منذ بدء حرب إسرائيل على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تنبّه الأردن مبكرا إلى مخططات تهجير فلسطينيي القطاع، وحذّر مرارا في تصريحات رسمية من أنها ستكون بمثابة “إعلان حرب” عليه.
ويرتبط الأردن وإسرائيل باتفاقية عام 1994، لكن عمان قررت في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2023 سحب سفيرها من تل أبيب احتجاجا على الحرب على غزة التي تتعرض لها منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بدعم أميركي لحرب همجية، أسفرت عن نحو 135 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال.
وفرض انتقال المشهد الخطير ذاته إلى مدن شمال الضفة الغربية المحتلة على عمّان تحركات أكثر لإجهاض مخططات إسرائيل، لا سيما مع تقارير عن أنها تستغل حربها على غزة لمصادرة مزيد من الأراضي في غور الأردن.
ومنتصف ليلة الأربعاء، اقتحمت قوات إسرائيلية كبيرة مدينتي جنين وطولكرم ومخيماتهما ومخيم الفارعة قرب طوباس شمال الضفة، ثم انسحبت فجر الخميس من مخيم الفارعة ومساء اليوم نفسه من طولكرم.
أما في جنين، فلا تزال العمليات العسكرية مستمرة، بل دفع الجيش الإسرائيلي بقوات مدرعة معززة بسلاح الجو إلى المدينة، ودهم أجزاء من مخيم جنين.
وجنوب الضفة، تعيش مدينة الخليل على وقع تشديدات عسكرية وإغلاقات منذ صباح الأحد، بعد تأكيد الشرطة الإسرائيلية مقتل 3 من ضباطها في إطلاق نار استهدف مركبة كانت تقلهم قرب معبر ترقوميا غرب المدينة.
وأسفرت عمليات الجيش الإسرائيلي شمال الضفة منذ الأربعاء وحتى مساء أمس الأحد عن استشهاد 30 فلسطينيا وإصابة عدد غير محدد، بالإضافة إلى تدمير واسع للبنية التحتية وتخريب لممتلكات الفلسطينيين.
وبالتزامن مع حربه على غزة، وسّع الجيش الإسرائيلي عملياته بالضفة وصعّد المستوطنون اعتداءاتهم، مما تسبب باستشهاد 682 فلسطينيا، بينهم 150 طفلا، وإصابة أكثر من 5 آلاف و600، واعتقال ما يزيد على 10 آلاف و400، وفق بيانات رسمية فلسطينية.
التصدي للتهجير
وصباح أمس الأحد، قال وزير خارجية الأردن، أيمن الصفدي، عبر منصة إكس إن الأردن سيتصدى لأي محاولة لتهجير الشعب الفلسطيني داخل أرضه المحتلة أو إلى خارجها بكل الإمكانات المتاحة، معتبرا أن كل ما تدعيه إسرائيل حول أسباب شن عدوانها على الضفة الغربية “كذب”.
وأكد الصفدي أن الأردن يرفض ما يزعمه وزراء إسرائيل “العنصريون المتطرفون الذين يختلقون الأخطار لتبرير قتلهم الفلسطينيين وتدمير مقدراتهم”، محذرا من أن الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية والجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني والتصعيد الإسرائيلي في المنطقة هم الخطر الأكبر على الأمن والسلم.
ويؤكد حديث الوزير الأردني أن الأردن لن يقف صامتا أمام احتمال تهجير فلسطينيي الضفة، لكن يبقى التساؤل الأهم عن ماهية الإجراءات التي يمكنه اتخاذها في مواجهة إسرائيل.
ووفق محلل وأكاديمي، في حديثين منفصلين لوكالة لأناضول، فإن لدى الأردن 4 خيارات لمواجهة التهجير المحتمل وهي: الحديث مع الولايات المتحدة عن مخاطره، وطرح إمكانية مراجعة اتفاقية السلام مع إسرائيل، وزيادة التصعيد الدبلوماسي والسياسي، والاستعداد عسكريا لأي حدث على الحدود.
