أثار إعلان الحكومة السورية موافقتها على استخدام الأمم المتحدة معبر باب الهوى من أجل إيصال مساعدات حيوية إلى شمال غرب البلاد، خشية منظمات إنسانية وحقوقية بعد إخفاق مجلس الأمن في تمديد العمل بآلية مطبقة منذ سنوات. وتنبه هذه المنظمات إلى مخاطر مترتبة على السماح لدمشق بوضع يدها على إدخال المساعدات، خشية تسييسها وحرمان المحتاجين منها.
وشددت لجنة الإنقاذ الدولية -وهي من كبرى المنظمات العاملة في إدلب والمناصرة لتمديد العمل بآلية المساعدات عبر الحدود- على مسؤولية مجلس الأمن في “حماية السوريين أينما كانوا، وضمان عدم تعريض الأرواح للخطر”.
ونبّهت منظمة “ميد غلوبال” التي تدير عيادات ومستشفيات وبرامج تلقيح في إدلب إلى أن “نقل السيطرة على باب الهوى، الذي يتدفق عبره الغذاء والدواء وحليب الأطفال.. من طرف محايد (الأمم المتحدة)، إلى نظام ذبح شعبه وشرد نصف عدد السكان، سيؤدي إلى مزيد من الموت والمعاناة بين المدنيين الأبرياء وسيطلق أزمة لاجئين” جديدة.
وقرابة نصف المقيمين خارج سيطرة دمشق في إدلب ومحيطها هم نازحون بفعل المعارك منذ اندلاع النزاع المدمر الذي أودى منذ 2011 بأكثر من نصف مليون شخص.
وتدخل مساعدات الأمم المتحدة إلى شمال غرب سوريا بشكل رئيسي عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا بموجب القرار (2672) الصادر من مجلس الأمن الدولي، الذي يتيح إيصال الدعم الإنساني من دون موافقة دمشق.
وبعد الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا في فبراير/شباط، وافقت دمشق على فتح معبرين حدوديين آخرين مع تركيا لفترة مؤقتة تنتهي في أغسطس/آب.
لكن مجلس الأمن أخفق الثلاثاء الماضي في الاتّفاق على تمديد الآلية الرئيسية بإدخال المساعدات عبر معبر باب الهوى، بعدما استخدمت موسكو -أبرز داعمي دمشق- حق النقض (الفيتو) لمنع تمديد العمل بالتفويض لـ9 أشهر.
وخلال الجلسة ذاتها، قدمت روسيا مقترحا بديلا لتمديدها 6 أشهر، رفضه المجلس، مع إصرار الأمم المتحدة وعاملين في المجال الإنساني وغالبية أعضاء المجلس على ضرورة تمديد الآلية سنة واحدة على الأقل.
دمشق تشترط
أما دمشق التي طالما اعتبرت إدخال المساعدات من دون موافقتها خرقا لسيادتها، فأبلغت الأمم المتحدة أنها ستسمح بعبور المساعدات الأممية عبر باب الهوى لمدة 6 أشهر، لكنها وضعت شرطين، يتمثل الأول في “تشديد الحكومة على وجوب ألا تتواصل الأمم المتحدة مع كيانات مصنفة “إرهابية”.
كما تشترط أن تشرف اللجنة الدوليّة للصليب الأحمر والهلال الأحمر العربي السوري على توزيع المساعدات.
في المقابل، اعتبرت الأمم المتحدة الشرطين “غير مقبولين”، وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إن على الأمم المتحدة وشركائها أن “يستمروا في التواصل مع الجهات الحكومية وغير الحكومية المعنية، وهو أمر ضروري من الناحية التشغيلية لإجراء عمليات إنسانية آمنة وبلا عوائق”.
واعتبر أن الطلب الثاني “لا يتوافق مع استقلالية الأمم المتحدة، كما أنه ليس عمليا، لأن اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر السوري ليسا موجودين في شمال غرب سوريا”.
وتسيطر هيئة تحرير الشام المصنفة “إرهابية”، على نحو نصف مساحة إدلب ومحيطها، التي يقطنها نحو 3 ملايين شخص، غالبيتهم من النازحين، بينما يقيم 1.1 مليون في مناطق الفصائل الموالية لأنقرة.
ويحتاج غالبية سكان تلك المناطق المكتظة بمخيمات النازحين مساعدات ملحة بعد سنوات من النزاع والانهيار الاقتصادي وتفشي الأمراض وفقر متزايد فاقمه الزلزال.
دمشق تستعيد الثقة
ويرى نيك هيراس الباحث في معهد “نيولاينز” أن دمشق “تظهر ثقة متزايدة في قدرتها على الاحتواء، ومع مرور الوقت، تقليص المناطق” الخارجة عن سيطرتها.
ويقول إن دمشق التي استعادت مؤخرا مقعدها في جامعة الدول العربية على وقع انفتاح عربي نحوها، تريد أن “تبسط سلطتها على المعابر الحدودية”. ولا يستبعد أن تعمل وحلفاؤها على فرض ذلك “بالقوة” في المستقبل القريب.
وفي بيان أمس السبت، رأى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، أبرز تشكيلات المعارضة في المنفى، أن “نظام الأسد المسؤول بشكل رئيسي ومباشر عن تهجير ملايين السوريين، لا يمكن أن يقدم لهم أي خدمات إنسانية”.
البحث عن حل
ويراهن أعضاء في مجلس الأمن ومنظمات على العودة إلى طاولة التفاوض.
وقالت السفيرة السويسرية باسكال بيريسويل، والمكلفة بلادها مع البرازيل بهذا الملف في مجلس الأمن، إن الدبلوماسيين “سيعاودون العمل على الفور لإيجاد حل”.
وتقول هبة زيادين الباحثة في الشأن السوري لدى منظمة “هيومن رايتس ووتش” “على أعضاء مجلس الأمن العودة إلى طاولة المفاوضات والتوصل إلى توافق يضع حقوق السوريين في المقام الأول”.
وفي إدلب، يقول الناشط عبد الوهاب عليوي (46 عاما) “نرفض الأمر ولو قطعوا عنا المساعدات”، مضيفا أن “تسليم الأسد هذا الملف يعني بداية النهاية والذهاب إلى الاعتراف بنظامه”.