من رام الله إلى بيروت، مرورا بدمشق وبغداد والقاهرة ومدن أخرى، أيقظ هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على إسرائيل تضامنا عربيا شعبيا، بينما وسم “طوفان الأقصى” يجتاح الإنترنت.
منذ اللحظات الأولى لعملية حماس غير المسبوقة من ناحية الحجم والأسلوب في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حفلت مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات مؤيدة ومهلّلة للهجوم الذي تزامن مع الذكرى الـ50 لحرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.
وفي أحياء عدة في بيروت وفي ضاحيتها الجنوبية، معقل حزب الله، سارع السكان السبت الماضي إلى توزيع الحلوى ابتهاجا، وتكرّر المشهد في دمشق ومدن عدة في الضفة الغربية، حيث انطلقت مظاهرات مؤيدة حمل فيها المشاركون رايات حماس الخضراء، من دون أن تتدخل الشرطة التابعة للسلطة الفلسطينية كالعادة لإنزالها.
وحلّ التضامن بدل الانقسام المزمن القائم بين الفلسطينيين منذ عام 2007، تاريخ طرد حركة فتح من قطاع غزة وتفرد حركة حماس بالسيطرة عليه.
التفاوض السياسي
وقال منسّق القوى الوطنية والإسلامية في الضفة الغربية، عصام أبو بكر، لوكالة الصحافة الفرنسية، “لا أعتقد أن هناك فلسطينيا واحدا لا يؤيد ما جرى”، مذكرا بأن “إسرائيل أدارت ظهرها لكل عمليات التفاوض السياسي”.
وحسب وزارة الصحة الفلسطينية، قُتل خلال الأيام الأربعة الماضية 18 فلسطينيا وأصيب أكثر من 85 آخرون بجروح خلال مواجهات في أنحاء مختلفة من الضفة الغربية، عقب مظاهرات تضامنية مع قطاع غزة ومنهم خلال تنفيذ هجمات ضد أهداف إسرائيلية.
وقتل 900 شخص في إسرائيل منذ بدء طوفان الأقصى، وردّت إسرائيل بقصف جوي ومدفعي على غزة أودى بحياة 7657 شخصا.
وفي لبنان، حيث ينقسم الرأي العام عموما تجاه حماس، يجاهر كثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي بتأييدهم لحق الفلسطينيين في استعادة حقوقهم.
ففي مدينة صيدا (جنوب)، بثّت مساجد عدة في المنطقة المتاخمة لمخيم عين الحلوة، أكبر تجمعات اللاجئين الفلسطينيين في البلاد، تكبيرات وابتهالات دينية نصرة “للمقاومين الفلسطينيين”.
مع المقاومة
وفي مقطع مصور نشرته على تطبيق إنستغرام، تختصر الكوميدية اللبنانية شادن فقيه ما يردده لبنانيون وعرب كثر لناحية التعاطف مع الفلسطينيين، بغض النظر عن الموقف من حماس. وتقول فقيه “أستطيع أن أكون ضد حماس، وأؤيد أي مقاومة مسلّحة ضد المحتل”.
وفي دمشق، أضاءت دار أوبرا دمشق العلم الفلسطيني على جدارها. وجالت مسيرات سيّارة في شوارع عدة في المدينة، تزامنا مع بثّ أناشيد حماسية داعمة لـ”المقاومة” الفلسطينية عبر مكبّرات الصوت.
وتصدرت وسوم “طوفان_الأقصى، فلسطين، غزة_تحت_القصف، فلسطين_قضيتي” منصة إكس في غالبية الدول العربية. وبدا لافتا التضامن الإعلامي الواسع مع الفلسطينيين وفتح الهواء لمحللين وضيوف تحدثوا عن الحجم غير المسبوق للهجوم ودلالاته في هذا التوقيت.
وفي تونس، أعلنت أحزاب ومنظمات عدة الاثنين تشكيل “اللجنة الوطنية لدعم المقاومة في فلسطين”، ودعت إلى المشاركة الواسعة في مسيرة تنظمها الخميس “نصرة للمقاومة الفلسطينية”، وبينما رفع الطلاب التونسيون في المدارس صباح الاثنين العلم الفلسطيني إلى جانب علم بلدهم، أضاءت ألوان العلم الفلسطيني برج مدينة الثقافة في العاصمة.
وإذا كانت الحكومات العربية أكثر خجلا من شعوبها في التعبير عن موقفها مما يجري، فإن الرئيس التونسي قيس سعيد هو أكثر المسؤولين العرب حماسا لدعم “المقاومة الفلسطينية”.
وأعربت الرئاسة التونسية الأحد عن “وقوفها الكامل وغير المشروط إلى جانب الشعب الفلسطيني”، وقالت إن “على العالم كلّه” أن يعترف “بحق المقاومة المشروعة للاحتلال ولا يعتبرون هذه المقاومة اعتداء وتصعيدا”.
منع المظاهرات
وفي مصر حيث تمنع السلطات تنظيم مظاهرات، اختار مشجعو نادي الأهلي التضامن مع فلسطين على طريقتهم، وذلك خلال مباراة جمعت فريقهم مع الإسماعيلي، حيث صدحت حناجر المئات منهم من على المدرجات “بالروح بالدم نفديك يا فلسطين”.
وبينما أقيمت وقفة تضامنية رمزية أمام الجامعة الأميركية في القاهرة، أشاد مقدمو برامج حوارية غالبا ما يكون خطابهم معاديا لحركة حماس، بـ”مقاومة من شعب أرضه راحت عليه”، معتبرين أن ما جرى ضرب “نظرية الأمن الإسرائيلية”.
وفي بغداد، نظمت فصائل عدة موالية لإيران ومنضوية في قوات الحشد الشعبي المدعوم من إيران، مظاهرات ووقفات تضامنية، رفعت خلالها الأعلام الفلسطينية.
وداس متظاهرون خلال وقفة تضامنية لأنصار كتائب حزب الله، أحد فصائل الحشد، السبت في ساحة التحرير على الأعلام الإسرائيلية وأحرقوها.
ضبط النفس
ودعت الحكومات العربية إجمالا إلى وقف التصعيد وضبط النفس، معتبرة أن ما جرى نتيجة عدم إعطاء الفلسطينيين حقوقهم، لا سيما في دولة، لكن لفت موقف كل من الإمارات والبحرين، الدولتين الخليجيتين اللتين طبعتا علاقاتهما عام 2020 مع إسرائيل، لجهة انتقادهما أخذ مدنيين إسرائيليين رهائن.
ورغم ذلك، شارك العشرات من البحرينيين في مسيرات دعما لعملية طوفان الأقصى” تنُظم بشكل يومي منذ انطلاق الهجوم. ويغطي المشاركون وجوههم، بعضهم بكوفيات فلسطينية وبينهم نساء منقبات، خوفا من أي عواقب كون التجمّع غير مرخص.
وفي الدوحة التي تستضيف مكتبا لحركة حماس، خرجت مسيرة سيارات مساء الأحد وأُضيئت مبانٍ وساحات بالعلم الفلسطيني.
وفي الكويت، أطلقت وزارة الشؤون الاجتماعية حملة تبرعات للفلسطينيين، ونظمت رابطة “شباب لأجل القدس”، وهي جمعية كويتية، تجمعين شارك فيهما العشرات.