تفكيك المخيمات
فمن جهته، قال المحلل الإستراتيجي عامر السبايلة للأناضول إن “خطر تفكيك المخيمات بالضفة الغربية حقيقي، وستكون له انعكاسات على الأردن بصورة مباشرة”.
وأوضح أن ما يجري في الضفة ستكون له انعكاسات أمنية وأخرى على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، بالإضافة إلى فتح ملفات سياسية شائكة، خاصة عند الحديث عن تفكيك مخيمات وخطة إسرائيلية لنقل سكانها، مما يعني أن الواقع الجغرافي الأردني قد يكون أمام تحدٍّ جديد، ويجب أخذ كل هذه الأمور بعين الاعتبار.
وأضاف أن الأردن شريك أساسي للولايات المتحدة الأميركية، “وبالتالي يمكنه الضغط باتجاه أن تدرك واشنطن خطورة هذا الأمور”، كما اعتبر أن ما يمكن فعله في ظل وجود اتفاقية سلام وتنسيق أمني هو “الحديث بصورة مباشرة مع الطرف الإسرائيلي في موضوع التداعيات التي يمكن أن تطال المملكة وتقييم مدى فائدة الأردن من الإبقاء على هذه الاتفاقيات”.
ورأى أن على الأردن أن يكون مستعدا داخليا لفترة طويلة من التصعيد وهزّات قادمة في الضفة الغربية قد تنعكس على المملكة، مشيرا إلى أن هذا يتطلب وجود حكومة قوية في الداخل الأردني، ووجود رواية رسمية محكمة للتواصل مع الداخل.
قنبلة ديموغرافية
أما أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الألمانية الأردنية (رسمية) بدر الماضي، فدعا إلى “محاولة إعادة فهم السلوك الإسرائيلي الذي تجلى بوضوح بعد الحرب على غزة”، وقال، في تصريح للأناضول، إن “التفكير الإستراتيجي الصهيوني طالما ركز على أن المشكلة الديموغرافية في فلسطين هي أزلية للأمن القومي لدولة الاحتلال”.
وتابع أن إسرائيل ترى أنه لا بد من العمل على التخلص من هذه المعضلة الديموغرافية من خلال الضغط على الدول المجاورة، وقد فشلت أو أُجلت إلى حد كبير جدا مع مصر، ورغم أنها لم تبدأ مع الضفة باتجاه الأردن، فإن تسارع الأحداث خلال الأيام الأخيرة بالضفة يؤكد أن التفكير الإسرائيلي لم يتغير، بحسب الماضي.
وأردف أن هذا التفكير “يتطور من أجل الخلاص من القنبلة الديموغرافية التي تعيق المخططات المستقبلية لهذا الكيان، لهذا هو يمارس ضغوطه معتمدا على الدعم الأوروبي والأميركي”.
واستطرد أن “هذا كله سيؤدي إلى إنتاج كثير من المعضلات الكبيرة للشعب الفلسطيني، وسيُترك في القطاع أو الضفة الغربية أمام خيارين: إما العيش في منطقة لا يمكن العيش فيها وإما الهجرة للتخلص من الخيار الأول، التي ستكون وجهتها الأولى الأردن”.
وبحسب أستاذ العلوم السياسية، فإن الأردن نبه منذ بداية الحرب على غزة إلى هذا الأمر، لكن صوته لم يجد صدى في المجتمع الدولي، وخاصة لدى الولايات المتحدة، معتبرا أن الخيار أمامه سيكون بزيادة وتيرة التصعيد الدبلوماسي والسياسي، ووضع الكثير من الخيارات على الطاولة، ليس أقلها بأن توصل عمان الرسالة بالاستعدادات العسكرية وغيرها لأي حدث محتمل على حدود المملكة.
ومن بين خيارات الأردن الأخرى، وفق الماضي، “أن يضع اتفاقية السلام مع تل أبيب على الطاولة من أجل المراجعة، وهذا قد يسهم في الضغط على الولايات المتحدة التي ترعى السلوك الإسرائيلي”.
وختم الماضي بالتحذير من أن الأردن مقبل على أيام صعبة، وعليه أن يغير من أدواته في إعادة التفكير في التعامل مع الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة التي لم تخف أجندتها تجاه الأردن والإقليم.