد ممثلو الادعاء أن الكشف دون وجه حق عن الوثائق السرية قد يهدد الأمن القومي الأميركي والعلاقات الخارجية وجمع معلومات المخابرات.
ولم يسبق في التاريخ الأميركي أن وجهت محكمة اتهامات اتحادية لرئيس أميركي سابق، وتأتي لائحة الاتهام في وقت تتزايد فيه حظوظ ترامب بنيل ترشيح الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة العام المقبل.
وصادر المحققون ما يقرب من 13 ألف وثيقة من منتجع مارالاغو الذي يمتلكه ترامب في بالم بيتش بولاية فلوريدا منذ نحو عام. وحمل 100 من هذه الوثائق طابع السرية على الرغم من أن أحد محاميي ترامب قال في وقت سابق إن جميع السجلات السرية أعيدت إلى الحكومة.
وكان ترامب قد قال إنه رفع السرية عن هذه الوثائق عندما كان رئيسا، ورفض محاموه تقديم هذه الحجة في وثائق المحكمة.
ولكن الأرشيف الوطني الأميركي نفى ما قاله ترامب ومحاموه بأن القانون يسمح له بالاحتفاظ بالسجلات الرئاسية لمدة عامين لمراجعتها ومعرفة ما هو شخصي منها وما هو رئاسي.
وذكر الأرشيف الوطني في بيان ردا على ما قاله ترامب ومحاموه بهذا الشأن، إن قانون السجلات الرئاسية يطلب تسليم جميع سجلات الرؤساء ونوابهم إلى إدارة المحفوظات والسجلات الوطنية في نهاية إداراتهم.
وأضاف الأرشيف الوطني في بيانه أنه لا يوجد نص في القانون يسمح للرؤساء بالاحتفاظ بالسجلات بعد مغادرتهم مناصبهم من أجل فرزها، كما لا توجد ممارسات سابقة تسمح بذلك، مضيفا أن القانون يسمح لهم بذلك قبل ترك مناصبهم.
كما نفى البيان أن يكون الرئيس السابق باراك أوباما قد احتفظ بسجلات رئاسية بعد مغادرته منصبه.
وقال مصدر مطلع أمس الجمعة إن القاضية أيلين كانون كُلفت في البداية بالنظر في القضية. وأضاف المصدر الذي رفض الإفصاح عن هويته أن كانون يمكن أن ترأس المحاكمة أيضا.
وتصدرت كانون التي عينها ترامب في عام 2019 عناوين الصحف العام الماضي عندما حكمت لصالح الرئيس الأميركي السابق في مرحلة محورية من القضية قبل إلغاء الحكم في الاستئناف.
وستحدد كانون عدة أمور من بينها موعد إجراء المحاكمة والحكم على ترامب في حالة إدانته.
الخطوات اللاحقة
ووفق وسائل إعلام أميركية، فمن المتوقع الآن بعد صدور لائحة الاتهام ضد ترامب أن يجتمع جهاز الخدمة السرية الأميركية، مع موظفي الرئيس السابق، وضباط الخدمة السرية المكلفين به.
وقبل جلسة الاستماع المقررة الثلاثاء، سيجري جهاز الخدمة السرية تقييما لأي تهديدات محتملة على المحكمة الفدرالية في ميامي والمناطق المحيطة بها، وسيضعون مع ضباط المحكمة خطة أمنية.
ومن غير المحتمل -بحسب خبراء قانونيين- أن تُقيَّد يدا ترامب أو تلتقط له صور، لكن ستؤخذ بصماته.
وبعد الانتهاء من أوراق اعتقاله، سيُعتبر قيد الاعتقال والاحتجاز، وبعد معالجة الأوراق، تبدأ محاكمته بالاستماع إلى التهم الموجهة إليه.