كشف الكاتب الألماني ستيفان كروزبرغر أن ألمانيا أثبتت أنها استفادت من دروس التاريخ عندما قررت تقديم دبابات “ليوبارد 2” (Leopard2) إلى أوكرانيا، في خطوة اعتبرت تغيرا نوعيا في السياسة الخارجية الألمانية التي لطالما ركزت على الحفاظ على العلاقة مع الروس مهما كانت الظروف.
وأوضح كروزبرغر، أستاذ التاريخ بجامعة روستوك بألمانيا، في حوار مع صحيفة “لوموند” (Le Monde) الفرنسية، أن القادة الذين حكموا ألمانيا حرصوا على التشبث بسياسة “الأوست بوليتيك” (Ostpolitik) التي دشنها وزير الخارجية (المستشار لاحقا) ويلي براند نهاية ستينيات القرن الماضي.
وتنص “الأوست بوليتيك” على ضرورة ربط علاقات سياسية واقتصادية وطيدة مع الاتحاد السوفياتي والجمهوريات المنضوية تحت لوائه، مهما كانت الظروف.
المبدأ
وشرح كروزبرغر أنه حتى عهد المستشارة أنجيلا ميركل، ظلت ألمانيا محافظة على هذا المبدأ، إذ ظلت محافظة على التوازن المطلوب في العلاقة مع روسيا لكن من دون إغضاب الغرب، وعدم الغرق مع الغرب في اختياراته لتفادي إغضاب روسيا.
وضرب على ذلك مثلا برفض المستشار السابق غيرهارد شرودر تأييد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وبتردد برلين كثيرا خلال بداية حرب روسيا على أوكرانيا في اتخاذ قرار حاسم بدعم كييف بالسلاح، وهو ما جعل كثيرين يتساءلون بتشكك “إلى أي جانب تقف ألمانيا؟”.
وما زاد من دقة موقف ألمانيا هو أن الغرب كان إلى حدود 1945 يرى فيها “قوة عظمى مثيرة للاضطراب”، وأعاد موقفها الغامض من تقديم الدعم لكييف إلى الأذهان تلك الصورة، مما كان يضغط على برلين للإسراع باتخاذ موقف أكثر وضوحا، حسب الكاتب الألماني.
ألمانيا اختارت
وأكد كروزبرغر أن تقديم برلين دبابات “ليوبارد 2” إلى كييف، ومساهمتها الفعالة في تعزيز الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، إلى جانب إقرارها استثمارات غير مسبوقة في مجال الدفاع، أثبت للجميع أنها اختارت معسكرها.
وزاد موضحا بأن الثقل الإستراتيجي لروسيا، ومواردها الاقتصادية الهائلة، تجعل من الصعب على ألمانيا تجاهلها، لكن من جانب آخر فإنه برغم صعوبة تصور إيجاد حل للأزمة الأوكرانية خاصة في عهد فلاديمير بوتين، يفيد درس التاريخ بأن القطيعة الكاملة لا يمكن أن تستمر إلى الأبد.
وقال إنه لا أحد كان يتصور عام 1945 أن الدول التي حاربت ألمانيا ستربط معها أي علاقات لاحقا، لكن ما حدث أنها صارت عضوا في حلف الناتو بعد 10 سنوات فقط من انتهاء الحرب.
وأضاف كروزبرغر -في حديثه لصحيفة لوموند- أنه “يمكن لمسار التاريخ أن ينعكس تماما ويغير وجهته بسرعة كبيرة وبشكل غير متوقع”.
سبب التردد
وكان رئيس تحرير صحيفة “دي فيلت” دانيال بومر قد أوضح للجزيرة أن سبب تردد ألمانيا في تزويد كييف بدبابات “ليوبارد 2” يرجع إلى خشيتها من التصعيد في حرب أوكرانيا، ومن انتقام روسيا التي قد تلجأ إلى استخدام السلاح النووي، وذكر أن حزب المستشار أولاف شولتز لطالما كان يؤيد المفاوضات مع روسيا وإبقاء خطوط الحوار معها.
وبيّن بومر أن اشتراط المستشار الألماني تزويد واشنطن كييف بدبابات “أبرامز” (Abrams) من أجل التزام بلاده بتزويد أوكرانيا بدبابات “ليوبارد 2” كان محاولة لتصعيب الأمر على الأميركيين أو اقتراح حل وسط حفظا لماء الوجه، في ظل الضغوط التي واجهتها برلين من شركائها.
وأكد الأميركيون -من جهتهم- أن دبابات “أبرامز” ليست مناسبة لأوكرانيا لأنها معقدة جدا وتحتاج كميات كبيرة من الوقود، وقد تكون من أحدث الأسلحة لدى أميركا ولا تريدها أن تقع في يد الروس.