الهروب من الفقر والبطالة وتحقيق الاستقرار في أوروبا، حلم يراود ملايين الشباب في العالم العربي والأفريقي والأمريكي الجنوبي، خصوصا في الدول التي تشهد نسب بطالة كبيرة. لذلك لجأ الشباب إلى زواج بلونين، فما هما؟ ولماذا يُلجأ لهما؟
هناك نوعان من الزواج متعارف عليهما لمن يريد القدوم والعيش في أوروبا، فالأول يدعى “الزواج الأبيض” وهو عبارة عن اتفاق بين الطرفين يقضي بدفع الوافد إلى أوروبا للمقيم فيها أو حامل الأوراق مالا مقابل العيش بشكل قانوني، أما النوع الآخر فهو “الزواج الرمادي” وهو أن لا يكون هناك اتفاق بين الطرفين، ولكن أحدهما يخطط لزواج مصلحة ينتهي بعد أن يحصل الوافد إلى أوروبا على أوراق الإقامة.
وعن هذا الموضوع تقول الباحثة نوال بن سعيد: هناك ممارسات تحايل على سياسة الهجرة، لأن دولا أوروبية وفي مقدمتها بلجيكا لديها سياسات هجرة صعبة، وبالتالي لم يعد ممكنا اليوم الدخول إلى أوروبا إلا عن طريق لمّ الشّمل الأسري.
يعرض فيلم “زواج بلونين” الذي أنتجته قناة الجزيرة الوثائقية قصصا مختلفة لحالات من العالم العربي وأفريقيا وأمريكا الجنوبية مرورا بتجارب وانخرطوا بزواج اللونين للوصول إلى القارة العجوز والعيش فيها.
أمل الاستقرار المتلاشي.. عبودية القانون البلجيكي
كانت البداية مع سيدة جزائرية -رفضت الكشف عن اسمها- تقول إنها كانت تملك عملا ومنزلا في بلادها وأمورها تسير بشكل طبيعي، وأضافت أنه “تقدم لها أحد الأشخاص -يحمل الجنسية البلجيكية- للزواج بها، فوافقت على أمل البدء بحياة جديدة وتكوين أسرة وتحقيق الاستقرار العائلي والاجتماعي”.
وتقول إن المشاكل بدأت مع زوجها عندما أخبرها أنه لا يريد إنجاب الأطفال، ورفض أن تعمل أو تغادر المنزل، فكنت جاهلة في قوانين الأسرة ببلجيكا ولم تكن تعلم ما يجب عليها أن تفعله، وبعد فترة طردها من المنزل دون تفسيرات أو مبررات لهذه الخطوة، ووصلت معه الأمور حد قوله إنها لا تعجبه، وعليها العودة إلى الجزائر.
وبعد طردها حاولت السيدة الجزائرية البحث عن عمل وتقديم طلبات في مكاتب التوظيف ولكن دون نتيجة، ولكي تمنح أوراق إقامة عمل يجب أن تجد عملا بدوام كامل وهو غير متوفر. تقول: أحتاج أن أمضي 5 سنوات مع زوجي -دون طلاق- للحصول على الجنسية البلجيكية، لتحويل إقامة لم الشمل الأسري إلى إقامة عمل، وهذا قانون مجحف.
تقول المحامية البلجيكية “آن ديكورتيس”: هناك نوع من المتاجرة في هذه المواضيع، إذ كان عدد من البلجيكيين في بروكسل يقيمون علاقات وهمية مع النساء، ومن بينهم رجل أقام 18 علاقة وهمية وغير قانونية، وكان يعترف بأبوته لأطفال من نساء مختلفات حتى يُمكن تلك النسوة من الحصول على الأوراق القانونية، وكان يتقاضى أجرا مقابل هذه الأفعال.
زواج أناني في المغرب.. جسر العبور إلى أوروبا
من السيدة الجزائرية إلى رجل مغربي، ولد في المغرب وقدم إلى إسبانيا مع والده، عندما كان يبلغ من العمر 11 عاما وعاش فيها 20 عاما قبل أن ينتقل لبلجيكا عام 2011 بحثا عن فرصة عمل أفضل، وعندما بلغ 35 عاما قرر الزواج ووقع خياره على امرأة مغربية تعرف عليها عبر أحد “مواقع التعارف”.
يقول: في غضون 8 أشهر من الأحاديث، قررت السفر إلى المغرب للتعرف عليها وعلى أهلها، وعندما وصلت هناك استقبلتني وقدمتني لوالديها وعائلتها، كنت مرتاحا معها وقررت الزواج بها، وبعد توقيع العقد عدت إلى بلجيكا من أجل البدء في إجراءات لمّ الشّمل الأسري، ووافقت الدولة البلجيكية ومنحتنا حق لم الشمل.
