على عكس حلفائها الأوروبيين، ترفض الولايات المتحدة وصف التطورات التي طرأت على المشهد السياسي في نيامي بالانقلاب العسكري، على أمل فض الصراع بطريقة دبلوماسية، وذلك بحسب ما أوردته صحيفة إزفيستيا الروسية.
وقالت الصحيفة الروسية في تقرير لها إن السياسة الناعمة التي تتبعها واشنطن واضح أنها تعارض التدخل العسكري في النيجر، وهو الموقف الذي يثير غضب باريس.
وأفاد التقرير أنه ردا على الإشاعات التي تتحدث عن أن استيلاء الجيش على السلطة في النيجر سيجبر جميع القوات الأجنبية على مغادرة البلاد، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) بات رايدر “في الوقت الحالي، لا أتلقى أي طلبات بسحب القوات الأميركية من البلاد، لم يتغير ترتيب قواتنا، نحن نركز على حماية قواتنا والتعاون مع الجيش النيجري في القواعد الموجودة هناك للحفاظ على عملها”.
بل زاد مؤكدا -تتابع إزفيستيا- أن واشنطن لا تزال تركز في الوقت الراهن على التوصل إلى حل دبلوماسي في النيجر.
وترى الصحيفة الروسية أن واشنطن تمتنع عن توجيه انتقادات حادة إلى السلطات الجديدة في نيامي بسبب نشرها لنحو 1100 جندي في النيجر، وتمتعها بإمكانية الوصول إلى كل من القاعدة الجوية رقم 201 قرب مدينة أغاديس في حدود الصحراء الكبرى (حيث يوجد أسطول من الطائرات دون طيار القتالية والاستطلاعية)، والقاعدة الجوية 101 بالقرب من النيجر.
وبحسب إزفيستيا يتعارض هذا الموقف مع سياسة الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) التي كشفت عن استعدادها لإرسال قوات إلى النيجر بدعم فرنسي.
باريس منزعجة
ونقلت إزفيستيا عن صحيفة “لو كانارأونشينيه” الفرنسية الشهيرة أن مصادر في دوائر السياسة الخارجية الفرنسية والجيش ترى أن موقف واشنطن تجاه ما يحدث في النيجر يشكل مصدر إزعاج لباريس.
وتضيف لو كانار أونشينيه أن عبد الرحمن تياني تلقى تعليمه في الولايات المتحدة ويعرف بآرائه المناهضة لفرنسا.
في هذا الصدد، تشكو باريس من أن واشنطن “لم تتفوه بكلمة واحدة دفاعا عن المبادئ والقيم الديمقراطية” في النيجر، وهو ما يمكن اعتباره تشجيعا للانقلابات العسكرية في بلدان أفريقية أخرى.
بناء على ذلك -تؤكد الصحيفة الروسية- أن الانقلاب في النيجر يخلق توترات جديدة بين فرنسا والولايات المتحدة، مبرزة أن المسؤولين الفرنسيين يؤيدون أيضا التسوية السلمية، لكنهم غير راضين عن نهج واشنطن.
واشنطن وراء مصلحتها
من جانبه، قال الباحث البارز في معهد أوروبا التابع لأكاديمية العلوم الروسية سيرغي فيدوروف لإزفيستيا إن الأميركيين مهتمون في المقام الأول بالحفاظ على قواعدهم العسكرية، حيث توجد مسيّرات تتولى مراقبة منطقة الساحل.
وبحسب فيدوروف فقد اتخذت الولايات المتحدة في البداية نهجا أكثر دهاء بعد إدراكها أن أحد قادة الانقلاب تلقى تعليما عسكريا داخلها، وهوما يجعلها تعلق آمالا على إمكانية التفاوض معهم.
وأشار الباحث الروسي إلى توجه فيكتوريا نولاند، مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية، إلى النيجر، وأوضح أنه على الرغم من أن المفاوضات لم تؤد إلى أي شيء، فإن وصول مثل هذا السياسية رفيعة المستوى مهم للغاية.
ويرى فيدوروف أن فرنسا مجبرة على الاعتراف بضعف نفوذها وطردها من النيجر وغيرها لكنها لا تستطيع فعل أي شيء من دون الدعم الأميركي، ويبقى أملها الوحيد في تنظيم نوع من التحالف الأفريقي من الدول المجاورة بهدف إيجاد حل عسكري للصراع.
وشدد في الوقت نفسه على أن أسلوب القوة لحل النزاع له تداعيات خطيرة، مؤكدا أن الولايات المتحدة تستطيع تسوية الصراع بشكل دبلوماسي عن طريق “الابتزاز” والتهديد بعدم تقديم المساعدة المالية للنيجر، أو قطع الإمدادات عنه.
ويعتقد فيدوروف أن جميع محاولات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لجعل أوروبا مستقلة عسكريا وإستراتيجيا عن الولايات المتحدة مجرد تخيلات، لا تمت للواقع بصلة.
خلاف
ونقلت إزفيستيا أيضا عن الباحث في معهد الدول الآسيوية والأفريقية بجامعة موسكو الحكومية نيكولاي شيرباكوف، قوله إن الفرنسيين يؤيدون مراعاة النظام الدستوري في البلاد، وتدعو فرنسا إلى عودة الرئيس محمد بازوم إلى السلطة، لكن آراءها تقابَل بالتجاهل.
ويرى أن فرنسا تؤيد فكرة التدخل العسكري شريطة عودة ذلك بنتائج مثمرة بالنسبة لها، مشيرا إلى أن الوضع حول النيجر أضحى مصدر توتر.
وبحسب شيرباكوف تعتمد النيجر بشكل كبير على المساعدات الخارجية والوضع آخذ في التفاقم بسبب الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها البلاد.
ووفقا للمتحدث نفسه لا تجمع فرنسا والولايات المتحدة شراكة قوية منذ فترة طويلة بسبب اختلاف وجهات النظر بشأن المصالح المشتركة والخاصة.
وشدد على أن جميع خلفاء الرئيس الفرنسي السابق الجنرال شارل ديغول أبدوا تحفظات مهمة بشأن سياسة واشنطن في أوروبا والسياسة الخارجية للولايات المتحدة بشكل عام، لكن من دون تغيير كبير في الأوضاع على الأرض.