القدس المحتلة- لم تلتئم جروح المصور الصحفي المقدسي مصطفى الخروف بعد الاعتداء عليه بالضرب والركل وتهديده بإطلاق النار عليه، بينما كان يوثق بعدسة كاميرته صلاة الجمعة، التي أُقيمت بشكل جماعي في حي وادي الجوز بالقدس، على بُعد عشرات الأمتار من المسجد الأقصى المبارك.
وتقام هذه الفريضة على الإسفلت منذ 10 أسابيع في حيي وادي الجوز ورأس العامود بعد منع المصلين من الوصول إلى أولى القبلتين، وبمجرد انقضائها تباغت قوات الاحتلال عادة المصلين بالقنابل الغازية والصوتية والمياه العادمة لتفريقهم.
تكررت الاعتداءات على الصحفيين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي في حي وادي الجوز بالتحديد، لكن أعنفها سُجّل في الجمعة العاشرة ضد مصور وكالة الأناضول التركية مصطفى الخروف.
غطّى هذا المصور صلاة الجمعة ثم هَمّ بمغادرة المكان مع زميله، فاعترض طريقهما أحد الجنود بعد مناداتهما وسؤالهما عن الوجهة التالية فأجابا “عائدين إلى سيارتنا”.
طلب الجندي منهما التوجه إلى الضابط وهكذا فعلا، لكن الضابط قال لهما إذا لم تكن وجهتكما سيارتكما للمغادرة فيمنع عليكما الخروج من المكان.
مباغتة وإذلال
سأل مصطفى الضابطَ عن سبب المنع، لكن الجندي باغته بركله بحذائه العسكري في يده، ودفع هذا التصرف المصور للسؤال مرة أخرى عن سبب الاعتداء، فما كان من الجنود إلا الهجوم عليه وعلى زميله المصور والاعتداء عليهما بالدفع والضرب.
“اخجل من نفسك” وجّه المصور مصطفى الخروف هذه الكلمة باللغة العبرية للجندي الذي اعتدى عليه فاستشاط الأخير غضبا وسحب أقسام سلاحه وصوبه نحوه، وما كان من مصطفى إلا أن رفع يديه واستدار وقال “هاك يداي.. إذا ارتكبت خطأ اعتقلني وتوقف عن الضرب”.
سمع أحد أفراد الشرطة عبارة المصور وأمر باعتقاله فورا فهجم الجنود وأسقطوه أرضا وبدؤوا بضربه بشكل جماعي على رأسه بالأحذية العسكرية وأعقاب البنادق، وبعد دقائق طلب الشرطي من المسعفين التوجه نحو مصطفى لكنه رفض العلاج رغم أن دمه كان يسيل على الإسفلت.
أُطلق سراح مصطفى في المكان ذاته، وطلبت الشرطة الإسرائيلية منه تقديم إفادته بعد تسريحه من المستشفى، ولم يتردد في تقديمها وهناك التقى الجنديين اللذين اعتديا عليه بشكل أساسي أثناء تأديته لعمله الميداني، بينما كانا يخضعان للتحقيق في قسم التحقيق مع الشرطة “ماحش”، حيث تنتهي معظم القضايا بإغلاق الملف دون معاقبة الفاعلين.
ولا تقتصر التضييقات على العمل الصحفي منذ بداية الحرب على الاعتداء الجسدي، بل امتدت لتشمل المنع من العمل والحد من حرية الحركة والتنقل عدا عن الاعتقال على خلفية التعبير عن الرأي عبر منصات التواصل.
التهمة.. أنا فلسطينية
الصحفية راما يوسف التي تعمل بشكل حر مع عدة وسائل إعلام تعرضت هي الأخرى لمنعها من العمل في البلدة القديمة في السابع من ديسمبر/كانون الأول الجاري أثناء مرافقتها لطاقم صحفيين أجانب لإعداد قصة في القدس العتيقة.