وواصل أنه “بعد شهر من قدومها إلى بلجيكا لاحظت أنها لم تكن مرتاحة في المنزل، فكانت دائما بعيدة عني وغالبا ما تكون منشغلة بهاتفها، كانت دائما منعزلة عني ولم تكن تريد الحديث إلي، وتتحدث معي بالحد الأدنى وتعزل نفسها في غرفتها طوال الوقت، وكنت أسألها ما الذي حدث؟ ولماذا تغيرت ولم تعد مثلما كانت في المغرب؟ كنت أظن أنها تحبني ولكنها مشاعرها سرعان ما تبخرت، ذهبت بعد ذلك إلى أبي وأختي وبقيت أشهرا عندهما.
وختم بقوله: في نهاية الأمر، فهمت لماذا غادرت عش الزوجية، فقد أرادت تجهيز ملفها والذهاب لزيارة الأطباء النفسيين بمفردها، والجمعيات التي تساعد السيدات اللاتي تعرضن لسوء المعاملة، وكانت تريد اتهامي بسوء معاملتها وتصوير نفسها على أنها كانت ضحية للعنف الذي مارسته ضدها، هذا يعني أنها قبلت الزواج مني للوصول إلى أوروبا، وكانت تعتبرني جسرا وصلت عبره إلى بلجيكا، ولكنني كسبت الدعوى التي رفعتها ضدي واستطعت إثبات أنها ادعت كل هذه التهم، وخالفت القوانين البلجيكية طمعا في الأوراق فقط.
ضحايا الزواج الرمادي.. أشواك الهجرة
تشرح الباحثة نوال بن سعيد تداعيات “الزواج الرمادي”، وتقول: في هذا الزواج لدينا ضحية تعرضت للخداع من الطرف الآخر، وهذه الحالات إنسانية في المقام الأول، وهي تجارب حزينة ومؤلمة ووضعيات تستمر لسنوات طويلة.
وفي السياق تقول خديجة بزلمود رئيسة جمعية “ديمقراطي+” التي تُعنى بمساعدة الأشخاص الذين لديهم مشاكل في موضوع طلبات الجنسية وتسوية الإقامات والحصول على اللجوء السياسي: هناك من يقول إن معظم ضحايا “الزواج الرمادي” هم من النساء، لكن ذلك غير صحيح، فهناك عدد كبير من الرجال يمرون بهذه المشكلة، وقد استقبلت شخصيا عددا منهم، وهم يعيشون نفس الأزمة التي تختبرها النساء، حاليا هناك عدد كبير من الرجال والنساء يعودون إلى بلدانهم الأصلية ويجدون شخصا يريدون الارتباط به، وبعد حفل الزواج ولم الشمل في بلجيكا يكتشف أحد الطرفين أن الآخر ليس الشخص المناسب، ومن هنا تبدأ المشاكل ورفع الدعاوى المتبادلة لتخلص كل منهما من الآخر.
حب في تونس.. تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
وفي إحدى الحالات التي يعرضها الفيلم، تقول امرأة بلجيكية: زرت مدينة الحمامات التونسية في سبتمبر/أيلول عام 2014 لمدة أسبوعين تعرفت فيهما على عدد من الأشخاص بينهم شاب تونسي أصبح زوجي فيما بعد، ترددت في البداية ثم قررت قبول الزواج، فعدت إلى بلجيكا وبعت أغراضي ثم سافرت للعيش معه في تونس، وبعد حفل الزواج وقبوله في السفارة البلجيكية بتونس والتحضير للقدوم إلى بلجيكا حصلت عملية إرهابية في يوليو/تموز 2015 فتعقدت إجراءات لم الشمل واستصدار التأشيرات، لأجد نفسي مضطرة أنا وزوجي للدخول إلى بلجيكا بطريقة غير مشروعة عبر صربيا، ثم اجتياز طريق البلقان سيرا على الأقدام أملا في أن يدخل زوجي بلجيكا ثم نبحث عن تسوية، وبعد أيام من وصوله إلى بلجيكا هجرني وقرر مغادرة المنزل والذهاب إلى سيدة تكبره بـ33 عاما.
بعد 15 يوما عاد إلى المنزل معتذرا، وبرر الأمر بأنه ارتكب خطأ وكان تائها، وقد اعتقدت حينها أنه كان يرزح تحت ضغوط نفسية وأنه لم يكن مستقرا ولهذا استقبلته مجددا، وكان لهما شقة خاصة يعتنيان بها سوية، وبدا أن الأمور تسير بشكل جيد، حتى بدأ بشرب الخمر، حينها تركته في الشقة وحيدا ومكثت عند عائلتها أسبوعين، وهناك علمت أنها حامل، وبعد 4 أشهر من ولادة ابنها قررت تقديم طلب لم الشمل حتى يتمكن من الحصول على الأوراق الرسمية، وقد حصل بالفعل على إقامة لمدة 6 أشهر، وهي تعطيه حق العيش في بلجيكا بشكل قانوني حتى تنتهي إجراءات لم الشمل، ولكن بمجرد حصوله على بطاقة الإقامة تغير سلوكه مرة أخرى.
