دفع غياب الرئيسين الأميركي جو بايدن والصيني شي جين بينغ، عن قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) المنعقدة بالعاصمة الإندونيسية جاكرتا، إلى تجدد النقاش حول جدوى الرابطة، وأهميتها الإستراتيجية لواشنطن في ظل تنافسها المتصاعد مع بكين.
وأكدت كامالا هاريس نائبة الرئيس والتي تترأس الوفد الأميركي للقمة التزام بلادها الدائم تجاه جنوب شرق آسيا. وعلى نطاق أوسع، تجاه منطقة المحيطين الهندي والهادي فـ “نحن نفتخر بكوننا دولة تطل على المحيط الهادي، وللشعب الأميركي مصلحة عميقة في مستقبل منطقة المحيطين الهندي والهادي”.
وأثار غياب بايدن تساؤلات حول جدوى مشاركة واشنطن بالمنطقة، في حين تعمل الصين على زيادة نفوذها كمستثمر رئيسي في مشاريع البنية التحتية.
ومع ذلك، تواجه الرابطة عددا من التحديات الأمنية مع الصين خاصة فيما يتعلق بـ بحر جنوب الصين، حيث تطالب بكين بمعظم المياه لنفسها على الرغم من المطالبات المتداخلة مع بعض دول جنوب شرق آسيا.
مواقف وحرص
وفي حديثها مع الجزيرة نت، أشارت صون يون خبيرة العلاقات الصينية الأميركية بمركز “ستيمسون” إلى أن كلا من “الولايات المتحدة والصين حريصتان على مواءمة المواقف مع الدول الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا”.
وأضافت: لم يكن العمل مع رابطة أمم جنوب شرق آسيا كمجموعة سهلا، أو مثمرا كما يود البعض أن يكون، آسيان كمجموعة مهمة، ولهذا السبب لا تستطيع واشنطن ولا بكين إهمالها، لكن كلا منهما واقعي بفهمه لقدرات وحدود هذه الرابطة.
وقبل انعقاد قمة الرابطة، كشفت الصين عن خريطة إقليمية جديدة، تتضمن “خط النقاط التسع” المثير للجدل، وهو ادعاء يشمل تقريبا كل المياه المتنازع عليها في بحر جنوب الصين، وهو ما تم إبطاله لاحقا في محكمة العدل الدولية. ومن بين أعضاء آسيان، احتجت ماليزيا والفلبين وفيتنام على الخريطة الصينية الجديدة.
وقال رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ، في كلمته أمام القمة أمس، إنه من المهم تجنب “حرب باردة جديدة” عند التعامل مع الصراعات بين الدول. وأوضح أن “الدول بحاجة إلى التعامل بشكل مناسب مع الخلافات والنزاعات. وفي الوقت الحالي، من المهم للغاية معارضة الانحياز إلى أحد الجانبين ومواجهة التكتلات وحرب باردة جديدة”.
التزام وشكوك
وخلال إفادة صحفية أمس، أكد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي أن بلاده لن تخجل من الحديث عن “مسؤولياتنا كقوة في المحيط الهادي، هناك خمسة من تحالفاتنا العسكرية السبعة بمنطقة المحيطين الهندي والهادي، وبالتالي ستؤكد نائبة الرئيس أن الولايات المتحدة تأخذ هذه المسؤوليات على محمل الجد”.
من ناحية أخرى، صدم غياب الرئيس بايدن عن الاجتماعات إندونيسيا، الدولة المنظمة، خاصة وأنه سيحضر قمة العشرين بالهند في وقت لاحق هذا الأسبوع تليها زيارة دولة إلى فيتنام.
وفي حديث مع الجزيرة نت، اعتبر باتريك كرونين رئيس برنامج أمن آسيا والمحيط الهادي بمعهد “هدسون” والمسؤول السابق بالدفاع والخارجية الأميركيتين أن رابطة دول جنوب شرق آسيا مهمة للغاية للمنطقة ومصالح الولايات المتحدة “فهذه الرابطة تساعد على تعزيز الاستقرار والاتصال بين دول آسيان، وتوفر القمة فرصة مناسبة لإجراء حوارات مؤسسية تركز على مصالح رابطة آسيان”.
وأشار كرونين إلى أن “التنافس بين الولايات المتحدة والصين يساهم في تفسير الأهمية العامة لمنطقة آسيا والمحيط الهادي، ومنطقة المحيطين الهندي والهادي، بما في ذلك رابطة دول آسيان، ولكن أهمية آسيان لواشنطن تنبع من تركيزها على العلاقات الثنائية القوية مع عدد من دول الرابطة”.
وتابع المتحدث القول: سنغافورة ركيزة للاستقرار، ونفوذ إندونيسيا المتزايد سينمي المصالح الأميركية بمرور الوقت، كما تمت إعادة تنشيط التحالف مع الفلبين بعهد الرئيس ماركوس جونيور، ومن المتوقع أن ترتقي العلاقات بين الولايات المتحدة وفيتنام قريبا إلى شراكة إستراتيجية شاملة.
أهمية وحدود
وفي حديث للجزيرة نت، أشار خبير الشؤون الآسيوية بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي جوشوا كورلانتزيك إلى أن “منطقة جنوب شرق آسيا مهمة، لكن رابطة آسيان مهمشة تماما، وليس لها أهمية كبيرة. لقد تجاهلت الولايات المتحدة في أغلب الأحيان آسيان مع استثناءات قليلة ولا يوجد دليل على التغيير، وغياب بايدن يعد دليلا كافيا على ذلك”.
وتأسست هذه الرابطة في أغسطس/آب 1967، وتوسعت لتضم 10 دول جنوب شرق آسيا. ولم تنضم الصين للرابطة، وكذلك اليابان وكوريا الجنوبية والشمالية.
وتلتزم رابطة أمم جنوب شرق آسيا بصنع القرار القائم على توافق الآراء، وعدم الانحياز وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى.
ويقول المراقبون إن هذه المبادئ تساهم بعدم فعاليتها في معالجة القضايا الجيوسياسية الهامة التي تواجهها، وعلى رأسها نزاعات بحر جنوب الصين، والأزمة في ميانمار، والحرب على أوكرانيا.
وترى خبيرة العلاقات الصينية الأميركية بمركز “ستيمسون” أن رابطة أمم جنوب شرق آسيا أكدت مركزيتها بالشؤون الإقليمية، ولكن الرابطة كمجموعة تعاني بشكل متزايد من الخلافات الداخلية وعدم القدرة على التوصل لتوافق في الآراء.
وتعد قضيتا ميانمار وبحر جنوب الصين مثالين جيدين على ذلك، فعلى الرغم من المخاوف الواسعة في المنطقة، لم تتمكن رابطة دول جنوب شرق آسيا كمنظمة من التوصل إلى توافق في الآراء أو إجراءات جماعية لمعالجة هذه القضايا.
في حين يرى بعض الخبراء أنه يجب التذكير بأن رابطة آسيان حافظت على السلام بين أعضائها لعشرات السنين، ولم تعرف أي نزاعات عسكرية بين أعضائها على مدار أكثر من نصف قرن.