منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، حدد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أهداف الحرب، معتبرا أن أبرزها القضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وتدميرها بالكامل.
تكررت التصريحات لاحقا منه ومن مسؤولين آخرين ظلوا يتحدثون بشكل يبدو واثقا، وربما متعجرفا، بأنهم سيحققون هدفهم في النهاية ويدمرون حركة المقاومة التي لا تمتلك ما يمتلكون من طائرات ودبابات وصواريخ.
لكن بعد مرور نحو 9 أشهر من الحرب، تغيرت اللهجة، وبات عديد من القادة في إسرائيل سواء سياسيين أو عسكريين يعترفون بأن الهدف المتمثل في القضاء على حماس ليس واقعيا، بل أقرب إلى الأماني التي اصطدمت ببسالة المقاومة رغم فارق الإمكانيات.
ولم يكن تصريح الوزير المستقبل من مجلس الحرب وزعيم حزب معسكر الدولة بيني غانتس الذي أطلقه اليوم شاذا عن تصريحات أخرى سبقته في الأيام الماضية مفادها أن حماس فكرة لا يمكن تدميرها، وإن كان من الممكن إضعافها.
فقد صرح بذلك الأمر من قبل رفيقه في الجيش وفي العمل السياسي غابي آيزنكوت عندما ذكر أن حماس فكرة ستقاتلها إسرائيل لسنوات عديدة قادمة.
تصريحات غانتس قد لا تثير ما أثارته تصريحات المتحدث باسم الجش الإسرائيلي دانيال هاغاري الأربعاء الماضي خلال مقابلة مع القناة الـ 13 التي تعتبر قناة معارضة لنتنياهو وأقرب لليسار الإسرائيلي، حيث أكد فيها على أن استحالة تدمير حماس، مشددا على أن حماس فكرة لا يمكن تدميرها.
واعتبر هاغاري أن “الحديث عن تدمير حماس هو بمثابة ذر للرماد في أعين الجمهور، وذلك لأنها مغروسة في قلوب الناس”، وأن “حماس فكرة، لا يمكنك تدمير فكرة، يجب على المستوى السياسي أن يجد بديلا لها وإلا فستبقى”.
ما الفكرة؟
في تعليقاتها على التصريحات الإسرائيلية اعتبرت حماس أن الفكرة التي تحدث عنها هاغاري هي المقاومة “التي تنشأ كلما وجد المحتل، وتظل تتصاعد وتتجدد على قدر أهل العزم، حتى تنتصر على عدوها، أي حتى تدحر الاحتلال، وتطهر البلاد من رجسه”.
وفي ذلك يقول عضو المكتب السياسي لحماس عزت الرشق “أكثر من مئة عام والانتداب ثم الاحتلال يحاول القضاء على هذه الفكرة، واليوم يقرّون صراحة أن محاولاتهم كلها فشلت، وأنهم عاجزون أمام المقاومة”.
ويشير الرشق إلى أن “هذا الإقرار هو توثيق لهزيمة نفسية وفكرية استراتيجية، تتزامن مع هزيمة ميدانية غير مسبوقة”.
مصادر القوة
وفقا لما نقلته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية عن مسؤولين ومحللين أميركيين في أبريل/نيسان الماضي فقد رجحوا أن تظل حماس قوة ذات نفوذ في غزة بعد انتهاء القتال، “ولكن مدى سرعة إعادة بنائها سيعتمد على قرارات إسرائيل في المراحل التالية من الحرب وفي أعقابها”.
ونقلت الصحيفة عن غلاس لندن، الضابط المتقاعد من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، قوله إن “المقاومة الفلسطينية لإسرائيل، والتي تتجلى في حماس وغيرها من الجماعات المسلحة، هي فكرة بقدر ما هي مجموعة ملموسة من الناس، لذا فبقدر الضرر الذي قد تكون إسرائيل قد ألحقته بحماس، فإن الحركة لا تزال تمتلك القدرة والمرونة والتمويل وطابورا طويلا من الأشخاص الذين ينتظرون الانضمام لها، بعد كل هذا القتال والدمار وهذه الخسائر في الأرواح”.
نفس الفكرة أكد عليها روبرت بيب، عالم السياسة الأميركي والمحاضر في شؤون الأمن الوطني والدولي، في مجلة فورين أفيرز حيث قال إن إسرائيل، وبعد 9 أشهر من حربها الجوية والبرية في غزة، لم تهزم حماس، كما أنها ليست على وشك هزيمتها، بل على العكس من ذلك فقد أصبحت حماس أقوى مما كانت عليه قبل هجوم طوفان الأقصى.
وأشار بيب إلى أن إسرائيل فشلت في فهم مصادر قوة حماس، فقوة حماس وفقا له لا تأتي من العوامل المادية النموذجية التي يستخدمها المحللون للحكم على قوة الدول، بل المصدر الأكثر أهمية لتلك الحركات هو القدرة على التجنيد، وخاصة قدرتها على جذب أجيال جديدة من المقاتلين والعناصر الذين ينفذون الحملات القاتلة وعلى استعداد للموت من أجل القضية.
