2/3/2024–|آخر تحديث: 2/3/202411:00 م (بتوقيت مكة المكرمة)
تناولت مجلة “دير شبيغل” الألمانية مستقبل الأمانة العامة لحلف شمال الأطلسي (ناتو) مع قرب انتهاء ولاية أمينه العام ينس ستولتنبيرغ والمرشحين الأوفر حظا لخلافته وعلى رأسهم رئيس الوزراء الهولندي مارك روته.
وفي مقال لها، اعتبرت المجلة أن روته هو المرشح الأوفر حظا لتولي أمانة الحلف، وهو المنصب الذي عرضته عليه الإدارة الأميركية مرتين من قبل ورفضه.
ولكن عندما اعتزل روته الحياة السياسية في يوليو/تموز 2023، أصبح الطريق إلى بروكسل واضحا إليه، ولكنه سرعان ما اكتشف أن لديه خصوما وعقبات في طريقه إلى منصب أمانة الحلف.
في الأسبوع الماضي، ألقت الدول الـ4 الكبرى في الناتو (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا) دعمها لروته في جهد منسق، وقال متحدث باسم الإدارة الأميركية إن الرئيس الأميركي جو بايدن “يدعم بقوة” ترشيح الهولندي.
كما أشادت الحكومة البريطانية بروته ووصفته بأنه “خبير دفاعي وأمني موثوق”. وقال المتحدث باسم الحكومة الألمانية شتيفن هيبستريت إن روته كان “مرشحا بارزا” من قبل المستشار أولاف شولتس.
هجوم من الشرق؟
وتأمل كل من واشنطن ولندن وباريس وبرلين أن تكتمل عملية الاختيار بحلول نهاية الشهر الجاري، وألا يكون هذا الملف -تحت أي ظرف من الظروف- جزءا من المساومات داخل أروقة الاتحاد الأوروبي بعد الانتخابات البرلمانية الأوروبية في يونيو/حزيران المقبل، أو أن يلقي بظلاله على قمة الذكرى السنوية الـ75 لتأسيس الحلف في واشنطن في يوليو/تموز القادم.
وبدعم من الـ4 الكبار، بدا انتخاب روته بمنزلة صفقة محسومة بالفعل. ولكن بعد وقت قصير من ترشيحه بشكل غير رسمي، أعلنت الحكومة الرومانية عزمها الدفع برئيسها كلاوس يوهانيس مرشحا لمنصب الأمانة العامة للحلف.
ولم يكن التوقيت وحده سبب الانزعاج لمرشحي روته، إذ لم يؤكد يوهانيس نفسه، ولا غيره من الممثلين الرومانيين، الترشح الرسمي، فضلا عن توضيح السبب الذي يجعل يوهانيس أفضل مرشح لمنصب رئيس الناتو. ولم يعلق مكتب الرئاسة الروماني عن سبب الترشح.
هل هي محاولة متعمدة للعرقلة؟
ويتساءل مراقبون في بروكسل عن سبب الترشيح الروماني، هل هو محاولة متعمدة لعرقلة ترشح روته؟ أم مناورة تكتيكية لفرض تنازلات في ملفات أخرى وتأمين منصب رفيع في الاتحاد الأوروبي لرومانيا بعد الانتخابات الأوروبية المقبلة؟.
وكان يوهانيس نفسه قد غذّى النظرية الأخيرة بظهوره أمام البرلمان الأوروبي في فبراير/شباط الماضي، إذ قال للصحفيين إنه سيكون “من غير المقبول” أن لا يكون لأوروبا الشرقية أي منصب مهم في الاتحاد الأوروبي بعد الانتخابات الأوروبية المرتقبة.
ووفقا لعدد من الدبلوماسيين، يحظى روته الآن بدعم حوالي ثلثي أعضاء الناتو البالغ عددهم 31. ومن المرجح أيضا أن تنتمي السويد العضو الجديد إلى معسكر روته، لكن الأعضاء الشرقيين يعارضون.
ويتم انتخاب الأمين العام تقليديا بالإجماع، ولا توجد عملية رسمية تحددها لوائح الحلف، وهذا يعطي مثيري الشغب الفرصة لإثارة المشاكل، حسب وصف دير شبيغل.
هل على روته أن يخشى انتقام أوربان؟
وقد يكون رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان أحد تلك العقبات في طريق روته إلى منصب أمانة الحلف، كما هي الحال في كثير من الأحيان، وروته ليس استثناء من معارضات أوربان المتكررة.
وقال رئيس الوزراء الهولندي في يونيو/حزيران 2021 إنه بعد أن أقرت الحكومة المجرية قانونا موجها ضد الشواذ جنسيا “لم يعد للمجر أي مكان في الاتحاد الأوروبي. نريد للمجر أن تخضع”. والآن يتعين على روته أن يخشى انتقام أوربان.