تقول الزوجة: في أحد الأيام بدأ بشرب الخمر أمام طفله ثم صفعني وضربني، لذا اتصلت بالشرطة فقدمت واعتقلته وسجنته، ورغم ذلك رفضت أن أرفع دعوى ترحيل ضده وساعدته حتى يأخذ الإقامة الدائمة، لكن منعته من رؤية طفله وطلبت منه اللجوء إلى القضاء في حال أراد رؤيته.
إسبانيا التي تشبهنا.. قبلة المهاجر الأمريكي
ينتقل الفيلم من بلجيكا إلى الديار الإسبانية، حيث يفضل المهاجرون القادمون من أمريكا الجنوبية القدوم إليها بسبب اللغة والأكل والعادات والتقاليد والثقافة المشتركة.
وعن الرحلة الشاقة والمكلفة تقول امرأة قادمة من أمريكا الجنوبية: إن قرار الهجرة يحتاج لتفكير عميق وحاسم، فالمسافة طويلة جدا وعلى من يتخذ القرار خوض غمارها بالتفاصيل، كلفتني تذكرة السفر 1400 يورو وجلبت معي 1000 يورو، ناهيك عن المشقة بسبب طول ساعات السفر وعدد مرات توقف الطائرات والانتقال من مطار لآخر، فأنا قدمت من بنما وتوقفت في باريس، ثم أكملت الرحلة إلى مالقة حتى وصلت إلى غرناطة.
وتتابع: الأمر الصعب هنا هو انتظار 3 سنوات للحصول على الإقامة الدائمة، وقد نصحنا بعدم وضع ثقتنا في أي شخص خلال فرصة البحث عن “زواج أبيض” أو بالاتفاق، لأن كثيرا منهم يستغل الفرصة للاستيلاء على الأموال.
وتشرح السيدة الثانية القادمة من “كوستاريكا” أجواء المقابلة للحصول على الإقامة في إسبانيا، فتقول: يتوقع أعضاء اللجنة أن الشخص المتقدم للحصول على الأوراق متوتر، فعليك أن لا تنظر للأرض وتبقى دائم النظر للوجوه دون قلق، وتعلمنا من الذين سبقونا أن لا نخاف، وحمدا لله على فرصة الوصول إلى إسبانيا.
وعن الوضع في إسبانيا تقول المحامية نسرين الحشلاف: تختلف وضعية المهاجرين بشكل كبير في إسبانيا، وهو أمر يعود بالأساس لطريقة الدخول إلى البلاد فنجد من دخل متسللا ومن دخل بتأشيرة سياحية ومن ملأ استمارة طلب الإقامة في البلاد، فمثلا كل شخص أمضى في إسبانيا ثلاث سنوات بطريقة غير شرعية يحق له التقدم للحصول على أوراق الإقامة أو ما يسمى “أوراق الظرف الاستثنائي”.
“هل يحبني لذاتي أو لأنني من أوروبا؟”.. نصائح الأمان
يستعرض الفيلم في النهاية نصائح يقدمها من مر بالتجربة وعانى من تداعياتها، فيقول الشاب المغربي الذي تزوج من سيدة مغربية أرادت تركه عندما وصلت إلى بلجيكا: أعدت بناء حياتي وأنا أروي قصتي حتى يتعظ الناس ولا يثقوا بمواقع التعارف على الإنترنت وتطبيقاتها على الهاتف، فنحن لا نعلم شخصية الرجل أو المرأة خلف شاشة الكومبيوتر أو الهاتف الذكي.
أما المرأة البلجيكية فتذهب أكثر من ذلك وتطلب أن تكون هناك فترة تعارف وود متبادل قبل الزواج، “ففي حالتي لم يكن الأمر كذلك، بل كنت مفتونة بالبلد (تونس) والمناظر الطبيعية والثقافة الجديدة، لا يجب أن ننطلق من النيات الحسنة، وعلى أي امرأة يطلب منها أحدهم الزواج التفكير أكثر من مرة في هذا الطلب، وتسأل نفسها سؤالا مهما جدا: هل يحبني لذاتي أو لأنني من أوروبا؟”.
وتقول عالمة الاجتماع “فابيان بريون”: بإمكاننا تفهم أن هؤلاء يستغلون مؤسسات الزواج من أجل الدخول إلى أوروبا، لأن ذلك يمثل إحدى قنوات الهجرة الأقل خطورة من عبور البحر بزورق مطاطي.