وفي حديثها للجزيرة نت عن تلك الحادثة قالت “كنا نسير في طريق الواد ومعنا معداتنا وكاميراتنا عندما باغتنا 3 جنود وطلبوا منا إبراز هوياتنا الشخصية.. أبرز الأجانب بطاقة الصحافة الإسرائيلية وأبرزت أنا هويتي الإسرائيلية الزرقاء”.
سألها أحد الجنود عن بطاقة الصحافة الإسرائيلية فأجابته “أنا فلسطينية ولا يمكنني حمل هذه البطاقة”.
كانت هذه الجملة كفيلة بمنع راما من إتمام عملها في ذلك اليوم، بل وبتهديدها بمنعها من دخول كافة أبواب البلدة القديمة والتغطية داخل السور التاريخي.
“سألتُ الجندي عن سبب منعي فقال: لأنكِ قلتِ فلسطين.. اذهبي إلى فلسطين”، في إشارة إلى أن القدس مدينة إسرائيلية وبالتالي كان يجب عليها أن تقول إنها في إسرائيل.
صممت الصحفية المقدسية على تكرار ترديد العبارة ذاتها أثناء اقتيادها من طريق الواد في البلدة القديمة إلى خارج باب العامود وهي “هذا عمل مخالف للقانون” فأجابها الجندي “لا قانون اليوم.. أنا القانون وأنا الذي أقرر”.
تضيف راما أن هذا الموقف أثر عليها بشكل سلبي من الناحية النفسية وشعرت بالتهديد والخطر، خاصة أن الجنود تعاملوا معها منذ اللحظة الأولى التي قالت فيها إنها فلسطينية على أنها متهمة ومجرمة.
صحفيون بلا حماية
مسؤول لجنة القدس في نقابة الصحفيين الفلسطينيين بلال الكسواني قال للجزيرة نت إن النقابة وثقت منذ بداية الحرب العديد من الانتهاكات ضد الصحفيين المقدسيين، مضيفا أنها تنوعت بين اعتداء بالضرب ومنع من دخول المسجد الأقصى والبلدة القديمة للتغطية، إضافة إلى الاستهداف بالقنابل الغازية والمياه العادمة والاعتقال على خلفية التعبير عن الرأي عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وأشار الكسواني إلى أن النقابة توثق كافة الاعتداءات على الصحفيين وترسلها للاتحاد الدولي للصحفيين الذي يضم أكثر من 600 ألف صحفي في جميع أنحاء العالم.
بدوره، قال الحقوقي المقدسي الخبير في القانون الدولي منير نسيبة إن مقطع الفيديو الذي وثق استهداف وتعنيف المصور الصحفي مصطفى الخروف يظهر مدى عنجهية الشرطة الإسرائيلية وتطرفها مع الفلسطينيين في القدس.
وأشار نسيبة -الذي يدير مركز العمل المجتمعي التابع لجامعة القدس- إلى ضرورة ملاحظة أن المصور لم يظهر أي شكل من أشكال المقاومة، بل رفع يديه مستسلما لكن ذلك لم يُعفِه من المضي في الاعتداء عليه.
وفي نظرة قانونية للموقف، أكد نسيبة أن القانون الدولي الإنساني يقضي بضرورة حماية المدنيين والصحفيين بشكل خاص، فهو يتطرق لهم بشكل محدد ويخصهم بالحماية طالما أنهم لا يمثلون جزءا من الحرب ولا يشاركون في القتال.
وتطرق نسيبة، في ختام حديثه، إلى استهداف الصحفيين بأشكال مختلفة في الحرب الحالية، مشددا على أن المجازر التي ارتُكبت بحق عائلات صحفيي قناة الجزيرة الإخبارية تهدف لإخافة الصحفيين وثنيهم عن ممارسة عملهم.
ووصف هذه الانتهاكات بالتعسفية التي تتجاوز إسرائيل فيها كل الخطوط الحمراء والقوانين الدولية وحتى قانونها المحلي.