وهذه المرة، لن يشعر أوربان بأنه معزول، إذ تشعر دول أخرى في الحلف من شرق القارة العجوز بأن الغرب خدعها، فقد حذرت تلك الدول لسنوات عديدة من الخطر الذي تمثله روسيا، وهي تحذيرات سخر منها حلفاؤهم الغربيون، مما يعد سببا وجيها وراء رغبة دول شرق القارة في شغل المنصب الأعلى في الناتو بأحد رجالاتها.
وعلى سبيل المثال، أعرب رئيس وزراء إستونيا كاجا كالاس، عن اهتمامه بمنصب ستولتنبرغ، وترغب بلاده في ضم أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي والناتو، وتعتبر إستونيا من أشد منتقدي النظام الروسي.
لكن هذا لم يزد بأي حال من الأحوال من فرص إستونيا في الحصول على أعلى منصب في الناتو، بل على العكس من ذلك. ويخشى الكثيرون في بروكسل أنه مع وجود كالاس على رأس السلطة، فإن المواجهة مع روسيا سوف تشتد وربما تتصاعد.
أي حظوظ لكالاس؟
بدت الأمور جيدة في البداية بالنسبة لكالاس. وفي حرب أوكرانيا، اكتسب رئيس حكومة إستونيا التي يبلغ عدد سكانها 1.3 مليون نسمة نفوذا غير متوقع. وقد جاء بفكرة أن الاتحاد الأوروبي يمكن أن يشتري بشكل مشترك الذخيرة لأوكرانيا، تماما كما اشترى اللقاحات خلال جائحة كورونا. وفي مارس/آذار الماضي، قرر الاتحاد الأوروبي تسليم مليون قذيفة مدفعية إلى أوكرانيا في غضون عام، بناء على الاقتراح الإستوني.
ولم يكن من الواضح تماما كيفية تأمين هذه الكمية من الذخيرة، وخشية أن يحرج الاتحاد الأوروبي نفسه، صرح منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل مؤخرا بأنه سيتم تسليم نصف الكمية فقط بحلول نهاية الشهر الجاري، على أن تسلم الكمية المتبقية نهاية العام الجاري.
ولا يزال لدى كالاس العديد من المؤيدين في دول شرق الناتو، وقال وزير الدفاع الإستوني هانو بيفكور لدير شبيغل إنه بالإضافة إلى إستونيا، فإن “العديد من الدول الأخرى ستدعم ترشيح الرجل البالغ من العمر 46 عاما. إنهم لا يريدون تقسيم الناتو، لكن كالاس سيكون زعيما قويا للغاية”.
بايدن وترامب وروسيا..
ويلعب البلد الأصلي والجنس للمرشح دورا ثانويا في أفضل الأحوال، كما يقول أحد كبار الدبلوماسيين في الناتو “فالمهم هو العثور على شخص يمكنه التعامل مع كل من جو بايدن ودونالد ترامب والتهديد الروسي”، وهناك اتفاق واسع النطاق على أن روته قادر على القيام بذلك، ويعتبر أكثر حذرا في خطابه تجاه روسيا من دول البلطيق.
ويبدو أن رئيس حكومة تصريف الأعمال في هولندا يستعد لعقد اجتماع آخر مع ترامب، وقال في يناير/كانون الثاني الماضي في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، إن ترامب “أجبر الأوروبيين على زيادة إنفاقهم الدفاعي”. وقال لدى سؤاله في مؤتمر صحفي عن علاقته بترامب إن “العلاقات الودية مهمة. علينا أن نرقص مع كل من هو على حلبة الرقص”.
روته الذي حل ضيفا على ترامب في البيت الأبيض في الثاني من يوليو/تموز 2018 قاطع الرئيس الأميركي -على غير عادة زوار البيت الأبيض أمام الكاميرا- ولم يعارض ترامب فحسب بل بدا أنه لا يهتم لأي ردة فعل.
وكان رئيس الوزراء الهولندي يجلس في المكتب البيضاوي بجوار ترامب الذي كان يتحدث عن القوة الاقتصادية للولايات المتحدة والنزاع التجاري مع الاتحاد الأوروبي، قائلا “إذا وجدنا حلا، فسيكون ذلك إيجابيا وإذا لم يكن الأمر كذلك، فسيكون ذلك إيجابيا أيضا”، ثم رفع روته حاجبيه مبتسما وقال “لا”، واصل ترامب الحديث، لكن روته قاطعه مرة أخرى بابتسامة “لن يكون الأمر إيجابيا. علينا أن نجد حلا”.