جوهانسبرغ، جنوب أفريقيا– يبرز الرئيس السابق جاكوب زوما بوصفه أكبر منتصر في الانتخابات العامة في جنوب أفريقيا، حيث يبدو أن حزبه المنشق الجديد “أومكونتو وي سيزوي” (إم كيه) يستعد لتحقيق مكاسب كبيرة على حساب حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم في البلاد.
ومع فرز أكثر من 97% من الأصوات، بدا أن زوما على وشك الاستيلاء على السلطة في كوازولو ناتال، ليتقدم بشكل مريح في مقاطعة لم يخسر فيها حزب المؤتمر الوطني الأفريقي من قبل، منذ أول انتخابات بعد الفصل العنصري عام 1994.
فقد احتل حزب زوما المركز الثالث بنسبة 15% تقريبا من الأصوات، خلف حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الذي حصل على نحو 40% من الأصوات وحزب المعارضة الرئيسي، التحالف الديمقراطي (21%).
ترسم الأصوات -التي تم فرزها حتى الآن- صورة واضحة لفوز حزب زوما بأجزاء من الدعم التقليدي لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي في معاقله. وبالإضافة إلى كوازولو ناتال وكيب الغربية ، حيث بدا أن الحزب الديمقراطي مستعد للعودة إلى السلطة بأغلبية واضحة، فقد تعرض حزب المؤتمر الوطني الأفريقي أيضا لضربة قوية في مقاطعة جوتنغ، حيث لا يتمتع بأغلبية كبيرة.
على مدى اليومين الماضيين، تعززت هذه الاتجاهات، وإذا استمرت، فسوف يحتاج حزب المؤتمر الوطني الأفريقي -للمرة الأولى منذ 30 عاما- إلى مناشدة بعض أحزاب المعارضة لدعمه في حكومة ائتلافية وطنية إذا كان يريد البقاء في السلطة.
وسيتعين عليه أيضا أن يفعل الشيء نفسه للبقاء في السلطة في مقاطعات مثل جوتنغ. وقال المحلل سيزوي مبوفو والش إن هذه النتائج تشير إلى “انتهاء هيمنة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي. هناك قدر كبير من الأمل، كما ينبغي أن يكون هناك خوف. الناس قلقون وغير متأكدين مما سيحدث”، وأضاف أنه “سيفتح آفاقا جديدة للتغيير وسبلا جديدة للمساءلة”.
وقال مبوفو والش إن الخسارة الانتخابية لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي كانت مزيجا من الغطرسة وإنكار إخفاقاتهم. في حين قال المحلل السياسي المستقل سانديل سوانا إن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي انضم إلى حركات التحرير الأخرى التي عوقبت لفشلها في تحقيق أهدافها.
وأضاف أن “حزب سوابو في ناميبيا، وحزب زانو الجبهة الوطنية في زيمبابوي، وحزب المؤتمر الوطني الأفريقي في جنوب أفريقيا، في القارب نفسه”، في إشارة إلى الأحزاب التي قادت حركات الاستقلال في ناميبيا وزيمبابوي على التوالي.
وقال عمران بوكوس، الأكاديمي والباحث في معهد أوال للبحوث الاجتماعية والاقتصادية، إن نتائج الانتخابات تشير إلى انهيار حزب المؤتمر الوطني الأفريقي. وأضاف أن “هذا يتوافق مع ما حدث لحركات التحرر في جميع أنحاء أفريقيا. هناك أمثلة في زامبيا وكينيا”. وأشار بوكوس إلى أن مزيجا من إخفاقات حزب المؤتمر الوطني الأفريقي والاقتصاد غير المتكافئ أدى إلى نتيجة الانتخابات هذه.
ووفقا للبنك الدولي، فإن 55% من سكان جنوب أفريقيا يعيشون في فقر. وقد اتسمت السنوات الـ30 التي قضاها حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في السلطة بتفاقم البطالة التي تبلغ حاليا 33%. كما أن الفساد المنهجي وعدم كفاءة الحكومة، مما أدى إلى تدهور الظروف المعيشية، من بين القضايا التي تواجه مواطني جنوب أفريقيا.
دور زوما
وتشير توقعات الانتخابات إلى أنه في حين شهد حزب المؤتمر الوطني الأفريقي خسارة هائلة في الدعم، فإن أحزاب المعارضة الأخرى لم تتمكن من الاستفادة من ذلك.
ومع توحيد النتائج، أظهر التحالف الديمقراطي المعارض مكاسب هامشية. وقال زعيمه جون ستينهاوزن للصحفيين -أمس الجمعة- إنه سعيد بنمو حزبه. وقال عندما سئل عن الزيادة الطفيفة في الدعم الذي حصل عليه حزبه “النمو هو النمو”. وحصل على 21% من الأصوات والمقاعد في انتخابات 2019. وفي الوقت نفسه، يبدو أن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي ليس هو الوحيد الذي خسر ناخبيه لصالح حزب زوما، فقد انخفضت أعداد المناضلين من أجل الحرية الاقتصادية اليساريين أيضا.