وهذه القدرة على التجنيد متجذرة، في نهاية المطاف، في عامل واحد هو حجم وشدة الدعم الذي تستمده المجموعة من مجتمعها، والكلام ما يزال لعالم السياسة الأميركي روبرت بيب.
ولا يمكن في هذا السياق إغفال ما ذكرته صحيفة إسرائيل اليوم من أن البيانات المقدمة إلى أعضاء الكنيست تشير إلى عدم انهيار حركة حماس في قطاع غزة، بل إنها تمكنت من الحفاظ على قوتها.
الطرق على الطاولة
ما أشار إليه بيب قد تكون إسرائيل قد أدركته مؤخرا بعد تكبدها خسائر فادحة في الحرب على غزة، فقد وصل عدد القتلى من جنودها إلى أكثر من 662 قتيلا.
ويبدو أن رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي قد طرق على الطاولة وفقا لنصيحة الرئيس السابق لشعبة العمليات في مديرية العمليات في إسرائيل الجنرال غادي شامني عندما قال “عند أي نقطة، يجب على رئيس الأركان أن يطرق على الطاولة؟ وربما يخرج إلى العلن؛ لأن إرسال الجنود إلى المعركة، لأغراض سياسية، هو تجاوز للخط الأحمر”.
كما أن استطلاعات الرأي تؤكد دعم المجتمع الفلسطيني في غزة والضفة الغربية لحماس، على الرغم من الدمار الذي تسببت فيه الاحتلال لغزة في محاولة منه لقلب الحاضنة الشعبية ضد حماس.
فقد أظهر استطلاع للرأي العام أعده المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في الفترة الواقعة ما بين 26 مايو/أيار و1 يونيو/حزيران الحالي، أنه لو جرت انتخابات تشريعية جديدة فإن 70 نسبة من 32% إنهم سيصوتون لحماس، و17% لفتح، و4% لقوى ثالثة، و16% لم يقرروا بعد.
كما أجاب ما نسبته 51% بأن حماس هي الأحق بتمثيل وقيادة الشعب الفلسطيني.
وتظهر هذه المعطيات أن حماس تتمتع بالتفاف شعبي كبير حولها، مما يساعد في تفسير عدم قيام سكان غزة بالانقلاب على حماس، وهو ما يبدو أن إسرائيل باتت مدركة له وتعمل على التعامل معه لوقف نزيف خسائرها في القطاع على يد المقاومة.
وهو الأمر الذي أكدته صحيفة بوليتيكو في مايو/أيار الماضي عندما نقلت عن مسؤول أميركي قوله إن العمليات الإسرائيلية العسكرية الحالية في غزة تبث الحياة في حركة حماس.
هل تموت الفكرة
يعتقد دينيس روس، المبعوث الأميركي السابق لعملية السلام، في مقال له بصحيفة “نيويورك تايمز” نشر أواخر أكتوبر /تشرين الأول الماضي أن حماس ستفعل ما فعلته في حروب إسرائيل السابقة على غزة “في أعوام 2009 و2012 و2014 و2021، فمن شبه المؤكد أن الحركة سوف تستعيد تسليحها ونشاطها”.
فيما يرى مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون أن الأنفاق في قطاع غزة ستسمح لحماس بالبقاء وإعادة تشكيل قواتها بمجرد توقف القتال، وفقا لما تنقله نيويورك تايمز.
ويؤيد تلك الرؤية تقرير التهديد السنوي لعام 2034 الصادر عن المخابرات الأميركية الذي يرى أن إسرائيل ستكافح من أجل تحقيق هدفها المتمثل في “تدمير حماس”، وتدمير بنيتها التحتية (الأنفاق) التي تسمح للمسلحين بالاختباء واستعادة قواهم ومفاجأة القوات الإسرائيلية.
وفي مقابلة مع صحيفة “إلباييس” الإسبانية أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قال رشيد الخالدي، أستاذ الدراسات العربية الحديثة في جامعة كولومبيا في نيويورك، إن إسرائيل “تود أن تقضي على حماس كمؤسسة وكهيكل سياسي وديني وثقافي وكهيكل عسكري”.
وأضاف “لا أعتقد أنهم قادرون على القيام بالأمرين الأولين، لأنه حتى في حالة قتل كافة قادة حماس أو قتل كافة عناصرها المسلحة، فإن حماس ستبقى قوة سياسية، سواء احتل الإسرائيليون غزة أو غادروها، لذا فإن تدمير حماس كمؤسسة سياسية وتدميرها كفكرة يعد ضربا من المستحيل”.
وقال الخالدي إن الإنجاز الذي يمكن أن تحرزه إسرائيل سيتمثل في إضعاف قدرات حماس العسكرية، “ولكن لفترة ومدة زمنية محدودة”.