لا تبدو الإدارة الأميركية قادرة على إيجاد مساحة للتفاهم بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل بالنظر إلى كونها وسيطا غير نزيه ولا شفاف، فضلا عن أنها غير قادرة على إلزام تل أبيب بأي من الأمور التي تتعهد بها، كما يقول خبراء.
ووفقا للمسؤولة السابقة بوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) لشؤون الأمن القومي ياسمين الجمل، فإن إدارة جو بايدن لن تتمكن من حل الخلاف بين المقاومة وإسرائيل دون تدخل دولي وعربي لتقريب وجهات النظر بين الجانبين.
وبحسب ما أكدته الجمل خلال مشاركتها في برنامج “غزة.. ماذا بعد؟”، فإن الرئيس الأميركي جو بايدن يواصل الظهور بمظهر الضعيف داخليا وخارجيا، خصوصا بعد الاحتجاجات الطلابية الأخيرة التي وضعته أمام أزمة كبيرة تتعلق باحترام حقوق المواطنين وحرياتهم وهي أمور لطالما بنى الديمقراطيون برامجهم السياسية والانتخابية عليها، حسب قوله.
انحياز أميركي لإسرائيل
وفي ظل هذا المشهد الأميركي المعقد، تواصل إدارة بايدن الانحياز لإسرائيل -كما تقول الجمل- بدليل أنها علّقت توقيع عقوبات على كتيبة في الجيش الإسرائيلي تتهم بانتهاك حقوق الإنسان خلال هذه الحرب.
ورغم كل الضغوط التي يصعب على بايدن التعامل معها خلال عام انتخابي، فإن الجمل تستبعد أن تبدأ الولايات المتحدة ضغطا حقيقيا على إسرائيل من أجل التوصل لاتفاق.
وتعليقا على فيديو الأسيرين الإسرائيليين الذي بثته كتائب القسام الجناح العسكري لحماس، قالت الجمل إنه ربما يدفع المفاوضات للأمام في ظل وقوع كل الأطراف المشاركة في الحرب (حماس، إسرائيل، بايدن) تحت ضغوط كبيرة ربما تجبرها على الجلوس لطاولة التفاوض.
الرأي نفسه ذهب إليه المحلل السياسي أحمد الحيلة بقوله إن طرفي الحرب يقفان على النقيض، مشيرا إلى أن حماس -التي تتمسك بشروط تمثل حقوقا مشروعة للفلسطينيين- أبدت الكثير من المرونة في المفاوضات، بينما إدارة بايدن لا تمارس أي ضغط على إسرائيل التي لم تقدم أي تنازل منذ بدء المفاوضات.
هدية أميركية لنتنياهو
ليس هذا وحسب، فقد مررت واشنطن مساعدات بـ26 مليار دولار لتل أبيب وكأنها تمنح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تحديدا هدية قبل دخوله إلى مدينة رفح، وفق الحيلة الذي يرى أن على واشنطن ممارسة الضغط على نتنياهو، وليس على حماس إذا كانت ترغب بالفعل في التوصل لصفقة.
ولا يعتقد الحيلة أن المظاهرات التي ينظمها الإسرائيليون قادرة على دفع نتنياهو على القبول بحل مع المقاومة، لأن المعارضة الإسرائيلية لا تمارس ضغطا حقيقيا على رئيس الحكومة، حتى إن بيني غانتس -البديل المحتمل لنتنياهو- خسر مؤخرا الكثير من التأييد وفق استطلاعات الرأي، حسب المحلل السياسي.
أما الخبير في الشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين، فيرى أن إسرائيل تعيش أزمة ثقة متزايدة على كافة الصعيد، مشيرا إلى أن الفيديوهات التي تبثها المقاومة تزيد من حالة عدم الثقة في قدرة نتنياهو على استعادة الأسرى بالقوة.
وبشأن المفاوضات الأخيرة، يقول جبارين إن إسرائيل ذهبت إليها ومعها مسدس وأعلنت أنها جاهزة للتهور، مشيرا إلى أن ثمة إجماعا على إمكانية مناقشة كل المقترحات المطروحة شريطة ألا تشمل وقفا كاملا لإطلاق النار.
وحتى المجتمع الإسرائيلي نفسه لا يريد وقفا للحرب، وإنما يريد استعادة الأسرى كمحطة عبور وليس لإنهاء الحرب التي هو بحاجة لها، كما يقول جبارين.
وبالنظر إلى هذه المواقف المتناقضة لكل الأطراف، فإن الحديث حتى عن مقايضة عملية رفح بالأسرى كما تريد إسرائيل، يبدو أمرا غير واضح -من وجهة نظر الجمل- التي ترى أن حماس في موقف قوي وتشعر أن لها اليد الطولى وورقة الضغط الأكبر (الأسرى)، في حين ترى أن إسرائيل تواجه خطرا وجوديا، “مما يعني أن كلا الطرفين لا يمكنه التنازل عن موقفه”.
لذلك، تقول الجمل إن واشنطن “ليست وسيطا نزيها ولا فعالا وإنها ليست مضطرة لأن تكون كذلك، وبالتالي لن تكون قادرة وحدها على إيجاد حل لهذا الخلاف دون مساعدة دولية وعربية تصل بالطرفين إلى مرحلة تجنب المدنيين ويلات النزاع”.
وما يزيد الأمر تعقيدا -برأي الجمل- هو أن الولايات المتحدة لم تتمكن من الالتزام بأي من الوعود التي قطعتها خلال هذه الحرب، وبالتالي لا يمكن الوثوق بها كوسيط، بينما إسرائيل تخالف كل ما يقوله مسؤولو إدارة بايدن طوال الوقت.
بايدن ضعيف
وترى الجمل أن الوقت يتبدد بالنسبة لبايدن الذي يبدو ضعيفا في الداخل والخارج على حد سواء، لأنه كان يراهن على أن الناخبين سينسون الحرب بحلول نوفمبر/تشرين الثاني المقبل (موعد الانتخابات) لكنه كلما ذهب إلى تجمع انتخابي وجد من يناديه بـ”بايدن إبادة جماعية”، وهذا كابوس له وللداخل الأميركي الذي دخل أزمة عميقة تتعلق بقمع الحريات ومعاداة السامية والإسلاموفوبيا في وقت واحد، حسب تعبيرها.
أما في تل أبيب، ومع تضاؤل شعور الإسرائليين بإمكانية الوصول للأسرى من خلال الحرب، وتراجع الثقة في جميع أعضاء مجلس الحرب، يواصل نتنياهو التعامل مع عملية رفح كآخر ورقة توت يمكنه الاختباء خلفها، برأي جبارين.
وفي كل الحالات -يضيف جبارين- فإن نتيناهو سيروج لأي نتيجة مقبلة في أي ملف على أنه انتصار مطلق له في هذه الحرب، بينما الانتصار المطلق الحقيقي بالنسبة له هو إطالة أمد الحرب، “لأنه يعتمد بالأساس على إستراتيجية اللاإستراتيجية”.
في الأخير، يظل التحدي الأكبر على المقاومة هو الوضع الإنساني الكارثي الذي يعيشه الفلسطينيون ومع ذلك فإن قبولها بما يريده نتنياهو وبايدن يعني قبولها بعودة الاحتلال والاستيطان مجددا للقطاع والتفريط في كل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وهو أمر غير وارد، برأي الحيلة.
أما من الناحية الميدانية، فإن الواقع يثبت تماسك المقاومة وقدرتها على مواصلة حرب استنزاف لن تكون إسرائيل قادرة على تحملها لفترة، وربما تدفعها للقبول باتفاق.