وقد اجتذب حزب “إم كيه” الدعم في جميع أنحاء مقاطعة كوازولو ناتال، مسقط رأس زوما، واجتذب الناخبين في المناطق الريفية والحضرية، وكذلك في مناطق في مقاطعتي جوتنغ ومبومالانغا.
وزوما أحد أنصار الحركة المناهضة للفصل العنصري، وتم عزله من منصبه الرئاسي عام 2018 وسط سحابة من مزاعم الفساد، وهو شخصية شعبية بين عديد من مواطني جنوب أفريقيا، واعتمد على سياسات شعبوية لجذب الأصوات.
خلال الحملة الانتخابية، أرجع كفاح جنوب أفريقيا إلى “رأس المال الاحتكاري الأبيض”، وجعل خليفته سيريل رامافوزا “عميلا لرأس المال”. كما انتقد حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بسبب إخفاقاته من دون أن يعترف بأنه كان رئيسا للحزب لمدة 10 سنوات ونائبا للرئيس لمدة مماثلة. وقدم زوما وعودا جريئة بإنهاء البطالة والفقر.
ونفى زوما ارتكاب أي مخالفات، ووصف نفسه بأنه ضحية القضاء. ويمتلك الرئيس السابق سجلا إجراميا بتهمة ازدراء المحكمة، ونتيجة لذلك، تم سجنه في يوليو/تموز 2021. وقال سوانا إن فضائح زوما لم تعرقل دعمه. وأضاف أن “زوما تمكن من تصوير نفسه على أنه ضحية يضطهدها الجميع”.
من جانبه، اعترف رئيس حزب المؤتمر الوطني الأفريقي جويدي ماناتشي بأنه فوجئ بأداء حزب زوما في كوازولو ناتال، واعترف بأن أداء حزب المؤتمر الوطني الأفريقي كان سيئا في استطلاعات هذا العام. ومع ذلك، أرجع دعم زوما إلى القومية العرقية، زاعما أن زوما ناشد سكان الزولو في الإقليم، الذين يشترك معهم في الهوية القبلية، لحشد الدعم.
لكن سوانا قال إن دعم زوما تجاوز سياسات الهوية، وأوضح أن “زوما محبوب من الناس في كوازولو ناتال”، وعزا ذلك إلى الدور الذي لعبه في التفاوض على إنهاء أعمال العنف التي أعقبت الفصل العنصري بين أغلبية سكان الزولو في ذلك الإقليم. وأشار إلى كيف أدى دخول زوما إلى حزب “إم كيه” إلى كسر حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بشكل فعال، مع عبور عديد من قادة الحزب وأنصاره أيضا إلى المنزل السياسي الجديد للرئيس السابق. وقال إن هذا الانقسام الداخلي كلف حزب المؤتمر الوطني الأفريقي تكلفة كبيرة.
وقال بوكوس إن استخدام زوما للسياسات والخطابات الشعبوية، ونجاحه في تلك الإستراتيجية، يتماشى مع الاتجاه العالمي لدعم القادة الشعبويين، مستشهدا بالرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو والرئيس الفلبيني السابق رودريغو دوتيرتي كأمثلة.
وقال “في ظل إخفاقات حكومة المؤتمر الوطني الأفريقي، يبحث الناس عن بدائل. لقد رأينا أمثلة مثل هذه في جميع أنحاء العالم”.
من يشكل الحكومة المقبلة؟
وبينما من المتوقع أن تعلن لجنة الانتخابات النتائج النهائية غدا الأحد، فقد بدأ حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بالفعل محادثات غير رسمية مع شركاء محتملين في الائتلاف.
وقال مانتاشي من حزب المؤتمر الوطني الأفريقي إن الحزب لم يخطط لهذه النتيجة، قائلا إن “الائتلافات هي نتيجة، أنت لا تخطط للعواقب”. ومع ذلك، استبعد حزب زوما تشكيل ائتلاف مع حزب المؤتمر الوطني الأفريقي.
وظلت أحزاب المعارضة الأخرى متكتمة بشأن إذا ما كانت ستفكر في إجراء محادثات مع المؤتمر الوطني الأفريقي، قائلة إنها ستنتظر إعلان النتائج النهائية أولا. وبموجب القانون، يجب انتخاب الرئيس خلال 14 يوما بعد إعلان نتائج الانتخابات من قبل اللجنة الانتخابية.
وقال مبوفو والش إن التضاريس السياسية في جنوب أفريقيا من المتوقع أن تكون “صاخبة وغير مستقرة”، لكنه قال إن العواقب الكاملة لتراجع دعم حزب المؤتمر الوطني الأفريقي ستظهر في الوقت المناسب.