أقرت الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) أمس قرارا يدعو الحكومة إلى الاعتراف بما اعتبرته “مذابح ارتكبتها السلطات العثمانية ضد الآشوريين الكلدانيين” قبل نحو 109 أعوام، على أنها “إبادة جماعية”، بينما سارعت أنقرة للتنديد بالقرار واعتبرته “باطلا ولاغيا”، ويفتقد لأية أسس قانونية أو تاريخية.
وصوّت جميع النواب لمصلحة القرار -باستثناء أعضاء “حزب فرنسا الأبية” اليساري الذين امتنعوا عن التصويت- على القرار الذي لن يكون ملزما للحكومة، بشأن تلك الطائفة المسيحية.
وجاء في نص القرار: “بين عامي 1915 و1918، تعرض السكان الآشوريون في شمال بلاد ما بين النهرين (المناطق الجنوبية الشرقية من تركيا الحالية والمنطقة الشمالية الغربية من إيران) للذبح والتهجير القسري على يد القوات العثمانية والأكراد”، وتطرق أيضا إلى ما اعتبره “تحولا قسريا إلى الإسلام نظمه “النظام العثماني”.
ويدعو القرار الحكومة إلى الاعتراف رسميا بأن “الإبادة الجماعية، والترحيل، وقمع التراث الثقافي لأكثر من 250 ألف آشوري كلداني لها طابع إبادة جماعية” داعيا الحكومة أيضا إلى “إدانة هذه “الإبادة الجماعية” وفق وصفه.
وقدم القرار رئيس كتلة النهضة (الغالبية الرئاسية) سيلفان مايار، تلبية لطلب متكرر من هذه الطائفة بشأن هذا الاعتراف، على غرار “الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن”.
وشارك في التوقيع عليه نواب من المعارضة خصوصا في صفوف الجمهوريين (يمين) وهو مُشابه لنص اعتمده مجلس الشيوخ الفرنسي بغالبية كبرى في فبراير/شباط عام 2023.
وورد في نص القرار: “في حين أن الإبادة الجماعية للأرمن معترف بها من جانب كثير من الدول والمنظمات الدولية، على أنها واحدة من عمليات الإبادة الجماعية الأربع المقبولة رسميا في الأمم المتحدة، وتحيي فرنسا ذكراها في 24 أبريل/نيسان من كل عام؛ فإن مذبحة الآشوريين تعاني عدم الاعتراف بها على أنها إبادة جماعية”.
تركيا تندد
وعقب تصويت البرلمان الفرنسي على القرار سارعت أنقرة للتنديد بالقرار واعتبرته “اتهامات ليس لها أساس قانوني وتاريخي”، مؤكدة أن القرار “باطل ولاغ”.
وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان لها إن “البرلمانات ليست لديها أي سلطة لتفسير التاريخ، أو إصدار حكم عليه”، مضيفة أن النص “يشوّه أحداثا تاريخية باسم مصالح سياسية”.
مساندة غربية
ويبدو أن ثمة أصوات غربية تساند تلك المساعي التي أفرزت قرار البرلمان الفرنس. وقالت صحيفة “لاكروا” الفرنسة الكاثوليكية الفرنسية في تقرير لها: “لطالما اعتبر أفراد المجتمعات الآشورية الكلدانية، وغيرها من الطوائف الآشورية خونة في الإمبراطورية العثمانية، خلال الحرب العالمية الأولى، لا سيما بسبب معتقدهم المسيحي الذي كانوا يتقاسمونه مع أعداء الإمبراطورية الروس”.
يذكر أن الآشوريين مجموعة عرقية عاشت في المقام الأول في مناطق من إيران، والعراق، وسوريا، وتركيا، التي تعود جذورها إلى الإمبراطورية الآشورية التي حكمت بلاد ما بين النهرين قبل ظهور المسيحية بقرون طويلة.
ويقدر عدد السكان الآشوريين في جميع أنحاء العالم ما بين 3 و5 ملايين نسمة، مع وجود مجتمعات كبيرة في إيران والعراق وسوريا وتركيا. وتشمل المكونات الأساسية للهوية الآشورية الحديثة لغة وثقافة متميزة عن تلك الخاصة بالشعوب المجاورة، بما في ذلك العرب والفرس والأكراد والأذر.
ويتحدث العديد من الآشوريين اللغة الآرامية، التي تم التحدث بها في منطقة بلاد ما بين النهرين بشكل مستمر منذ حوالي 3 آلاف سنة.
وتشير الموسوعة البريطانية إلى الانقسامات الطائفية بين المجتمعات الآشورية، بما في ذلك كنيسة المشرق الآشورية، والكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، والكنيسة السريانية الأرثوذكسية، والكنيسة السريانية الكاثوليكية، والتقاليد المسيحية البروتستانتية.